الفصل السابع

301 9 0
                                    

الفصل السابع
(لا عدل في محكمة الحب)
======
اختلست نظرة جانبية لوجهه ألهبت شعورها نحوه أكثر ، فيما بدا هو وكأنه لا يراها ...
أنامله كانت متشبثة بمقود سيارته بتشنج تعرفه من تحفظ تفاصيله مثلها...
ما الذي جاء به إلى هنا الآن؟!
ألم يطق صبراً على انتظار تفاصيل لقائها بتيم ؟!!
إلى هذه الدرجة يهتم بتلك المرأة...زوجته ؟!
والخاطر الأخير أحرق ما تبقى من حقول أملها لولا شعاع أمل خافت تسلل إليها من كونها -فقط -واهمة !!
أجل...غيورٌ حمقاء قد زادها حبها اليائس خبالاً!!
الوزير لا يعشق...
هو نفسه أخبرها أن الحب عنده لا يساوي شيئاً...
إذن ما سر اهتمامه بهذه المرأة إذن!!
تباً لك يا عمران!!!!
لو لم يكن مفتاحك اللعين هذا قد اشترط عليّ القصاص لتنفيذ مطلبي لكانت الأمور أسهل!!
لكن ...لا بأس!!
سأجد طريقة للعثور على يزن الأمير وتنفيذ حكمك فيه...
وبعدها ستفتح لي كل الأبواب المغلقة!!!
وكأنما منحتها الفكرة الأخيرة بعض الجرأة التي جعلتها تلتفت نحوه بجسدها لتسأله بترقب لم يغادره خوفها بعد:
_لماذا جئت بنفسك؟!
فالتفت إليها بدوره ليهمس ببطء وسط رماد عينيه المحترق:
_كان يجب أن...أطمئن!
وبمنتهى الغباء...
بمنتهى الأمل...
أو ربما بمنتهى العشق ...وجدت نفسها تهمس بانفعال:
_عليّ؟!
لتردها ضحكته الساخرة لواقعها وهو يعاود النظر أمامه دون رد...
فأطرقت برأسها وقد امتلأت روحها بالحقد عليه ...
وعلى نفسها قبله!!!
أيتها الحمقاء المندفعة...
لماذا تنسين دوماً دورك على رقعة الشطرنج خاصته؟!
مجرد بيدق عاجز لا يملك سوى أن يسير خطوة واحدة...
ولن تنتهي اللعبة حتى يضحي به أحدهم لصالح "الملك"!!
ولم تكد تتم خاطرها حتى شعرت بالسيارة تتوقف فرفعت رأسها لتجدهما أمام منزله هو!!!
خفق قلبها بقوة وهي تتذكر تفاصيل لياليها هنا...
لياليها التي تراوحت بين قمة اللذة وقمة الذل...
لكنها مع هذا تعشقها...
ربما لأنها أكثر لحظات حياتها -هي- صدقاً ...دون زيف...دون رتوش...دون تظاهر ...
هي هنا تعيد ل"شادية" بعضاً مما انتزعوه منها...
تعيد إليها قلباً يشعر ويحب ...
وجسداً لا يسلم نفسه إلا لمن أحب!!
_هل ستبقين هكذا للصباح؟!
انتزعها صوته المتهكم -الذي اشتمت فيها رائحة لهفته- من شرودها...
فعادت ترمقه بنظرة مختلسة قبل أن تهمس بصوت مهزوز:
_هل تريد معرفة ما حدث هنا؟!
_بل بالأعلى يا "حلوة"!
همس بها بنبرته التي تجيد مزج العبث بالهيمنة كما تجيد العزف على أوتار روحها المنهكة...
فازدردت ريقها بتوتر ثم ترجلت من السيارة لتسير خلفه حتى وصلا إلى شقته التي أغلق بابها وراءه...
قبل أن يقتنص نظراتها بمهارة مع قوله بخبث:
_تبدين بحاجة إلى شراب...
ثم مال على أذنها ليردف بنبرة أكثر خبثاً:
_أراهن أنكِ لم تجدي عنده ما يرضيكِ!
ارتجف جسدها وهي تفهم عبارته تماماً كما أرادها...
ما ظهر من معناها وما بطن!!
بينما توجه هو نحو طاولة المطبخ ليصب لها كأساً من نوع فاخر للغاية هذه المرة ..
فانعقد حاجباها بضيق وهي تلتقط ذبذبات جسده المتوترة رغم جمود ملامحه...
كيف عرف أن تيم لا يشرب الخمر؟!
وهل أهميته ك"زبون" تعادل أن يتحرى عنه حتى يصل لمثل هذه المعلومات الدقيقة؟!
إلا إذا كانت قيمته من قيمة "زوجته" تلك التي تستشعر أنها هي من خلف توتره هذا!!!
انقطعت أفكارها عندما التقت عيناهما وهو يمد لها يده بكأسها فتقدمت منه لتتجرعه بشربة واحدة أمام عينيه المتربصتين...
قبل أن تقرأ سؤاله المتلهف في عينيه والذي لم يكبد نفسه مشقة النطق به!!
