01

19 2 0
                                    

بداية ألم

في ليلة ديجور حالكة الظلمة، شديدة البرودة، السماء قد حجبتها كتلة الغيوم المتراصة فوق بعضها معلنة عن قدوم زخات مطر فياض، و الأزقة فارغة لا يسمع فيها غير أصوات الكلاب الهائمة التي تبحث عن طعامها من حي إلى آخر و من زقاق إلى آخر... تركض فتاة عشرينية، وحيدة في ذلك الظلام... بين الشوارع تسابق الزمن و أنفاسها المتسارعة مشكلة نغما منسجما مع دقات قلبها غير المتوازنة من شدة الجري...و بين ضجات أنفاسها..

- متأكدة أنه سيفاجأ بقدومي و سيصالحني،..إنها فرصتي...

............

و بعد نصف ساعة من الركض المتواصل وصلت أخيرا إلى المكان المنشود و قبل دخولها وقفت تتأمل هذا الفندق الذي طليت جدرانه الخارجية باللون الذهبي، و الذي تصل شهاقته إلى السماء... تأملته لحظات قبل أن تهم بالدخول متوجهة مباشرة نحو السلالم، و قبل أن تصل إلى أول درجة من السلالم استوقفها حارس يطالعها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها... ثم سألها قائلا و هو متعجب فيها...

- من أنت و ماذا تفعلين هنا، و لماذا تركضين بسرعة نحو السلالم...

- هل لديك موعد؟

هي متشوقة، تريد أن تفاجئه، مازالت لا تعرف ما ينتظرها من مفاجآت...
بعد وصولها للغرفة توقفت عند الباب الذي يحمل الرقم مئتين مدت يدها نحو مقبض الباب لتفتحه بسكينة... و الإبتسامة تنير وجهها بجذل، و فجأة... تختفي الابتسامة المشرقة بلمحٍ في البصر و تتحول إلى صدمة قد بانت، اكفهرت عيناها و تجهّم وجهها و تصلبت عضلاته، تركت مقبض الباب بلا أي شعور منها هي ترى ما بين انقباض جفونها و اتساع حدقتيها ذلك المشهد الذي كان آخر شيء قد تفكر به... كانت فتاة شقراء على مضجع آدم، لم يكن يسترها شيء غير غطاء السرير الذي كان يلف جسدها...و آدم الذي لم يكن متفاجأً كما لو أنه كان يعرف بقدومها، نَظَرته بعين مغرورقة، تحمل الكثير من التساؤلات، و لكنه صرف نظره تجاه النافذة متجاهلا إياها و تساؤلاتها و جفاها...
تراجعت إلى الخلف بخطوتين و هي تفكر بين نفسها

- هل ما أراه حقيقي؟

- كيف أمكنه أن يخونني؟...من تكون هذه الفتاة؟...و كل هذه التساؤلات وراء بعضها لا تجد لها جوابا يشفي غيظها و يطفئ نار التساؤلات بفكرها، فظلت علامات الاستفهام معلقة في رأسها...

هي حبيبته و شريكة حياته التي اختارها من بين الملايين من النساء، هي زوجته التي تشاطره كل جميل و سيء، كل حلو و مر، فكيف استطاع أن يخونها بهذه البساطة، لم يمضِ على زواجهما سوى بضعة سنوات، فكيف طاوعه قلبه أن يفكر بغيرها و هي زوجته التي كانت تحرم نفسها من أجل أن تمنحه، تسهر الليل عندما يسقم كانت تأخذ جل همومه من أجل أن يرتاح هو، لا يمكنه أن ينسى تضحياتها من أجله، التي كانت بلا مقابل...
تراجعت إلى الخلف و بدأت بالركض و الدموع تتناثر كحبات اللؤلؤ على خدها الوردي كاتمة صوتها الصارخ في أعماقها محاولة عدم تبيانه بكل قوة...
ظلت تركض في الشارع دون أن تحدد وجهة سيرها، خلال دقائق من الركض المتواصل تداركت نفسها فبدأت تمشي بتلكُّؤ مُطأطِئة رأسها بين منكبيها...
كان الظلام قد أرخى ستاره على الدنيا و لكنه لم يكن أشد ظلمة من السواد الذي غشى حياتها،...آسية مغمومة مكتئبة... تفكر في الماضي... تتذكر كيف كان يغدق عليها بالحب و الحنان، كيف كان يعاملها معاملة الملكات و الأميرات، تذكرت كيف قال لها في يوم مضى...

- أنت أميرتي و ملكة قلبي....
- قلبي..لم و لن تتملكه فتاة أخرى غيرك...

فكانت بين ذراعيه تبتسم بحبور، تذكرت كيف كان يعاملها كطفلة مدللة، كيف كان كل صباح يحييها بابتسامته المشرقة...
و مع كل زخة مطر تتساقط وريقات الأمل .

- أين ذهبت كل تلك الملامح العفوية، أين هي تلك الكلمات.. و الوعود،... بل.. أين هو آدم الذي كان يغازلني كل يوم، أين زوجي آدم الذي لم يكن ينظر إلى أي فتاة أخرى غيري...

....................

...منزل آل كوللارد...

بعد مرور بعض الساعات الطوال فتح الباب، كانت ساراي قد دخلت كانت في حالة لا تحسد عليها...جسديا و نفسيا، صعدت السلالم متوجهة نحو الغرفة، فتحت باب غرفتها و دلفت إليها، كانت مظلمة لا ضوء فيها غير نور القمر الباهت الذي يعكس نوره زجاج النافذة المقابلة لها، وقفت برهة تتأمل انعكاس الضوء ذاك المنبعث من القمر الذي أشفق على حالها فاخترق الغيوم من أجل أن ينير لها ظلام حجرتها، فظلمة الروح تكفيها .
ثم توجهت نحو سريرها فجلست على طرفه بعكس جهة النافذة، ... اسودت الدنيا في عينيها، فارقت البسمة وجهها، و صار الإكتئاب رفيقها، لم يعد هناك ظلام أشد و أكثر سوادا من ظلام الروح و ظلمة الحياة، ... غرقت بالدموع، تبكي بصوت صامت، بحرقة تمزق روحها لا جسدها، لا أحد يواسيها و لا أحد يعرف ما بها ليخفف عنها و يزيح الهم عنها و لو قليلا...
.. انتظرت مجيء آدم الليل طوله، و لكن قضاه بعيدا عن بيته و عن زوجته... و عائلته

سارايحيث تعيش القصص. اكتشف الآن