الفصل الثاني

396 45 255
                                    

لم يطل انتظار "كندة" ل"توسان" الذي ظهر مشرقاً بابتسامته الجذابة التي تبعث على التفاؤلِ والرضا، وقد ارتدى بنطلوناً باهتاً –من الواضح أنه استهلك كثيراً- تحت قميصٍ أزرق، وقد رفع كميه إلى مرفقيه ليبرز لون بشرته المميزة والتي منحته طلةً خاصةً تناسبت وحدة ملامحه الافريقية المختلطة بالعرق العربي الذي وضع بصمته الواضحة على قسماته الحادة؛ بعينيه الواسعتين وشفتيه الأقرب للامتلاء.

عبرت السيارة الطريق المنحدر نحو الأسفل بسرعة معتدلة بينما أخذت عينا "كندة" البندقيتان تتأملان المكان من حولها بإعجابٍ كبير. غطت الحشاش الخضراء بقعاً كبيرةً على جانبي الطريق الجبلي، وبعض الأشجار العالية تناثرت بشكلٍ عشوائي ليضفي حميميةً رائعةً لتلك المساحات؛ بظلالها الدافئة التي تغري المارة للجوء إليها في خلوةٍ ساكنةٍ، مريحة.

سرت قشعريرةٌ باردةٌ في جسدها عندما لاحت لها الأضرحة ما إن أخذت السيارة منعطفاً واسعاً يفصل منطقة النزل عن الطريق المتعرج، الممتد نحو أسفل الجبل.. تناثر عددٌ كبيرٌ من المقابر على الجانب الأيسر من الطريق.. منظر شواهدها الحجرية المختلفة كان يثير الرهبة، وأضفى على المكان وحشةً جعلت بدن "كندة" يقشعر بينما صورة السيدة "مادلين" تتجسد امامها.. ما الذي عنته بأن منظر هذه القبور يلفت النظر؟!! ومع هذا التساؤل الذي ساور دواخلها المتوجسة أصدر قلبها خفقةً مختلفةً بينما عيناها تقعان على قبر استقرت فوقه صخرةٌ ضخمةٌ؛ جعلها تعي أن هناك أضرحة أخرى ضمت صخوراً فوقها وإن اختلفت احجامها. أهذا ما عنته "مادلين"؟!!

اشتعل فضولها ولم تتردد للحظة قبل أن توجه اهتمامها إلى "توسان" بجوارها لتتساءل باهتمام:

- ما هذه الصخور الموضوعة فوق المقابر؟!!

- إجراء اعتاد الأهالي على اتباعه بعد دفن موتاهم.. ويمكنك اعتباره موروث هام.

- ما سببه؟!!

ارتسمت ابتسامةٌ بسيطةٌ على طرف شفتيه، وبقيت كفه اليمنى تحرك المقود بسلاسة بينما ظهره يتراجع إلى الخلف بأريحية كبيرة، واسند ذراعه اليسرى على طرف نافذته المفتوحة مجيباً بلا مبالاة:

- هذا آخر ما قد تودين معرفته، فهو ضمن الخرافات التي يؤمن بها السكان.

وألقى عليها نظرةٌ قصيرة ٌغامضةٌ قبل ان يعيد اهتمامه إلى الطريق أمامه مضيفاً ببساطة:

- قد تتعرفين عليها ضمن رحلتك لهذا اليوم، فلا تستبقي الأحداث حتى تبقي على الاثارة.

- هل تسخر مني؟!! أم أنك تحاول اختبار قدراتي؟

- لا هذا ولا ذاك.

ومنحها نظرةٌ سريعةٌ قبل أن يؤكد:

- أنتِ شخص لا يصدق ما يتناقله الناس، بل ما تشهدينه بنفسك.. ولا تؤمنين بالخرافات، وتسعين لدحضها بالحقائق. لذا، لا داعٍ لسماع شيء لن تصدقيه، كما أنني لا أحب أن أكون طرفاً في نشر الشائعات.

عندما تحيا ميتاًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن