على كل حال مر الوقت بصعوبة فهذه أول مرة أشعر أن الطريق لمنزل جدتي طويل و طوال الطريق كانت أمي تبكي و تصرخ و أختي الوسطى أصيبت بصدمة لتنهار أعصابها و لم تستطع الحراك أما أنا فألاف الأسئلة تدور في ذهني منها : " لماذا قد يموت جدي بهذه الطريقة المفاجأة خاصه أنه بصحة جيدة و ليس لديه أي مرض حتى أنه كان يمارس الرياضة يوميا و يطبخ الأكل الصحي دائما "
وصلنا أخيرا إلى منزل جدتي فوجدنها مع أحد إخوانها وعائلته . لم أبكي أبدا في تلك اللحظة لأنني لم و لن أصدق أن جدي مات إلا بعد أن دخلت إلى غرفته متاجهلة منع الموجودين لي لأراه أول مرة بتلك الحالة. كان مستلق على ضهره في السرير بينما رجلاه في الأرضي جامدا لا يتحرك ، يداه مقوستان بطريقة غريبة ، عيناه مفتوحتان قليلا و السجادة التي يصلي عيها لا تزال في مكانها و التلفاز لا تزال تعمل . لم أبكي في تلك اللحظة ، لقد تصرفت بحكمة ؛ أخذت هاتفي و صورت وضعية الجثة إحتفظت بالصورة لأني واثقة أن جدي تم قتله و وفاته ليست طبيعية .
بدأ عدد الزائرين يزداد بطريقة غير طبيعية و مخيفه حتى أنك لا تستطيع السير براحة في المنزل . كلما يأتي شخص يبكي أبدأ بالبكاء معه . أتى الطبيب ليتفحص الجثة فقال أنه مات بسكتة قلبية إلا أن أمي و خالاتي لم يقتنعوا بذلك لأنه بدى غريب الأطوار أولا لأنه رفض إدخال أي شخص لغرفة المرحوم أثناء تفحص الجثة إلا خالي الذي كان يحاول إقناع الجميع أن وفاة جدي طبيعية ... على كل حال، حدثت الكثير من المشاكل خاصة على مكان دفن جدي رحمه الله فقد كان دائما ما يقول " عندما أموت أريد أن أدفن في الجنوب حيث مسقط رأسي" إلا أنه قُرِّر دفنه في العاصمة . أخيرا إستطاعوا إنزال جثة جدي من السرير فقد كانت يابسة جدا و تم كفنه بالكفن الذي أحظره من العراق ... عدت أنا و أختاي مع أبي إلى منزلنا نظرا لضيق المكان و كثرة الناس أما أمي المنهارة تماما فقد بقيت هناك .
و الأن إليكم كل ما حدث قبل وفاته:
خرج جدي من المنزل و ذهب إلى المطعم مع جميع أصدقائه المقربين جدا و تناولوا العشاء و مع حلول الساعه العاشره إعتذر منهم و قال أنه ليده موعد مهم يجب أن يذهب إليه . و حوالي الساعة منتصف الليل عاد للمنزل و صَلى الشفع و الوتر تارة يصلي و تارة يقرأ القرآن الكريم فهذه عادته لا ينام في الليل أبدا . حوالي الساعة الرابعة صباحا سمعت جدتي صوته و هو يتقيء و في الساعة السابعة سمعت زوجة خالي صوته في المطبخ و هو يغني و يحضر الفطور الصباحي ثم عاد لغرفته ... إنها الساعه الرابعه والنصف و جدي لم يخرج من غرفته ، إستغربت جدتي كثيراً فطلبت من خالي أن يدخل ليرى إذا كان بخير لكنهم وجدوه يابسا كالموتى في فراشه ...27 سبتمبر 2019
اليوم هو يوم جنازة جدي إنها أول جنازة أحظرها في حياتي ، أتوا أخوان جدي من الجنوب و فرنسا إلى العاصمة في المنزل ... كانت أجواء حزينة جدا و فور وضع القرآن ، أدركت عندها أن جدي قد مات حقا فإنهارت أعصابي و بدأت بالصراخ و البكاء بقوة حتى أني لم أشعر بيداي و قدماي ، كنت أرى الأرض تدور حتي فقدت الوعي . دخلت لأرى جدي للمرة الأخيرة ... ثم دفن جدي في أكبر مقبرة في البلادمر الوقت بسرعة، و ها نحن في منزل خالتي الصغرى نجهز لأربعين وفاة جدي ، أتى بقية أصدقائه الذين لم يحضروا إلى الجنازة ، منهم من في العراق والشام ومصر وليبيا وبريطانيا... إن جدي مشهور نوعا ما لذلك لديه الكثير من الأصدقاء .
بعد الأربعين بأسبوع يوم الأحد ، ذهبنا إلى سوق الحيوانات الأليفة و إشترينا قطة صغيرة بعد سنين من محاولة إقناع أمي وأبي . سعادتي لا توصف في تلك اللحظة .
لقد أدخلت السعادة إلى منزلنا و ساعدتنا على تخطي الحداد قليلاً .
أنت تقرأ
قِصَّةُ آرْمِي
القصة القصيرةكيف كانت بدايتي مع بي تي أس ؟ كيف تعرفت على بي تي أس و كيف أصبحت حياتي بعد ذلك . ملاحظة ؛ القصة حقيقية و أنا من عشت أحداثها