لم تستطع اليوم الذهاب لشقيقتها بسبب أعمالها الكثيرة، فهي استلمت عملها الجديد في هذه المكتبة منذ اسبوع تقريبًا، كانت سعيدة بعملها هذا فهو يعزز لديها شغفها بالقراءة، لذا فهي استغلت فرصة مكوثها الطويل بالمكتبة لكي تستعير العديد من الكتب حتى تقرأها، دخلت عليها شابة تماثلها في السن تقريبًا بشعر ذهبي لامع تبدو بريئة و لطيفة، استقبلتها هند بابتسامة مشرقة تسألها عن طلبها:
_اهلا يا فندم اقدر اساعدك في حاجة؟!
ابتسامة لها الفتاة بود مُجيبة:
_ انا فعلا محتاجة مساعدتك، النهاردة عيد ميلاد اختي الصغيرة و انا كنت عايزة أجيبلها هدية، هي بتحب الكتب جدًا بس الصراحة مش عارفة أجيبلها ايه!.
شعرت بألفة غريبة تجاه هذه الفتاة، فسألتها مستفسرة:
_ طب هي عندها كام سنة؟ علشان اقدر اجيبلها حاجة تليق على سنها.
أرجعت الفتاة شعرها للخلف، وضعت يديها أسفل ذقنها لتقول بتفكير:
_ اممم هي تقريبًا كدا هتدخل في ال14 السنة دي.
رفعت هند كتفيها بتعجب، فالفتاة لا تعلم كم عمر شقيقتها الصغرى، حمسها ذلك أكثر لتنتقي لها هدية لطيفة لعلها توطد علاقتهما معًا أكثر.
ذهبت تفتش هنا و هناك عن كتب مناسبة لسنها، لتسألها عن هوايات شقيقتها، و ما هي اشيائها المفضلة، لتكون إجابتها الوحيدة بأنها لا تعلم شيء عن شقيقتها،معللة ذلك بسفرها الدائم منذ سنين طويلة، جعل ذلك من مهمة هند أصعب، لتسألها عن أخر شيء قد يساعدها في بحثها:
_ طب قوليلي اسمها ايه، يمكن الاقي كتاب بيتكلم عن اسمها او عن حد مشهور اسمه نفس اسمها.
ابتسمت الفتاة بحماس لهذه الفكرة، قائلة:
_ اسمها اروى ، لو عندك اي كتب عن الملكة اروى او عن تاريخ اليمن ياريت تجيبيها لأنها بتحب اسمها جدًا.
ذهبت هند تبحث عن المطلوب و الفضول يأكلها، لأول مرة تكتشف انها فضولية أكتر من معاذ _ابن شقيقتها_ فلم تستطع كبح فضولها لتسألها بنبرة لامبالية مصطنعة:
_ بس غريب الاسم دا مش منتشر اوي يعني، الصراحة انا اول مرة اسمعه او حتى أسمع عن الملكة اروى!.
اتخذت الفتاة مقعدًا تجلس عليها، و هى تحكي لها بحماس مفرط عن الشخصية المفضلة لشقيقتها الصغرى:
_ استني هحكيلك عليها، دي أختي ملهاش سيرة إلا هي، اسمها بالكامل اروى بنت احمد الصليحي، كانت ملكة الدولة الصليحية في اليمن، و كمان هى اول ملكة في الإسلام، كانت ست جميلة جدًا و مثقفة و متفتحة و دا انعكس على إدارتها للأمور، لما تمت ال18 سنة اتجوزت ولي العهد"احمد المكرم" و كان مهرها إمارة عدن، و خلفت منه ولدين و بنتين، بس للأسف الولدين ماتوا و فضلوا البنتين بس عايشين، في الوقت دا كانت اليمن في حالة فوضى كبيرة جدًا، و في مرة الملك احمد المكرم اتصاب إصابة شديدة جدًا خلته قعيد و مبيقدرش يتحرك، و قرر ساعتها انه يسلم الحكم للملكة اروى، اول حاجة هى عملتها انها اتنقلت لصنعاء و نقلت الذخائر كمان لهناك، و فرضت سيطرتها على القبائل اليمنية و خلتهم كلهم يخضعوا لسلطتها، و انصلحت الأحوال لغاية ما الملك احمد المكرم مات، و طبعا كل القبائل اختلفوا على الحكم بس الفيصل ان الملك أحمد كان موصي بان اللي يمسك الحكم بعده الأمير المنصور بن سبأ و اللي كان طموحه أنه يتجوز الملكة اروى، بس طبعًا هى رفضت بس المنصور معجبهوش رفضها، فراح يحتكم المستنصر بالله الفاطمي و اللي أمر اروى أنها تتجوز المنصور.
بس الملكة اروى فضلت هي الحاكم الفعلي للمملكة، كانت هى اللي بتجمع الوزراء عندها و هي اللي بتعطي الأوامر، و بعدها بفترة انفردت هي بالحكم بعد موت زوجها الثاني المنصور بن سبأ، بس الحقيقة ان كانت اليمن في عهدها غرقانة في الخير، كانت مهتمة جدًا بالمعمار و بنت مساجد كتيرة جدًا، و لما ماتت اندفت في واحد من المساجد اللي هى بنتها في ذي جبلة .
فغرت هند فاهها من انبهارها مما سمعتها عن هذه الملكة، افاقت من صدمتها على يد الفتاة التي تلوحها امامها،فقالت لها الفتاة :
_ ها عرفتي هجيبلها ايه؟!
اومأت لها هند ، و ذهبت لتجلب لها احدى الكتب التي أخذتها الفتاة بابتسامة ودودة و هي تشكرها، لملمت هند اشيائها القليلة من مكتبها، ثم أغلقت المكتبة و هي مبتسمة، لقد علمت اليوم العديد من الأشياء المفيدة التي ستقُصها على إبن شقيقتها الاسبوع القادم.
المصادر اول تعليق❤️
أنت تقرأ
على مر العصور
Narrativa Storicaالتاريخ بيعيد نفسه و كذلك التجارب، مش بس التجارب الناجحة كمان التجارب الفاشلة ممكن تلهمنا للنجاح. إسكريبتات قصيرة لعدة شخصيات ملهمة.