ساد صمت عميق لا يُسمع فيه إلا أصوات أنفاسي المتضاربة. شعرت بالتقزز والرغبة في القيء والبكاء، وصرخت بها قائلا:
- هل أنت مجنونة بحق السماء؟ اخرجي من شقتي...
- اهدأ.. أعلم أن...
- قلت لك اخرجي..
أمسكتها من رسغها ثم دفعتها للوقوف والخروج من شقتي غير آبه بكلامها. كل ما كان في ذهني أنها كانت تستغل أمر أنني ثرثار مثير للشفقة كي تتلاعب بي.
- عليك أن تصدقني.. أنا متدربة بالمستشفى العاصمي..
فور لفظها بذلك وقفتُ عن الانفعال. أمسكَتِ الشابة رسغها بيدها الأخرى متألمةً ثم قالت:
- لقد تم تشخيصها بالمرحلة الثالثة من سرطان الدماغ، صحيح؟
كان صبري ينفذ حقا، أجبتها بسرعة غاضباً:
- قولي شيئاً لا أعرفه وإلا اخرجي حالاً.
- تم تسجيل أن السيدة كلارا ماتت أثناء جراحة دماغها من أجل القضاء على الورم السرطاني. إلا أنه ما وقع في الحقيقة هو أن طبيبها الجراحي أخطأ طبياً أثناء ذلك، مما سبب لها شللاً كاملاً وذاكرة قصيرة المدى. المستشفى لم يرد إخبارك بذلك، ورأى أنه من الأحسن إخبارك بموتها..
- ما الذي تهذين به؟ كيف يكون من الأحسن إخباري أنها ميتة؟
- لأنها كانت ميتة حقاً. كل من جسدها ودماغها لا يتفاعل. من جانبٍ، قانونياً، فقد خشوا أن تُرفع قضية ضدهم بسبب ذلك الطبيب، خصوصا أنه تم رفع قضايا عديدة بسبب الطبيب نفسه قبل ذلك. بعد حادثة السيدة كلارا، تم طرده وحرمانه من رخصته الطبية.. من جانبٍ آخر، فقد أرادوا ألا تتعذب برؤيتها ساكنة، وظنوا أنها ستكون راحة لك أن تُعلم بموتها... إلا أنك لم تكن كذلك..
- كيف وصلت لهذه المعلومات؟
- الأمر كله بدأ بوصولي إلى تلك الحانة. لم أكن مدمنةً فيما مضى من حياتي، لكن وقعت حادثة غيرت مجرى حياتي كلها. آنذاك التقيتك، فشعرت بالرقة والأسف تجاهك. بحثت عن ملف السيدة كلارا، وفي الأخير وجدت أنها حية. في الليلة التي أُصبت فيه بحادث، حاولتُ كثيرا إخبارك إلا أنني لم أستطع. خرجت آنذاك مسرعة نحو منزلي، فصدمتني سيارة إسعافٍ. كان ذلك من حسن حظي..
ابتسمت بعد ذلك كأن لا شيء يحدث. كان فمي مفتوحاً عن آخره، ولم أستطع النبس بشفة.. أخيراً سألتها:
- هل.. هي حية؟
- أجل، وخالية من السرطان.
عشت بعد ذلك مع عزيزتي كلارا لسِت سنوات كاملة. كان الاعتناء بها صعباً لكنني قمت بجهدي من أجل ذلك، وكانت الغريبة –التي اتضح أن اسمها أليسون- تساعدني كلما سمح لها وقتها بذلك. لم يكن يهمني غير أن كلارا عادت إلي، لم يكن يهمني غير أنها حيةٌ. بعد انقضاء الست سنوات، أُصبتُ بأزمة قلبية حادة وكان آخر ما رأيت هو عيناها النعستين.
أنت تقرأ
الغريبة | ما يراه جون
Kurzgeschichten"سأكتب كتابا كاملاً حزينا عنكِ.. ثم أجري وراءك من أجل الوصول إليكِ" قصة مُزدوجة في حسراتِ الماضي، يُسجن جون بعد وفاة زوجته كلوي، وتُسجن آليسون، بعدما عانت مِن ما آلت إليها حياتها. فَيَلتقيان على طاولة مهمشة، بزاوية مظلمة من تلك الحانةٍِ الرخيصة، كي...