اقتباس 1

201 8 0
                                    

- يلهوووي الشقه بتولع ياحاره حد يطلع المسكينه اللي جوا دي
 
  نطقت بها امراة في منتصف الثلاثينات من عمرها وهي تولول في منتصف الشارع المزدحم بثورات من الناس فمنهم من يجتمع امام منزل الذي يتواجد فيه الشقه التي تتأكلها النيران بدون شفقه ولا رحمه ومنهم من يقف مثلها يولول في منتصف الشارع بقله حيله وشفقه ومنهم من يقف في شرفته يحدقون بالمنزل بأعينهم التي تفيض بالشفقه الممزوجه بالصدمه  

  - في ايه ياام سمر؟
  سألتها امراة تقف في شرفتها في اوائل الستينات من عمرها..رفعت رأسها تحدق بها واجابت بنبره عاليه لتسمعها جيدا فالضوضاء وحاله الهرج والمرج يغطون علي اصوات الجميع
  - شقه الحجه نيره والحج متولي بتولع والمسكينه بنتهم ياحبه عيني لوحدها جوا وبيحاولوا يخرجوها قبل مالنار تمسك فيها هي كمان
 
  - بتقولي ايه؟
  سألتها المرأة وهي تضع كفها خلف اذنها وتنحني قليلا للامام بنصف جسدها إشارة علي انها لم تسمع شئ

تأففت ام سمر بانزعاج وصاحت في نبره تشبه الصراخ
  - بقولك شقه الحجه نيره والحج متولي بتولع وبنتهم جوا الشقه لوحدها وبيحاولوا يخرجوها قبل مالنار تمسك فيها
 
  فور ان انهت جملتها تنفست بعمق وهي تضع كفها فوق صدرها فهي تشعر بانها بذلت مجهود كبير بل وان احبالها انشقت

  - قولتي ايه؟
  سالتها ذات المرأه مره اخرى ووضعت كفها خلف اذنها مره اخرى

انفجرت صارخه في غيظ وغضب
  - لا بقولك ايه ياوليه انتي متشتغلنيش في الازرق، هو انا هقعد اتعب نفسي واتعب صوتي الجميل واقولك ام الجمله دي طول اليوم وفي الاخر تسألني بكل بساطه وتقولي قولت ايه!!!
 
  ثم تابعت حديثها وهي تلوح بيدها بغيظ
  - خشي جوا ياوليه ياخرافنه انتي مش ناقصكي دلوقتي خالص
 
  تقلصت ملامح المرأه بانزعاج فصاحت بلوم وهي تشير باصبع السبابه نحو صدرها
  - بتقوليلي انا وليه خرافنه ياام سمير؟!
  اتسعت حدقتيها بصدمه ثم صرخت بغيظ وهي تضرب بكفيها في الهواء
  - واشمعنا ياعنيا سمعتي دي ولا انتي بتسمعي اللي علي مزاجك لا بقولك ايه انا..
 
صمتت عندما وجدت ابنتها الصغيره ذات الثمان اعوام تركض وتركض بوجه شاحب متعرق يميل الي للاصفرار.. اوقفتها والدتها عندما امسكتها من ذراعها وجثت علي ركبتيها امامها لتسألها بنبره تخللها القلق والحيره
  - مالك يابت يازينب وشك مخطوف كده ليه؟
 
  كأن والدتها تحدث نفسها فهي لم تصغي الي والدتها فكانت تحدق فقط امامها ولكن ليس في وجه والدتها بل خلف رأس والدتها دون ان ترمش او تتحرك فكانت كالصنم

فحاولت جاهده ان تتحدث فهي تشعر بان لسانها ثقيل لا يقوي علي الحديث لذلك اخرجت كلماتها مبعثره غير مفهومه دون ان تنظر الي والدتها
  - ابع... د...... ع..ني....مش...ه..ق...ول(ابعد عني مش هقول)

