"1"

768 80 208
                                    


•_____•

في العاصمةِ باريس حينَ تلاشت زُرقةُ السماءِ و حلَّ شفقٌ بنفسجيٌ محلهُ حيثُ تسللَ القمرُ بدراً قبلَ إغترابِ  الشمسِ يتوددُ إليها..

إنهُ الخريفُ و الشجرُ ينثِرُ أوراقهُ مع كُلِ نسمةٍ تهُب...
و تترقبُ ماري بصبرٍ لعلَّ الصنوبرةَ في القمةِ تسقُط..
سنونُها الخمسُ في الدارِ علمتها الصبرَ و العِنادُ خِصلةٌ ترافقُ الصغارَ شتَّى..

نسمةٌ أُخرى هَبت فإرتعدَت برداً و بعثرَت غُرتها المَلساء..
و حطتِ الأورقُ اليابسةُ على شعرِها الكستنائي المموجِ و لِفرطِ طولهِ يُلامسُ رُكبتيها..

سئِمت أَخيراً و حَدقت حانِقةً بالصنوبرةِ البعيدةِ و جثَت تبحثُ عَن حجرٍ ترميهِ فتُسقِطُها...

تراجَعت خطواتٍ للوراءِ و قَطبت حاجبيها مُضيقةً عينيها تُصوبُ عليها و رمَت مُستبشرةً الخير ,حتى رأت الحجرَ على رأسِ المُديرةِ يحُط..

"ماري في ورطة!!"



___________




رائِحةٌ حلوةٌ في الأرجاءِ و صوتٌ رخيمٌ يؤنسُ النفسَ همهمَّ لحناً قَديماً خافِتاً و حزيناً .. كوبا قهوةٌ مفرِطةُ الحلاوةِ و الكثيرُ مِن كعكِ الزنجبيلِ في أوانٍ خزفيةٍ ذاتُ نقوشِ جنياتٍ طويلةِ الآذانِ لَطالما آمنا بها..

في المُنتصفِ مزهريةٌ جَفت فيها باقةُ الأقحوانِ و ذبُلَت ..

جَلسَ وحيداً و قبالتهُ أكوابُ قهوتهما ..
أزهارهُا الأخيرةُ و عِطرُها ..
كُرسيُها و مِفرُشها المُفضل ..
يغصُ المكانُ بكُلِ آثارها و يظلُ الكُرسيُ بارِداً و شاغِراً .

بعثَرت الرياحُ ما جفَّ من أوراقِ الأُقحوانِ و تمَردت خُصلاتٌ صهباءُ على جبينهِ فأزاحها يربطُ شعرهُ بأيدٍ مُتراخيةٍ ..

إلتمعَ رأسهُ الأصهبُ و إنعكسَ على وجههِ النورُ ذهبياً كتمثالٍ يونانيٍ نحاتهُ يستلذُ الجمالَ الكئيب..

إحتقَنَت أعيُنهُ الزُمرُديةُ إذ كبحَ دمعهُ و إرتعَشت أنفاسهُ فأحنى رأسهُ و غطى عينيه يُخفي عن طيفهِا دمعه ..

إِنهُ يُحيي ذِكراهاَ كُلَ يومٍ و يُعدُ مُتكأهُما في الشُرفةِ قُبيلَ الغروبِ ,  يحتسي قهوته بمرارةٍ في حلقهِ لا يغلِبُها العسلُ و لا السُكَر..

___________________














ماري الصَغيرةُ لا أصدِقاءَ لها هُنا.
لَقد كانَت تَنتَقي من القِطط و الجراءِ و الشجرِ البعيدِ أخِلاءَ و قَد كانتِ الأصغرَ فالأَغلبيةُ مُراهِقونَ و همُ الجميعِ هُنا أَن يُتَبنوا فحسب..

و طِفلةٌ آخاذةُ الجمالِ تَلقت الدلالَ من الأخواتِ الأَكبرِ باتت مُعتادةً أن أفعالها مَشفوعةٌ و حتى حجرُ الأمسِ الَّذي حطَّ على رأسِ صاحبةِ الدارِ نَجت من عُقوبتهِ بالقُبلاتِ الَّتي وزعتها على خَدَّي العجوز..











•°تهويدة أبوية •°حيث تعيش القصص. اكتشف الآن