Kara bulutالحزن يتهملج كحصان جامح في شريان العمر .. يجرف معه بعضاً من روحك.. ويقطف قليلاً من أزهار ابتسامتك وكثيرًا من تنهيداتك الحارقة.. والذاكرة كأنثى مُتلاعبة .. مكتظة بالتفاصيل ولا تخبو أبداً .. وألم الأمس لن يصبح عادياً بين عشية وضحاها.. وصل آركان إلى منزله بعد وقت ليس بقليل من السير في طرقات المدينة المُلتحفة بالمطر وغمرة الشتاء القارس .. وجد والدته مازالت مستيقظة في انتظاره .. قرأ عليها السلام بنبرة مرتجفة ثم جلس بجوارها مستنداً برأسه فوق كتفها المُغطى بوشاح ثقيل ليحتمي بها من البرد دون حديث .. لفّت الأم ذراعها الحر حول جسد ولدها لتدثره بحنانها ثم سألته (ماذا بك يا حبيب أمك؟)..
أغمض عينيه قائلاً بخفوت (لست بخير)
احتوت كفه البارد بين راحتيها قائلة (أعلم أنك لا تحب الشتاء لكني آراك في حزن أبعد من ذلك)
تنهيدة مرتعشة أفلتت من بين شفتيه قائلاً (وكأن الغيوم اجتمعت بقلبي)
استشعرت الأم بعض القلق عليه متسائلة (أخبرني بالله عليك ماذا حدث لاتخيفني)
أجابها بهدوء زائف محاولاً طمئنتها (مجرد اكتئاب موسمي مُعتاد يصاحبني في تلك الأجواء الباردة).. ثم اعتدل في جلسته مضيفاً بابتسامة شاحبة (تعلمين أن علاقتي بالشتاء سيئة للغاية)
بادلته والدته ابتسامته بأخرى حانية قائلة (أعلم برحمة قلبك التي تجعلك دائم التفكير في الفقراء الذين لا يمتلكون مأوى يحميهم من المطر والبرد) ..
رد عليها بملامح حزينة (والله لو أمتلك القدرة لوزّعت على كل فقير معطف وبنيت لهم فوق رأسي بيوتاً)
تأملت ملامحه الباهتة على غير المعتاد قائلة (لاتُحمل نفسك أوزاراً ليس لك شأن بها .. للفقراء رب يعينهم على أحوالهم ياصغيري).. ظل ساكناً يجاهد على تجاهل طيف خيبته الذي يتراقص أمام عينيه فتابعت والدته حديثها (أنت تكبر يا آركان.. تشيخ بشكل لافت وسريع ولا تكترث لكونك بشر لست خارقاً لتتجاوز أوجاعك وحيداً)..
ابتلع غصته التي يحتقن بها حلقه قائلاً (أنتِ محقة لكنني لا أستطيع أن أكون شيئاً إلا أنا)
_(أي بني .. أوصيتك مرارًا وتكراراً ألا تبالغ في هوانك على نفسك..اعطِ بمقدار وأحبب بمقدار واحزن بمقدار.. هذا الإفراط يؤذيك) .. قالتها والدته بعاطفة زائدة وخوف فائض عليه بينما تحدث هو يحبس دموعاً تود التحرر من محجريه (لِمَ تعاتبيني في شئ لا سلطان لي عليه؟.. هكذا قلبي يا أمي .. سلاحي الأوحد وحقيبة أسفاري وملاذي في منعرجات الخوف فلا تأسِ على حالى من فضلك)
ربتت والدته بكفها فوق وجنته قائلة باستسلام (لله درّ الخير الذي في قلبك ياولدي.. لله درّك يامليحي)
مال عليها يقبل رأسها ثم نهض قائلاً بإرهاق (سآوي إلى الفراش لأنام فاليوم كان مُتعب للغاية)..