  ولكن توقفت عن الحديث واطبقت شفتيها فوق بعضهما بقوة وظلت تنظر بحدقتيها الثابته خلف رأس والدتها... فكانت كالشخص المندمج في مشاهده مسلسل ما

  - انتي بتقولي ايه يابت انا مش فاهمه منك حاجه.. ماتنطقي وتقولي في ايه مالك يازينب؟؟؟؟!
  صرخت والدتها بتلك الكلمات وهي تهز جسد ابنتها المتصلب... ولكن هيهات ظلت كما هي تحدق خلف راس والدتها

صرخت والدتها مره اخرى وهي تهز جسدها بعنف وقد ضربتها موجه من الافكار السيئه
  - انتي بتبصي علي ايه يابت في ايه ورايا تبصي عليه كده من ساعتها؟!
 
  فور ان انهت جملتها نهضت واستدرات لتقابل الفراغ!!! ... فلم تجد احد يقف خلفها فجميع الناس مجتمعين امام منزل الذي يتواجد فيه الشقه المحترقه غير عابئين لهم

التفتت مره اخري وفتحت ثغرها لتخرج كلماتها وهي تحدق بابنتها التي فاقت من ابشع كابوس رأته واستوعبت للتو بان والدتها تقف امامها فحدقت بها....ولكن بنظرات تائهه خائفه ثم هرولت مسرعه الي داخل منزلهم لتهرب من تساؤلات والدتها التي لا تعلم بماذا ستجاوب عليها وتهرب من امر اخر!! ... امر لا تستطيع طفله صغيره ان تتحمله لياتي السؤال هنا

" هل ستتحمل تلك الطفله هذا الامر ام ستنهار؟!!"

ظلت والدتها تنظر في اثرها فاغره الفم حائره فلم تعرف ماذا حل بابنتها الصغيره فلاول مره تراها بتلك الحاله الغريبه

شهقت برعب دب في اوصالها وهي تضرب بخفه فوق صدرها
  - يلهوووي يكونش البت اتلبست!!!   
 
   - الحقوا ياحاره سكينه بت نعمان اتقتلت
 
  التفتت تحدق في الشاب الذي نطق بهذه الجمله التي جعلت الشهقات والهمهمات والصراخ يزداد في الحاره اضعاف مضاعفه

فتناست ابنتها وما حل بها وصبت كل تركيزها واهتمامها علي ماقاله هذا الشاب فشهقت شهقه قويه ولطمت فوق خديها لتسأله بصدمه
  - اييييه؟ انت بتقول ايه و..
 
  وقبل ان تكمل حديثها صدع صوت سياره المطافي فهرع بعض حشد من الناس اليها وهرع البعض الاخر خلف الشاب الذي القي بجملته التي كانت بمثابة القنبله للجميع وهبطت ايضا المراة التي كانت واقفه في شرفتها تراقب وتسمع بصمت كل شئ ولكن الي هنا ولم تستطيع فعندما نطق بتلك الجمله هبطت علي الفور. بينما ظلت "ام سمر" واقفه حائره لا تعرف ماذا تفعل هل تذهب لتشاهد ماذا حل بتلك المسكينه العالقه داخل النيران؟ ام تذهب لتشاهد المسكينه الاخرى التي توفاها الله؟

واخيرا حسبت امرها وذهبت مع الحشد الذين يذهبون خلف الشاب ليشاهدون ماذا حدث؟ ومن المجرم الذي ارتكب تلك الجريمه البشعه؟

بينما رجال المطافئ خرجوا من السياره ودلفوا داخل الشقه التي اكلتها النيران يحاولون انقاذ ماتبقي من الشقه وانقاذ الطفله الصغيره العالقه بين النيران الذي احرقت سكنها الوحيد ولكن ليس هذا فقط بل احرقت ايضا ذكرياتها.. روحها... قلبها و.... وجهها!!!!

الجمال الداخلي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن