الفصل الثالث

454 11 0
                                    

الفصل الثالث
"لأجلك تنحني قناعاتي"!
======
ابتسمت بحب مُطعمٍ بالاعتذار وهي تتقدم نحوه بخطوات سريعة...
كان ينتظرها على دراجته البخارية أمام بيت "الأمير" وهو يعقد حاجبيه بقلق ...
وكم بدا لها في ضوء القمر أكثر وسامة وسحراً!
لم تكن وسامته فخمة التقاسيم تقليدية الوصف بل كانت خشنة رجولية محببة للنفس بسحر غريب يبدو وكأنه ينبع من داخله هو...
هذا الذي تشعر به وكأنه نصفها الآخر في كل شئ...
فقره...كفاحه...حلمه....حبه...
وحتى يتمهما ....مشترك!!
أجل كلاهما جاهد كثيراً في هذه الحياة كي يجد سعادته،
وسعادتها هي صارت مؤخراً مرادفةً له هو...هو فقط!!
كانت وسن قد وصلت إليه في هذه اللحظة لكنه لم ينظر إليها فهتفت وهي تلوح له بكفها أمام وجهه:
_هه...نحن هنا!!
أشاح بوجهه عنها في ضيق تدرك سببه لكنها ستعرف كيف تصالحه...
لهذا ركبت خلفه الدراجة وهي تحمل كيساً ضخماً بيدها ثم طوقت خصره بساعدها الحر معاودةً هتافها المرح:
_همام...عد بنا إلى المنزل وهناك سوف أجيد إزالة عبوسك هذا!
زفر بقوة وهو يشغل دراجته البخارية لينطلق بها بسرعةٍ فضحت حنقه الذي كانت تعذره فيه...
لقد اضطرت للمبيت في بيت "الأمير" ليلتها السابقة أيضاً بسبب ترتيبات الزفاف وهو الأمر الذي كان قد حذرها منه قبلاً...
لكنها لم تستطع الرفض!
لهذا تنحنحت بخفة لتعاود مشاكسته:
_ماذا سيفعل صاحب المطبعة لو علم أنك تركت عملك لتقوم بتوصيلي؟!
أدار لها جانب وجهه ليقول بخشونته التي تدري أي عاطفة يخفيها خلفها:
_فليذهب العالم كله إلى الجحيم...هل كنتِ تريدين العودة للبيت وحدك فجراً؟!
تلفتت حولها للطريق الذي خلا إلا منهما في هذه الساعة المتأخرة من الليل ثم مالت على ظهره بقبلة خاطفة لتهمس بنبرة اعتذار:
_تعلم أنه ليس بيدي!
وصلتها زفرته الساخطة رغم أنه يعطيها ظهره والتي تلاها صمت طويل...
قبل أن يهتف بغضب وهو يتجاوز سيارة فخمة مرت الآن جواره وقد علا منها صوت غناء راكبيها من بضعة شباب عابثين :
_لا أحب عملك هذا...ولا أحب اختلاطك بهؤلاء القوم ...
ثم صمت لحظة ليردف بنفس النبرة الضائقة:
_هؤلاء الأثرياء يظنون أنهم يستطيعون شراء كل شئ بأموالهم...الفقير لديهم لا قيمة له!
شردت ببصرها للحظات ثم قالت وهي تضمه بساعدها أكثر:
_صدقني كل هذا مجرد قشرة...ربما يحاولون التظاهر بالسعادة أمام الآخرين لكن البيت كله غارق بين حزن وجنون.
زاد من سرعة دراجته أكثر لتشعر وكأنما يريد أن يبتعد بها أكثر نحو بيتهما...
كانت تقدر شعوره بالقلق من وجودها في وسط كهذا واحتكاكها بهذه الطبقة البعيدة تماماً عن مستواهما المتواضع...
خاصةً وهو قليل الحيلة فقير اليد وربما لو عمل عمره كله فلن يستطيع أن يوفر لها شيئاً مما تراه هناك.
لكن من قال إن كل هذا يعنيها؟!
لقد كانت صادقة في مقولتها عن المعاناة الصامتة لكل أهل البيت ...
معاناة لا يستشعرها إلا من يقترب منهم لدرجة عالية مثلها، ولا تعوضها كل كنوز الأرض!
وبهذا اليقين عادت تهتف له وكأنها تبرر كلامها:
_السيد الكبير يزن مثلاً...يحسده الجميع على ماله ومركزه ومؤخراً عروسه الجميلة مزن...لكنني لا أرى علاقتهما سوية...ليس فقط فارق السن بينهما ...بل تسلطه الغريب عليها...لا تكاد تلتقط نفساً دون علمه...هي لا تزال صغيرة فرحة بمشاعره هذه لكنني لو كنت مكانها لرأيت كل هذا سجناً كبيراً.
عاد يلتفت إليها بجانب وجهه دون كلام وكأنه يتيقن من صدق ما تقول ...
فابتسمت وهي تربت على صدره من موقعها لتردف بنفس النبرة :
_السيدة إيزيس ليست أفضل منها حالاً...حياتها متوقفة على زوجها ونزواته....سمعتهما مرة دون قصد يتحدثان عن الأمر وصُعقت وقتها من كمّ الإذلال الذي يلحقه بها ...لا أدري لماذا تحتمل وضعاً كهذا...إلا الخيانة!! أكره المرأة التي تتقبلها مهما كان الدافع!
هنا توقف بدراجته فجأة حتى كادت تنقلب على ظهرها لولا تشبثها به فأطلقت صيحة اندهاش بينما التفت هو نحوها ليواجهها بعينيه المتقدتين بغضبه:
_إذن فزوجها عابث سيئ الخلق ...كيف آمن عليكِ هناك؟! كيف؟!
شحبت ملامحها فجأة وهي تنتبه لخطورة ما تفوهت به مع رجل بمثل غيرته لكنها هتفت مدافعة:
_ماذا جرى لك يا همام؟! ألا تثق بي؟!
كز على أسنانه بغضب لم يوقف سيل كلماتها هي الهادر:
_ليس كل الطير مأكولٌ لحمه...وأنت تعرفني جيداً في هذه الأمور.. ثم ما الذي سيجعله يترك كل فاتنات مجتمعه الراقي لينظر لخادمة مثلي؟!
ورغم أن حديثها كان منطقياً لكن فورة الغضب على ملامحه لم تهدأ...
فقط اكتفى بأن أعطاها ظهره ليعاود قيادة مركبته ...
بينما عادت هي الأخرى تتشبث بخصره مع قولها بعناد:
_اغضب كما تشاء لن أدعك تفسد لنا هذه الليلة...لقد خططت لسهرة رائعة.
أمال وجهه نحوها بشبه ابتسامة زينت ملامحه العبوس فضحكت وهي تلكمه بخفة على صدره قائلة بنبرة عاد إليها مرحها:
_اضحك فالضحك مجانيّ يا رجل.
ثم تحولت نبرتها لأخرى حالمة وهي تردف :
_منذ رأيت رقصة العروسين من خلف باب المطبخ وأنا تخيلتنا معاً في نفس الوضع.
هيئ إليها أن نبضات قلبه قد تزايدت تحت أناملها المبسوطة على صدره فتنهدت بعمق مع استطرادها:
_أنا مثلك أحلم بهذا اليوم الذي يجمعنا فيه بيت واحد...ثوبي الأبيض يعانق بدلتك السوداء...نتشارك كل شئ.
كانا قد وصلا في هذه اللحظة إلى بيتهما فتوقف بدراجته ثم ترجل منها ليتناول كفها ويساعدها على النزول...فابتسمت وهي تقف قبالته لتقول بمرح:
_اطمئن ...لا أنتوي أن أطيل فترة خطوبتنا...فقد رأيت بعيني العنوسة تؤدي للجنون.
انعقد حاجباه بتساؤل فضحكت وهي تسير معه إلى مدخل البيت مع قولها باستطراد:
_السيدة كليو ...كلهم يتحدثون عن جنونها وكنت أكذبهم في هذا حتى تبينت رحلاتها السرية لتلك الغرفة المغلقة وجلوسها وحدها فيها بل إنني كثيراً ما أسمعها تحدث نفسها بكلام غريب.
مط شفتيه باستياء وهو يخرج مفتاح غرفته من جيبه ليقول بضيق:
_هل سنقضي ليلتنا نتحدث عن أهل ذاك البيت؟! عرفتِ إذن أنهم يشغلون عقلك أكثر مما ينبغي؟!!
هزت رأسها وهي تقول مكابرة :
_أنا فقط أقنعك أنهم ليسوا مثار حسد ...العاقل من يحمد الله على نعمه ولا ينظر لما في يد غيره.
رمقها بنظرة طويلة وقد عجزت كلماته عن وصف ما يجول بخاطره...
لكنها هي قرأت في عينيه كل شئ...
كل "سطر" من خوف يأبى الاعتراف به...
كل "نَعْي" لأحلام خنقها عجزٌ لم يكن له دخل فيه...
كل"قصيدة" حب اشتعلت في عينيه وانطفأت على حافتي شفتيه وقد منعته طبيعته الخشنة من التفوه بها...
كل "خبر" عن رغبته في حمايتها ولو بعمره كله!!
لهذا همست له أخيراً بنبرتها المطمئنة:
_لا تخف عليّ...صاحبتك بمائة رجل!
_لستِ صاحبتي...أنتِ زوجتي!!
هتف بها بنبرته التي تبدو وكأنها لا تكف عن اشتعالها الثوري فضحكت وهي تتلفت حولها لتهمس وهي تلطم خدها برفق:
_الناس نائمون...أخفض صوتك!
زفر بقوة وهو يشيح بوجهه فاقتربت منه خطوة لتردف بدلال يليق بها:
_صاحبتك وزوجتك وكل عائلتك...وقريباً جداً أم أولادك إن شاء الله !
أسبل جفنيه مع ابتسامة واهنة عرفت طريقها قسراً إلى شفتيه وهو يلفظها أخيراً باشتياق :
_متى؟!
ابتسمت بتأثر وهي تربت على وجنته بهمسها:
_قريباً حبيبي...قريباً!
أومأ برأسه وقد عادت ملامحه لسلامها الذي اعتادته فتنهدت بارتياح ثم رفعت الكيس الذي تحمله منذ خرجت من بيت "الأمير" لتقول بمرح:
_دعنا إذن نتناول طعامنا أولاً...لقد أعده أمهر طهاة المدينة...ستفاجأ بأصناف لم تسمع حتى عنها من قبل...تصور...
_لن آكل منه!
قالها وهو يخفض ذراعها الممسك بالكيس قبل أن يردف بنبرة صارمة:
_لا أريد أن أتذوق ما لم أسمع عنه...طعامنا يغنيني وكفى!
التمعت عيناها بإعجاب لم تفوته عيناه المترصدتين ثم أخفت الكيس خلف ظهرها لتقول بنفس البسمة الراضية:
_كما تحب...سأشاركك طعامك كيفما كان.
ثم ضحكت وهي تردف بمرح:
_نصيب "أم صالح" بنت المحظوظة...نائمة في بيتها مرتاحة وتستيقظ صباحاً لتجدني أعطيه لها!
ضحك أخيراً لأول مرة منذ بدأت هذه الليلة وقد عاد الارتياح يسكن ملامحه قبل أن يضمها إليه بذراعه برفق هامساً:
_كل خوفي فقط أن تجعلكِ إقامتكِ هناك تتمردين على معيشتنا البسيطة هنا.
هزت رأسها نفياً وهي تقول بثقة:
_لو رأيت كيف انتهى حفل زفاف الليلة بحركة سخيفة كانت نذير شؤم على المدعوين جميعاً لحمدت الله على نعمة البساطة.
انعقد حاجباه بتساؤل فمضت تروي له كيف انقطع التيار الكهربائي فجأة ليعود مع مفاجأة قاسية بعقرب أسود مخيف وقطعة قماش محترقة!
كانت عيناه تتسعان بترقب مشوب بالقلق مع روايتها ثم هتف أخيراً بفضول:
_وماذا حدث بعدها؟!
ضحكت لأنها نجحت في إثارة فضوله أخيراً ثم هزت كتفيها لتقول ببساطة:
_سيدي يزن عرف كيف يهدئ المدعوين بزعم أنها مفاجأة أعدها كفقرة مثيرة ختامية للحفل...لكنني أعرف أنه يكذب...هو كان خائفاً حقاً...خاصةً على زوجته...وحرسه الشخصي انتشروا في كل مكان بعدها يبحثون عن متطفل...لا أدري إلى ماذا وصل بهم الحال...لكنني أظن أنها مكيدة من أحد أعدائه ليفسد عليه ليلته.
انعقد حاجباه بضيق من جديد لتقرأ خوفه عليها ثانية فقالت أخيراً بنبرتها المفعمة بالإيمان:
_أعرف ما يجول برأسك لكن لا تقلق...الله خيرٌ حافظاً...أنا سعيدة بعملي هناك .
رمقها بنظرة مستاءة للحظات لكنها دفعته برفق لتجلسه على إحدى درجات السلم قائلة بلهجة آمرة ذات دلال لذيذ:
_ما دمت "وجه فقر" كما يقولون فاجلس هنا وانتظرني كي أعد طعامنا المعتاد ككل ليلة!
==========
_نامي معي الليلة يا أمي...أنا خائف!
هتف بها براء على فراشه فضمته إيزيس بحنان تحاول مداراة خوفها هي الأخرى مما حدث منذ قليل....
حفل زفاف يزن الحبيب انتهى أسوأ نهاية...
انتهى بالهلع المصاحب لظهور قطعة القماش المحترقة تلك بكتابتها الغريبة ومعها ذاك العقرب...
عقرب؟!!
غريب!
وعندها تذكرت مقولة براء يوم قال:
_السمك سيموت...العقرب سيقتله!
فازداد انقباض قلبها وخوفها على صغيرها يعاودها ...
قبل أن تزدرد ريقها لتضمه إليها أكثر بسؤالها الحذر:
_ماذا تعرف عن العقرب يا براء؟!
رفع عينيه إليها بنظرة غريبة لتزيغ عيناه وهو يجيبها بكلمات متثاقلة:
_أعرف أنه ....يؤذي كثيراً لكنه ....يحمي أحياناً!
ازداد شحوب ملامحها وهي تلاحظ غرابة عبارته لتعاود سؤاله بأقصى ما استطاعته من هدوء:
_ومن يحمي ؟!
ظلت عيناه شاردتين في الفراغ للحظات قبل أن يعاود همسه الغريب:
_يحمي المظلوم...الوحيد...المنسيّ!
ازدادت خفقاتها جنوناً والخوف يحتل جسدها كلها بهيمنة غريبة ...
كادت تعاود سؤاله عما يعنيه لكن تلك القشعريرة الباردة التي أرجفت جسدها جعلتها تكتفي بهذا القدر محاولةً إقناع نفسها أن كل هذا من محض خياله الخصب!!
لهذا تمددت جواره لتداعب شعره بأناملها هامسة بصوت متهدج:
_نم حبيبي ولا تخف...أنا معك!
قالتها وأنامل كفها الآخر تربت على ظهره ببطء وأمواج ذهنها تتقاذفها بين هدير عاصف من أفكار...
براء وتغير أحواله الغريب...
يزن ومن يحاول إفساد ليلة زفافه...
وأخيراً تيم...تيم الذي غادر الحفل قبل واقعة "العقرب" هذه مع تلك المرأة التي كان يراقصها...
أجل...لقد راقبتهما وهما ينصرفان معاً وصوت ضحكاتهما كان كطعن الخناجر في صدرها...
ترى أين أخذها؟!
هي تعرف هذه المرأة جيداً وتوقن من حبها لزوجها المسافر ...
لكن شيطان غيرتها يدفعها الآن نحو جحيم من ظنون تذبحها بلا رحمة!!
انقطعت أفكارها عندما سمعت صوت خطوات في الرواق الخارجي فعلمت أنه قد عاد أخيراً...
وكذلك عاد قلبها لجنون خفقاته وهي تزيح رأس الصغير النائم من على صدرها برفق تهم باللحاق ب-معذبها-
لكنها ما كادت تقف على قدميها حتى ترددت بالذهاب..
براء خائف وأحواله غير طبيعية وطلب منها النوم جواره...فهل من الصواب أن تتركه وحده؟!
ظلت تنقل بصرها للحظات بين وجه الصغير النائم وباب الغرفة المغلقة وهي حائرة فيمَ تفعل...
ضميرها يوخزها بسبب انشغالها عن الصغير لاهثة خلف ذاك -العابث- الذي لا يريحها بمرسىً على بر!
لكن عزاءها أنها تفعل كل هذا لتحافظ له على أبيه...
يوماً ما سيشكرها على فعلتها هذه بل إنه لن يسامحها أبداً لو علم أنها فرطت في حقهما فيه!!!
هذا ما أقنعت به نفسها وهي تلقي على الصغير نظرة أخيرة قبل أن تغادر الغرفة بخطوات بطيئة نحو غرفتهما...
كان قد بدل ثيابه واستلقى على الفراش متطلعاً إلى السقف بشرود...
عندما تقدمت منه ببطء لتجلس جواره على طرف الفراش هامسة بصوت أرادته جامداً وكان لها ما أرادت:
_أين كنت؟!
لم يكلف نفسه عناء النظر إليها مكتفياً بتحديقه في السقف مع جوابه المقتضب رغم خبث لكنته:
_معها!
لطمت كلمته اليتيمة قلبها كصفعة قاسية لترتعش نبرتها الجامدة رغماً عنها مع سؤالها التالي:
_لقد رأيتكما تخرجان معاً...ماذا كنتما تفعلان؟!
انتقل خبث لكنته لنظراته التي اعتقلتها بسجون غيرتها مع قوله :
_بظنّك ماذا يفعل الرجل مع امرأة جميلة عندما يكونان وحدهما؟!!
كانت تعلم أنه يراوغها تماماً كما يفعل في كل مرة تواجهه فيها بشكها في خيانته...
ردوده دوماً مواربة وكأنه يتعمد إصابتها بالجنون وهي تتخبط بين تصديق قلبها لإخلاصه والدلائل التي يسوقها عقلها والتي تسقط في طريقها لترتطم بها خطواتها يوماً بعد يوم..
خائن...أم مخلص؟!
عاشق...أم غادر؟!
قريب...أم بعيد؟!!
ما الذي يقف بينهما؟!!ولماذا تغير هكذا فجأة؟!!
فقط لو يريحها...لو يجيبها ...لو يضع حداً لشكوكها!!!
لهذا مدت أناملها ببطء لتبسطها على صدره هامسة بنبرة محذرة:
_تيم...حتى الآن يشفع لك رصيدك عندي...حتى الآن لازلت أقيم وزناً لعهدنا القديم...لازلت أقنع نفسي أن ما نمر به أزمة عابرة ستنتهي ...لو نفدت طاقتي فلا أعلم كيف سأتصرف!
ورغم ما حاولت تغليف لهجتها به من قوة لكن الرجاء الذائب بين حروفها وصله بوضوح ...
ليبتسم بسخرية -لم تخلُ من مرارة- وهو يسلط عليها نظرات مشتعلة كالجمر!!!
فأخذت نفساً عميقاً ليعلو صدرها ويهبط بتنفس سريع رافق تساؤلها بما يشبه الصراخ:
_قلها صراحة....هل تخونني؟!
_لا!
هتف بها حاسمة فارتسم الارتياح على ملامحها أخيراً وهي تغمض عينيها بقوة ...
لكنه أكمل عبارته مخالفاً لظنها:
_لا...لن أريحك بجواب صريح!!!!
فتحت عينيها مذبوحة بتلك القسوة التي تساقطت بين حروف كلماته عندما جذب معصمها بقوة ليعتصره بين أنامله مع استطراده :
_هل تعلمين ما هو الأقسى من خيانتي لكِ؟! أن أجعلكِ تدورين حول نفسك وأنت لا تعلمين الحقيقة...تخافين خسارتي لأجل مجرد ظنون...وفي نفس الوقت لا تشعرين بأمانك الكامل معي!
شهقت بعنف للحظة قبل أن تفاجئه بأن ألقت رأسها على صدره لتمرغ وجهها فيه مع هتافها الباكي:
_لماذا تفعل بي هذا؟! أنت تعلم أنك كل حياتي...تماماً كما تعلم أن خيانتك...أنت...أنت بالذات...ستذبحني...
ثم رفعت إليه عينيها الباكيتين بهمسها المتقطع بين دموعها:
_صدقني ما يحفظ لي ما تبقى من أنفاسي هو ذاك الشك الذي تحكي عنه...لو تأكدت من خيانتك ...لو فعلتها...لو فعلتها...
ظلت تكرر كلمتها الأخيرة بشفتين مرتجفتين وكأنها عاجزة عن إيجاد بقية ...
لكنه أكملها لها ب-طعنة غادرة- لم تحسب حسابها:
_فستنتحرين مثلها؟!
هنا تجمدت ملامحها بصدمة وهي تبتعد عنه ببطء وذكرى بعيدة تعاود احتلال رأسها....

تعاويذ عمران حيث تعيش القصص. اكتشف الآن