٤

180 16 3
                                    

رويدة الدعمي | تسبيحة الزمن

4

في تلك الليلة لم تنم الفتيات الثلاث مطلقًا
لقد قضت جنات ليلتها تلك بالتحدث إلى اختها هبة الرحمن عن (إيهاب) وكيف كانت نظراته لها!

كانتا تتهامسان حتى لا تستيقظ اختهما الصغرى مريم وتستمع إلى حديثهما الشبابي هذا، فهي برأيهما ما زالت صغيرة على هذه الأمور !!

لم تكن الأختان تعرفان بأن مريم كانت مستيقظة وهي تسمع كل ما يدور بينهما!

قالت هبة بفضول :
- ولكن من يقول بأنه كان ينظر إليكِ بإعجاب؟

تأفأفت جنات وهي ترّد عليها بالقول :
- ما بك يا أخية؟

لقد شعرت بنظراته تلك.. صدقيني!

عادت هبة إلى التساؤل :

- ولكن قد تكون نظراته عادية جًدا بينما أنتِ تفسرينها على هواك ِ!!

قالت جنات وقد شعرت بشيء من الصحة في كلام اختها :

- أتعرفين يا هبة.. كانت غلطة أبي منذ البداية وكان على ماما أن تقنعه بعدم ذهابنا.. صح ؟

هزت هبة رأسها وهي تردد : صح.. صح!
قالت جنات :

- لقد سمعت ماما تذكر حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) .

- ماذا تقصدين يا جنات؟
- اقصد أن إيهاب عندما دخل المطبخ ووجدني لوحدي كان يستطيع أن يتكلم معي بأي شيء أو أن يتصرف بأي تصرف يمليه عليه الشيطان لولا انه شاب متدين.. صح ؟

هزت هبة رأسها مرة أخرى وهي تقول : صح.. صح!

أكملت جنات : 
- لكنه التزم الصمت واكتفى بالنظرات التي كانت توحي لي بالشيء الكثير!

استهجنت هبة كلام اختها الكبرى هذه المرة ولم توافقها الرأي بالقول : 

- ولكنها مجرد نظرات.. ما بك تعملين من الحبة كبة!!
ثم اردفت وقد استعدت للنوم :
- والله يا جنات لو سمع أبي أو أخي علي بكلامك هذا لما تركوك بسلام.. . بل لما تركوا ذلك الشاب المسكين بسلام أبدا!!

وضعت جنات رأسها على الوسادة وهي تتخيل ما قد تؤول إليه الأمور .. 

أخرجت هبة رأسها من الغطاء متسائلة :

- هل تريدين القول من كل كلامك السابق بأن إيهاب يرغب بالزواج منكِ؟

قالت جنات وهي تحاول أن تنهي الحديث :

- حتى وإن كان يتمنى ذلك فعًلا، فلا أظن بأن والدي سيوافق، فإيهاب في النهاية ما هو إلا ابن تلك المرأة الفقيرة التي ساعدها أبوانا وجعلاها تحصل على ذلك المنزل! 

اما أنا فأنتمي إلى عائلة راقية ومثقفة.. فأبي وأمي أستاذان جامعيان، وإيهاب مجرد شاب فقير يعمل 
سائقًا للأجرة!

قالت هبة وهي تؤكد كلام جنات :
- نعم بالفعل.. وحتى سيارة الأجرة هي في الأصل لأبينا.. أم نسيتِ ذلك!؟

قالت جنات بإحباط : لا.. لم أنسَ ذلك!
ثم أردفت بحزن :

- رغم أنني أراه شابًا متدينًا ومناسبًا..لكنه فقير جًدا للأسف الشديد.

هنا قامت مريم من فراشها وقد شعرت بأنها ستنفجر إن بقت تمثل دور النائمة!

قالت وقد وقفت على قدميها ورمت الغطاء بعيداً :

- إسمعا ما سأقوله الآن .. إن الفقر ليس عيبًا أبداً فالرزق بيد الله سبحانه وتعالى، ثم ألا تتذكرا سيرة رسولنا محمد ( صلى الله عليه وآله) ألم يكن شابًا فقيراً عندما تزوج من سيدة قريش(السيدة خديجة) رضوان الله عليها؟!

قالت جنات وهي تتوسل اليها :
- أرجوكِ اخفضي صوتك.. أنتِ محقة في كل ما تقولين، لكن اندفاعك هذا سيجعل الجميع يعرف بالأمر !

حينها شعرت مريم بالخجل وقالت باعتذار :
- آسفة يا اختي الحبيبة لكني لم احتمل سماع حديثكما وأنتما تصفان ذلك الشاب بالفقير، إن الفقير الحقيقي كما تقول أمنا هو الذي يفتقر إلى الدين والأخلاق حتى وإن كان يمتلك من المال ملايين بل مليارات!

اما الغني الحقيقي فهو ذلك الذي يملأ الإيمان قلبه ويقنع بكل ما لديه بل ويشكر الله على ذلك، فالمهم انه يعمل والباقي على الله تعالى، والأهم من هذا أنه في سلامٍة من الدين.. وهذا يكفي!

قالت هبة بدهشة :
- والله إن كلامك يشبه إلى حد كبير كلام ماما تسنيم.. سبحان الله !

ثم أدارت هبة بوجهها نحو اختها الكبرى وهي تقول :

- ولكن ماذا إن خطبك إيهاب بالفعل يا جنات؟
- سأكون في حيرة من أمري.. طبعا!

قد يكون رأي والدي بأن هذا الشاب لا يمكن أن يوفر لي حياة كريمة، وسيكون رأي ماما تسنيم عكس ذلك!

قالت هبة مبتسمة :
- حينها أنصحك بالاتجاه لأخذ الاستخارة !
فإن كانت جيدة اقنعي والدي حينها عن طريق ماما تسنيم،  وإن لم تكن كذلك فوافقيه الرأي على رفض إيهاب.. أم ماذا تقولين؟

وقبل أن تجيب جنات قالت مريم :

- ولماذا الاستخارة ؟

إن كان غني الأخالق والدين ولديه سيارة يعمل فيها ليجلب الرزق الحلال ، وقد أكمل دراسة الإعدادية ولولا مسؤوليته تجاه اخويه لأكمل دراسته الجامعية أيضا.. هل يوجد أفضل من هكذا إنسان؟

لم تحتمل هبة فصرخت في وجه مريم :

-ألا ترين أن كلامك أكبر من عمرك؟
ثم أنت تعارضيني على كل كلمة! 

نظرت جنات إلى هبة نظرة حزينة وهي تقول :
 
- لا يا هبة، صحيح أن كلامها أكبر من عمرها لكنه عين المنطق، لقد ورثت مريم الحكمة من ماما تسنيم، إن ما تقوله صحيح فمجتمعنا يحترم صاحب المال والجاه وينظر للفقير نظرة دونية حتى وإن كان إنسانًا محترما!
طأطأت هبة برأسها

وقد شعرت بصحة كلام اختيها، قالت لجنات :

- نعم فعًلا يا جنات .. يذكرني كلامكما أنتِ ومريم بالبيت الشعري الذي يقول فيه الشاعر :
إذا خطب الغني نساء عصري 
ِرقصن من المسرة والبشارة
ّوإن جاء الفقير ولو تقيا.. 
فِزعن إلى صلاة الاستخارة!

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن