يقال أن أقرب طريق لقلبها عن طريق معدتها، هذه المقولة الشهيرة التي كانت للرجال في السابق ولكن الآن أصبحت تتناسب مع زينة أكثر .
تلك الفتاة التي تعشق الطعام مثل عيناها، وتنحاز بشدة للوجبات السريعة ذات السعرات الحرارية العالية، فكلما يشتد بينها وبين حمزة أي خلاف على الفور يهديها أي من وجباتها المفضلة لتسعد بها .
خرج من المعمل بعدما أنتهى من تحضير مُركب الدواء ليجدها متلبسة في جريمتها، رفع حاجبيه في بلاهة ثم ضحك:
- وإن دخل عليكِ دكتور رؤوف دلوقتي شكلك هيبقى إيه؟
فزعت من صوته لتلتفت خلفها وتصيح به:
- يا شيخ خضيتني .. هفتانة يا جدع
ضحك بشدة ولم يستطع السيطرة على ضحكاته:
- هفتانة ويا جدع!! .. طب يا رب يدخل عليكِ دلوقتي ... كشري يا زوزة في الصيدلية ده كلام !!
ردت بتلقائية:
- دي بتتهضم بسرعة حاجة كده سد جوع عقبال ما أروح .. ثم محسيني إني جايبة معايا حلة محشي .. دي حيالله علبة كشري يتيمة ومن غير كبدة كمان
ضحك حمزة بشدة:
- قلبي .. حرام عليكِ هتموتيني من الضحك .. لا كتر خيرك بصراحة يا زينة ده اللي كان ناقص .. خليكِ فاكرة بس إن الكاميرات شغاله وهيجيبك هيجيبك
نظرت سريعًا إلى الكاميرات لتعيد علبة الكشري في الحقيبة البلاستيكية وتغلقها جيدًا بحزن وضيق شديدين، لتنظر له وتقول بطفولية:
- أهو يا سيدي ارتاحت .. بتفكرني ليه بس
اقترب منها وقال بحب:
- عشان مش عايزه يأذيكِ .. واحنا في غنى عن أي كلمة غلسة
ابتسمت ثم مسحت فمها بمنشفة ورقية مردفة:
- صح عندك حق .. آه لو الكاميرات دي تقف خمسة بس أخلص علبة الكشري دي
لم يستطع حمزة تمالك نفسه من الضحك:
- ههههههههههههه يا ستي فداكِ علبة الكشري هجيبلك محل بحاله .. ياريته بيبان عليكِ بس
كادت أن ترد إلى أن حضر دكتور رؤوف الصيدلية، ألتزموا الصمت إلى أن دخل غرفة مكتبه .
تأكد حمزة من اختفاءه ليقول بصوت منخفض:
- ربنا يستر
نظرت له في توترت ولم ترد .
دقائق وسمعت زينة صوت من الداخل لترتجف فجأة، نظرت لحمزة بمعنى ماذا أفعل، قال مسرعًا:
- أدخلي بقلب جامد كده متخافيش
أومأت ثم دخلت الغرفة وقلبها يرتعش من التوتر، وهي تدعو الله أن يمر هذا الموقف بسلام، قرعت على الباب ثم دخلت بعدما سمعت الأذن بالدخول .
كان الدكتور رروف منشغل ببعض الأوراق أمامه، فقال دون أن يرفع عيناه فيما يفعل:
- طلبية الأدوية بتاعة شركة فارما سكان وصلت ؟
توترت زينة من سؤاله، كانت تعتقد بأنه سوف يقوم بسؤالها عما كانت تفعل قبل مجيئه، فردت بصورة شبه طبيعية:
- لسة يا دكتور .. بعتوا فاكس أول امبارح إنها بس هتتأخر شوية عشان لسة الشحنة في الجمرك
رد بنفس الوضع:
- طيب تمام .. ابعتيلهم فاكس وبلغيهم أول ما الشحنة توصلهم يقولولنا في أقرب فرصة .. لأن الدوا مطلوب جدًا ومفيش منه إلا علبتين .. أول مرة يتأخروا كده في التسليم
تنهدت ثم قالت بهدوء:
- تمام يا دكتور
كادت أن تخرج اوقفها رؤوف قائلًا:
- سادة ولا بالكبدة؟
تخشبت مكانها واتسعت عيناها بصدمة، لا تصدق ما تسمع، بلعت غصتها بصعوبة وهي ترد بارتباك:
- إيه ؟!!
رفع رأسه وقال بجدية متناهية:
- الكشري .. سادة ولا بالكبدة يا دكتورة؟
تسمع صوت دقات قلبها المتعالي بشدة، تخشبت في مكانها وتوترت ولا تعرف ماذا تجيب، حسمت أمرها بعدما أيقنت بأنه لا مفر بعد الآن:
- سادة يا دكتور وبكمالة زيادة
أردف رؤوف بجدية وحزم:
- طيب خلصي علبة الكشري اللي ركنتيها تحت .. وآخر مرة كشري يدخل الصيدلية ريحته بتروح بصعوبة مع التكييف .. مش هخصملك المرادي مفهوم ؟!
أومأت بتخشب ورعب بداخلها لتقول سريعًا:
- حاضر .. عن أذنك
أنت تقرأ
قهوة مظبوطة
Randomرغم كحولها نعيشها .. رغم مرارتها احيانًا نشعر بلذتها لتزول تلك الغُصة رويدًا رويدًا مع انغماسنا بها .. رائحة ذكرياتها وعبق حكاياتها .. تلك الحياة بحلوها ومرها اصبحت كإدمان لمحبيها، كأنها لبعض البشر امرأة عجوز مر بها الزمان ومازالت تحافظ على رونقها و...