الفصل الرابع
رأته في منامها يبكي جالساً على كرسي متحرك يمد يده إليها وينادي عليها: (ساعديني أرجوكِ.)
نظرت له والشرر يتطاير من عينيها ثم التفتت وقالت: "لو آخر واحد في الدنيا مش هاساعدك.!!"
ثم تركته وذهبت..
استيقظت من نومها تبكي بشدة ولأن الساعة كانت التاسعة صباحا وكان يسكن المكان هدوء سمعت بكائها والدتها..
دخلت بلهفة ثم قالت بقلق: "خير يا رب مالك يا بنتي بتبكي ليه؟!"
تنهدت بقوة وهي تبكي: "بقالي كتير مش حلمت بيه يا ماما.!"
والدتها بدهشة: "هو مين ده يا بنتي؟!!"
حسناء: "الراجل اللي سابنا ومشى"..
والدتها بعتاب: "اسمه بابا يا حسناء."
ردت بحنق: "مش باقدر أنطقها يا ماما لما سابني وأنا صغيرة حسيت إني بقيت يتيمة، لما كنت باروح المدرسة وأشوف كل بنت ماسكة في إيد أبوها أحزن وكنت باعيط بحرقة حسيت بوحدة جوايا، إحساس الأبوة ده معرفوش لأني ما حستوش".
تساقطت دموع والدتها واحتضنت ابنتها بشدة.
التقطت حسناء أنفاسها واستكملت كلامها: "عارفة يا ماما شوفته قاعد على كرسي متحرك وبيمد إيده ليا وبيقولي ساعديني وأنا سبته ومشيت يا ماما"..
قُبض قلب زينب على زوجها الذي لم تنسَ حبه قط ثم قالت بقلق: "خير يا رب أبوكِ في محنة ربنا يستر" ..
نظرت لها بغيظ: "ياااااه؛ يا ماما بعد كل اللي عمله فيكِ ده ولسة بتحبيه وتدعيله.؟!!"
تنهدت بأسى وقالت: "اللي بيحب حد حب حقيقي مهما يعمل فيه مبيقدرش يكرهه ولا ينساه بيفضل يفتكر له كل حاجة حلوة"..
حسناء بابتسامة: "يا ريتني يا ماما عندي قلبك وطيبتك"..
ربتت على كتفها وقالت: "أنتِ طيبة يا حسناء بس عيبك إنك مش بتقدري تسامحي اللي ظلمك؛ لو قدرتِ تسامحي هيبقى قلبك أبيض بلون اللبن".
ابتسمت بحزن وقالت: "فاكرة يا ماما العصافير اللي كانت عندنا لما جبهالي في عيد ميلادي .؟! فاكرة لما كنت مش بطول أحط لهم الأكل وأنتِ كنتِ بتاخدي مني الأكل تحطيه لهم وأقولك اقفلي عليهم أوي يا ماما أحسن يطيروا.؟!"
تنهدت واستكملت حسناء كلماتها ودموعها تنهمر: "وفاكرة لما كنت في يوم صاحية بدري ولقيت العصفورة واقفة على الأرض وجريت عليه أصحيه وقام مفزوع وفضل يجري لحد ما مسكها وحطها في القفص.؟! كان هو اللي بيدفيني وفجأة سحب مني الغطا وسابني بترعش.!"
احتضنتها والدتها وربتت على أكتافها: "سامحيني يا بنتي مقدرتش أدفيكي"..
حسناء بفزع: "لا يا أمي أنتِ لما اترعشت غطيتيني بحضنك الدافي وحنانك ملا حياتي ومكفيني ربنا ميحرمنيش منك يا طيبة"..
نزلت عبرة على خديها فمسحتها وقالت: "ربنا رحيم بعباده يا بنتي, قوليلي أنتِ قرأتِ سورة الإسراء زي ما طلبت منك ولا لسة؟"
حسناء بخجل: "بصراحة لسة والله يا ماما نسيت سامحيني هقوم أتوضى وأصلي الضحى وأقرأها"..
والدتها بابتسامة: "ربنا يتقبل يا بنتي، على ما تخلصي أكون حضرت الفطار وتعالي نفطر سوا"..
قبلتها حسناء من يدها وقالت: "ربنا يخليكِ يا أطيب أم في الدُنيا"..
**************
تمتمت محدثة نفسها: نفسي أشوفه تاني؛ طب ما أنا أروح عند حسناء أتحجج بأي حاجة ويارب يكون هناك وأشوفه؛ هو أنا حبيته ولا إيه.؟! أنا باين اتجننت وبكلم نفسي كمان؛ واتجننت ليه هو أنا هكلمه.؟! أنا الحمد لله براعي ربنا ومنتظرة الحب الحلال؛ يا رب تكون حلالي يا زياد وأكون زوجتك؛ ياااااه دا حلم بعيد أوي؛ طب وبعيد ليه.؟! ربنا قال ادعوني أستجب لكم؛ هفضل أدعيلك ليل ونهار يا رب تجمعني بزياد في الحلال..
أنا هقوم ألبس وأروح لحسناء بأه.!
*******
فرك عينيه وهو يتثاءب: "صباح الخير يا أجمل وأحن أم في الدنيا"..
والدته بابتسامة: "صباح الهنا؛ أنت مش نازل شغلك ولا إيه؟
زياد: "لا أجازة؛ أصلي باخلص شوية حاجات كده؛ ادعيلي يا أمي ربنا يسهل أموري"..
والدته: "ربنا يصلح حالك ويسهلك أمورك؛ بس أوراق إيه دي اللي بتخلصها؟!"
زياد بجدية: "أوعدك يا أمي أول لما تخلص ويجيلي الرد هقولك على طوووول"..
والدته باستغراب: "كده يا زياد بتخبي عليا.؟! ده أنت عمرك ما عملتها"..
انحنى وقبل يدها: "أبداً والله يا ماما ده أنا عايز أعملها مفاجئة ليكِ"..
ارتسمت ضحكة على شفَتيها: "لا خلاص طالما ده قصدك يبقى سماح"..
قال بحب: "ربنا يخليكِ يا رب؛ هروح آخد دش سريع كده على ما الفطار يجهز"..
والدته: "ما تتأخرش عشان قربت أخلص والفطار ما يبردش"..
زياد: "ماشي يا حبيبتي"..
**************
انتهت حسناء من صلاة الضُحى وأمسكت بالمصحف وبحثت في الفهرس عن سورة الإسراء..
بدأت في القراءة إلى أن وصلت لقراءة هذه الآيات التي تحثنا على بر الوالدين..
"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)".
توقفت حسناء عن القراءة تكلم نفسها: "يا رب اهديني إلى ما تحبه وترضاه، رسالتك وصلت يا أمي بس للأسف مش قادرة أنسى، أصل ببساطة كده أسامحه بعد اللي عمله ده كله إزاي يعني؟!"
انطلق جرس الباب معلنا قدوم أحدهم..
والدتها بصوت عالٍ: "شوفي مين يا حسناء؟"
حسناء: "حاضر يا ماما"..
نهضت كي تفتح الباب وقبل أن تصل أوقفها زياد وقال: "خليكي أنتِ يا سمسمة أحسن يكون حد غريب يلا ادخلي جوا على ما أشوف مين".
ذهب زياد كي يفتح الباب وهذا لحسن حظه؛ كان حقاً يتمنى أن يراها؛ مد يده وفتح الباب فقد ظهرت من وراءه..
**************