المجرم

31 3 0
                                    

عدت من عملي متأخرا .. أشتريت بعض الأغراض قبل أن أقترب من الحارة التي أسكن فيها .. تفاجئت بسيارة شرطة تسد مدخل الحارة .. أنتشر حولها بعض العساكر لمنع الأهالى من التقدم .. خلف الحاجز الذي صنعه الجنود وقف كثير من الأهالى يتطلعون بفضول و تساؤل .. حاولت المرور موضحا لهم أني من قاطني الحارة و لكنهم منعوني بحزم .. قالوا أن الأمر لن يستغرق سوى دقائق .. لم أجد مفرا من الأندساس بين الواقفين .. تلك ليست أول مرة يحدث فيها هذا الموقف .. يتكرر كل فترة حين يأتون للقبض على شخص ما .. و عادة لا يستغرق الأمر وقتا قتلني الفضول كما قتل القطة من قبل لمعرفة هدفهم هذه المرة . . خاصة أن معظم السكان لم يكونوا على علم بالضحية - أو المجرم - الذين يسعون خلفه .. و العساكر البسطاء لم يكن لديهم أدنى فكرة ، و لم نستطع أن نستخرج منهم أي معلومة حتى بعد أن منحناهم بعض السجائر و تقربنا
منهم في الكلام
من المؤكد أنهم جاءوا للقبض على زاهر السياب .. ورث عن أبيه تجارة المخدرات و لكنه لم يرث عنه حرصه أو ذكائه . . لم تستطع الشرطة القبض على أبيه يوما رغم نشاطه المعروف الذي أمتد لسنوات .. زاهر مغرور و جرئ أكثر من اللازم .. والده كان يعمل في الخفاء و بحرص أكبر .. على عکس أبيه يتباهی زاهر بنفوذه بعد أن بسط سيطرته على المنطقة .. دخل في صراعات كثيرة .. أكتسب العديد من الأعداء .. بعضهم من ذوي النفوذ .. من المؤكد أن أحدهم وشی به .. تمنيت أن يكون هو .. على الأقل تتخلص الحارة من أجرامه و نفوذ أتباعه .. و لكن صعب أن يكون هو .. رغم غروره و أخطائه الكثيرة لكنه ليس بتلك السذاجة ليخزن بضاعته في منزله أو دكانه في الحارة .. أعلم بالتأكيد أنه يحتفظ بها في مخازن بعيدة و يجيد تصريفها بعيدا عن مكان أقامته . ، و عن محل الأقمشة الكبير الذي يتخذه كستار له . .. كما أنه مسافر منذ ثلاثة أيام .. أزدادت حيرتي .. من يكون أذن
سمعت أسم عادل يسر همسا بين الناس .. هل جاءوا للقبض على عادل .. أعترف أني أحسست بقليل من الشماتة .. يمتلك عادل محل أجهزة كهربائية في نهاية الحارة .. بدأ طريقه الخاص بشراء الأجهزة المسروقة ثم أعادة بيعها .. بعدها أصبح يتاجر في كل شئ .. مسروق طبعا .. ذهب ساعات .. هواتف نقالة .. أدوات زينة .. ذمته أصبحت تتسع لأي بضاعة
مجهولة المصدر . . شهرته بدأت بالتعرف علی عزمي . . أشهر هجام فی المنطقة و أكثرهم خطورة .. يشترى منه كل ما تطوله يده في مغامراته ال ليلية . . ثم بدأ يوسع علاقاته . . تعرف على مزيد م من أشتهروا بالقلوب الجريئة و الأيدى الطويلة .. من النادر أن تجد لص منازل أو نشال في المنطقة لا يعرف عادل . . أحتفظ بالمحل القديم كما هو دون تغي ير درءا للأنظار و لم يغادر الحارة .. قام بتوسعة بيته القديم و صرف عليه الكثير .. من دخل بيته يحكي عن فخامته من الداخل .. و أولاده نقلهم من المدرسة القريبة المتهالكة إلى أرقي المدارس الخاصة . . يحتفظ بأمواله كلها داخل بيته ولا يضعها بالبنك .. وقفت على أطراف أصابع قدمی و توجهت ببصری نحو محله في آخر الحارة .. لاحظت أنه مفتوح .. رأيت بعض العساکر متمركزون في وسط الحارة بعيدا عنه . . من المستحيل أن يكون هو . . تأكدت ظنونی بعد أن ظهر بعد قليل ليقف أمام محله يستطلع الأمر.. سحب کرسيا من الداخل و جلس أمام محله بهدوء .. هززت رأسي في أسف .. شعرت بقليل من خيبة الأمل