فتنحنحت وقد راودتها نفسها بالكذب الذي عززته غيرتها وهي تقول بلامبالاة مصطنعة:
_تماماً مثل كل مرة...اكتفى ببعض الصور البريئة!
ظلت عيناه على برودهما للحظات قبل أن يشتعل رمادهما من جديد ...
لقد أغضبه قولها...أو ربما كذبها!!!
لم تتمكن من الفصل في هذا الشأن سريعاً....ولها عذرها !!!!
ففي خلال ثانية واحدة ...
كان صوت تهشم زجاجة الخمر -التي صب لها منها لتوه- يدوي في أذنيها ...
قبل أن تشهق بعنف وعنق الزجاجة المكسور بأطرافه الحادة يلاصق رقبتها بينما كان ساعده يعتصر خصرها ليحكم سيطرته عليها ...
مع همسه الصارم أمام عينيها المرتعدتين:
_من سوء حظك أنكِ لا تجيدين الكذب...خاصة مع رجل مثلي!
ارتجف جسدها بعنف حتى دمعت عيناها وهي تشعر بخوف حقيقي وملمس الزجاج الحاد يكاد يخدش بشرتها الناعمة...
فأغمضت عينيها بقوة لتتحرر دموعها من سجنها ثم تمتمت بخنوع:
_سأخبرك ...فقط...أبعد هذا فقد جرحني بالفعل!
لم يستجب لرجائها مباشرة وكأنه يتلذذ بهذا الخوف الذي كسا ملامحها...
قبل أن يرحمها أخيراً ليلقي ما بيده جانباً ثم حررها من ساعده ليعاود همسه القاسي:
_أنصحكِ ألا تعيديها...أنا لا أسامح على نفس الخطإ مرتين !
أومأت برأسها إيجاباً وهي تمد أناملها تمسح قطرات الدم عن جرح عنقها البسيط...
عندما ابتعد هو لعدة خطوات ليجلس باسترخاء على الأريكة فارداً ذراعيه على ظهرها ببرود وكأنه لم يفعل شيئاً منذ لحظات...
عيناه مثبتتان عليها بظفر صياد أحكم الوثاق حول فريسته...
فريسته التي لملمت أشلاء ذلّها بسرعة تليق بمن عودتها الأيام على هذا !!
قبل أن تتوجه نحوه حتى إذا ما كادت تجلس على الكرسي المقابل له رفع لها سبابته مشيراً أن تأتي لتكون جواره ...
آه أيها الغريب!!
ستقتلني خطواتي إليك يوماً ...ومع هذا لا أملك إلا أن أسيرها ...بل وأُجدّ السعي فيها !!
خطوة باليمين تمنحني الأمل...
وأخرى باليسار تنزعه!!
خطوة باليمين تعيد ترميم ذاتي...
وأخرى باليسار تنسفها نسفاً!!
خطوة باليمين تساوي حباً لم أعرفه إلا لك...
وأخرى باليسار توازي خوفاً ما عرفته لأقسى منك!!
خطوة تقتلني...وخطوة تحييني...
ولا أملك إلا أن أسير معك الطريق لآخره ...
نعم ...يا صاحب الرماد المشتعل....
إذا كنت أعجز عن منع خطواتي نحوك ...
فلا حيلة لي إلا أن أنتظر أن تقف قدماي وحدهما...
وقتها أعرف أنني سأسقط للأبد!!
وهكذا وجدت نفسها تجاوره على الأريكة ...
عيناها تطاردان تفاصيله بتفحص عشق مريض...
بينما بدا لسانها وكأنه بإرادة مستقلة يحكي تفاصيل ما حدث بآلية تامة...
حتى انتبهت أخيراً على لمعة عينيه الظافرة مع همسه:
_خانها!!
قالها بمزيج من "شماتة" و"خيبة"!!!
وإن كانت قد فهمت الأولى فقد أدهشتها الثانية!!
لو كانت امرأة تيم هي من تعنيه حقاً فلماذا تستشعر هذا الخذلان في نبرته؟!!
وكأنه كان يتمنى لو يصمد تيم أكثر!!!
غريب!!
لكنه قطع عليها أفكارها وهو يأمرها بمعاودة الحديث فانتزعت نفسها من شعورها الخاص لتقص عليه بقية التفاصيل...
فتزداد لمعة عينيه الظافرة وهو يهمس ببطء منتشٍ:
_إذن ...فسيُريها الصور ...عظيم...قصّر علينا الطريق كثيراً!
ثم رفع سبابته في وجهها ليردف بصرامة:
_من الآن تنتهي علاقتك به تماماً...لا تحاولي لقاءه مهما حدث!
عقدت حاجبيها بدهشة متسائلة لكنه ضحك ضحكة قاسية زادها شروده غموضاً مع همسه الغريب:
_الآن تتراص القطع على الرقعة بالترتيب الذي أردته...والخطوة القادمة..."كش ملك"!!

تعاويذ عمران حيث تعيش القصص. اكتشف الآن