عصرت ذهنی .. بحثت كثيرا في تاريخ حارتي الأسود .. أستعرضت الأسماء فقفز إلى ذهنى أسم منها .. أعلم أن لو تفتح عمل الشيطان .. و لكن لو كان هو . اقامت حفلا في الحارة . . عزمي المجاهد بالتأكيد . . أعتقد أنی الست الوحيد الذي سيحتفل بالتخلص منه . . لم يجتمع أهل الحارة منذ نشأتها على شئ أكثر من أجماعهم على بغض عزمي المجاهد و تمنی الخلاص منه .. أجرامه فاق كل حدود .. مسجل خطر .. دخل السجن عدة مرات و لكنه كان يخرج منه سريعا . . آخر مرة دخل السجن لشهرين ظننا أننا تخلصنا منه .. وزع بعض الأهالى الشربات أبتهاجا بالمناسبة . .. مسن سوء حظنا أن الأنتخابات كانت قريبة .. أخلوا سبيله قبلها بأيام .. نجح مرشح الحكومة الذي سانده بالطبع و أختفی منافسه بعدها بفترة .. عزمی صعب مجرم أن تصنفه ، و هنا مكمن خطورته .. لو أستطاع الأكتفاء بنشاط واحد ربما عشنا معه بسلام .. متعدد المواهب حقا .. هجام .. بلطجی . نصاب .. موزع مخدرات .. قاتل .. موسوعة أجرام حية زاخرة تعيش و تتنفس بين نا . بدأ حياته بالسطو على المنازل . . و عندما بدأت أعصابه تخذله بعد أن عرف طريق الأدمان .. بحث عن طريق أسهل .. الخطف أشترى دراجة و بدأ في أستخدامها هو و أحد أعوانه في خطف حقائب السيدات و أحيانا مصاغهم . . ثم تعلم حمل السلاح و بدأ الخروج ليلا ل لبحث عن ضحية منكوبة و تهديدها لأفراغه من كل ثمين يحمله. . أفراطه فی المخدرات دفعة للمتاجرة بها أحيانا .. ثم القيام بدور البلطجي لمصلحة من يدفع له أكثر .. راقت له اللعبة ففرض أتاوة شهرية على كل أصحاب
المحلات .. ثم أصحاب البيوت .. جمع عصابة من الأوباش مثله فلم يستطع أهل الحارة مواجهته . يستخدم أسلحته بخبرة جراح ماهر . . من يعارضه يحمل تذكارا خالدا في وجهه أو جسمه حتى لا ينساه .. ولا بأس من وقت الآخر بجريمة قتل حتى يذكر الناس بسطوته .. دعوت المولى أن يكون هو حقا .. من المؤكد أن كل هذه القوة جاءت للقبض عليه أحتياطا لخطورته . أسترحت لهذا الخاطر الا لحظات . حتى تفاجئت بعزمي نفسه يقف ورائی . لو تطلع إلى اللحظة لرأى آثار الدهشة بوضوح على وجهي .. لم يفعل لحسن حظي .. أندس بين الواقفين ببساطة يسأل عن الخبر شلت رؤية عزمي تفكيرى للحظات .. عدت لأستعراض الصور و مراجعة الأحتمالات بحيرة أكبر . . هل جاءوا القبض على أمين صاحب المخبز الوحيد في الحارة الذي يقوم بتهريب الدقيق المدعم تحت أعين الجميع لبيعه في السوق السوداء .. أم محسن الميكانيكي هو الهدف بعد أن أشتكاه أحد زبائنه . . كلنا نعرف مهارته في سرقة قطع الغيار الأصلية لسيارات التی يقوم بأصلاحها و استبدالها بأخرى تجارية رخيصة .. هل الدور على زیزی الراقصة بعد أن فاحت رائحة زبائن آخر الليل لديها . . ربما عباس صاحب القهوة الذي يوصد أبوابها من الداخل ليلا لتتحول إلى غرزة لتدخين  الحشيش.. أحسست بدوار .. بدأت يدى تؤلمني من حمل الأغراض التي أشتريتها لفترة طويلة .. اللعنة .. أعياني التفكير .. لماذا أشغل نفسي كثيرا بمعرفة الأسم . . يد العدالة ستطول أحد اليوم على كل حال و ست تخلص الحارة من أحد أوباش قاطنيها . . و هذا هو ما يهمني . . صحيح أني صدمت العدم القبض على عزمي .. و لكن لكل كلب يومه .. و ربما أسترحنا ممن هو
أخطر منه
لحظات صمت مرت ثقيلة على الجميع قبل أن نرى حركة في الشارع ... أعتدل العساكر المرابضون في وسط الحارة . . هبط بعض الجنود من أحد البيوت هناك .. أثنان منهم يمسكون شخص ما بأحكام .. لم نتعرف على ملامحه من الأجساد التي كانت تعيق رؤيتنا و لكنهم كانوا يمسكونه بشكل يوحي بمدى خطورته .. بعدها بثوان هبط شخص ثان و ثالث بنفس الطريقة .. قبضوا على ثلاثة أذن .. تمنيت أن يقبضوا على مجرم واحد فقبضوا على ثلاثة دفعة واحدة .. أبتهجت .. أقتربوا منا .. بعد عدة أمتار بان ملامح المقبوض عليه بوضوح .. تحولت نظرات التساؤل إلى دهشة ثم سريعا إلى أستنكار .. وسط العساكر كان يمشي محمود بأنكسار .. من المؤكد أن هناك خطأ ما . . محمود أبن الحاج حسين موظف الكهرباء . . الكل يشهد بأخلاقه و سمعته الطيبة .. أحد القلائل الذين يسكنون الحارة و يتمتعون بأحترام و ثقة الجميع .. موظف بسيط في الحكومة أحسن تربية أولاده و علمهم رغم متاعب الحياة .. لا نذكره إلا بالخير هو و أسرته البسيطة . محمود يدرس في كلية الحقوق . . شاب ملتزم كما نعرفه . . لم يقدم يوما على فعل خاطئ أو أرتكاب حماقة .. نعلم أنه موهوب و يكتب مقالات أحيانا في بعض الصحف الصغيرة .. لمحنا الحاج حسين يخرج من المنزل خلف أبنه يمنعه الجنود من الوصول إليه .. ثم والدته تلحق بزوجها خارج البيت رغم مرضها وهي تبكي أبنها الوحيد. . بسرعة حشروهم في مؤخرة السيارة .. شق العساكر طريقا بين الناس يسمح بمرور السيارة .. لم نعلم إلا لاحقا بعدها بأيام أنه متهم بالأخلال بالأمن العام هو و زملائه .. شارك في مظاهرة داخل الجامعة و کتب كلاما جارحا في أحد مقالاته .. هكذا قال لنا محاميه .. و لكنه لم يخبرنا لمن كان الكلام جارحا .. أنتهزوا فرصة وجوده في منزله هو و أثنان من أصدقائه المشاركين في المظاهرات ل لقبض عليهم بعد أن أبلغ عنهم أحد المخبرين المتواجدين بصفة دائمة في الحارة .. أشعر بمرارة كلما تذكرت هذا المشهد يومها .. سيارة الشرطة تشق طريقها بسرعة بين الناس . عزمي الهجام يقف خلف سيارة الشرطة المطلقة بقوة . . يقلب كفيه في تعجب .. يتطلع إلى محمود المنزوى في ركن منها هو و زملائه . يعلق تؤثر صائحا بحكمته الخالدة : صحيح . . الحرام عمره ما يدوم

انتحار فاشلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن