صوت شخصٍ ما يهمس باسمه:
-يوردان، يوردان.
ويدٌ تهزه في كتفه برفق عله يستيقظ، بينما هو يشعر كمن يتم انتشاله من غياهب الظلام إلى أعماق الضوء، رفع رأسه مع شهيق خافت انطلق من بين شفتيه، رمش بعينيه عدة مرات، الرؤية واضحةٌ أمامه ولكن المشهد غريب، ملابس تعود للقرن الخامس عشر، ومن الواضح أنهم جنودٌ يتجهزون للانطلاق رفقة جيشهم، الدروع الحديدية والرماح، السيوف الحديدية في غمادها، ما هذا المكان؟ ولمَ يناديني ذلك الرجل بيوردان؟
كانت علامات الصدمة باديةً على وجهه وبدا وكأنه مخبول وهو يدور في المكان والأوجه بعينيه، وبدا كمن فقد ذاكرته ويحاول التعرف على من حوله، تحدث لذلك الشاب الواقف جواره، وقال:
-من أنت؟
نظر له الشاب باستغراب وضحك ملء فمه، ثم قال:
-ماذا بك يوردان؟ هل الضربة التي تلقيتها على رأسك أثرت عليك؟
تحدث يوردان مع ابتسامةٍ لم تكتمل:
-أظن ذلك، رأسي ما زال يؤلمني.
نظر الشاب له ببعض القلق، وقال:
-ربما الوضع خطير، يجب أن ترى الحكيم، ومن الأفضل أن لا تشارك مع الجيش.
-كلا، كلا، إنني بخير، فقط.. لا أتذكر بعض الأشياء، هل يمكنك أن تخبرني من أنت وأين نحن؟
-أنا عدنان، صديقك يا رجل، نحن هنا في معسكر الانكشاريين.
فكرت الجيش الانكشاري؟ هذا يفسر لون ملابسهم الأحمر، لحظة.. هل هذا يعني أنني قد عدت للدولة العثمانية، يا إلهي!
-عدنان، في أي عام نحن؟
-نحن في العام الأربعمائة واثنان وستون بعد الألف.
فكر "هل هذا وقت للتحدث فيه باللغة الفصيحة يا عدنان؟" وتابع أسئلته:
-وما الذي نفعله هنا؟
-نحن نخيم هنا استعدادًا للمعركة.
-معركتنا مع من؟
-مع المخوزق، لعنة الله عليه، لقد حاول اغتيال سلطاننا حفظه الله من ليلتين ولكننا هزمناه هو وجنوده شر هزيمة، نحن الآن نستعد للتحرك نحو ترغوفيشت.
بينما جل ما شغل باله هو "من يكون المخوزق؟"، قطع تفكيره دخول القائد الانكشاري يأمر جنوده بالاصطفاف خارجًا للتحرك، تجمع الجنود الانكشاريون في صفوف وبدا عدد الجيش مهولًا في عيني يوردان، حيث كان يمتد إلى منتهى بصره، وانشغل عقله قليلًا يفكر في الأحداث التي حدثت في الساعة الأخيرة، فقد التقى رجلًا غريبًا ولعب معه الشطرنج فقد وعيه ووجد نفسه في جيش انكشاري في طريقه لغزو مدينةٍ يعجز عن النطق باسمها، ولكن ما يجعله غاضبًا حقًا هو أنه كان فاشلًا ينام في حصص التاريخ، يلعن نفسه ويعد بأنه سيذاكر كل كتب التاريخ التي تقع يداه عليها إن عاد سالمًا والأهم أنه سيقتل ذلك الرجل ويحطم لوح الشطرنج ثم يحرقه.
قدم عدنان له فرسه ولكنه اعتذر عن ركوبه معتذرًا بكون إصابة رأسه تجعله يشعر بعدم التوازن عند ركوب الخيل، وتلك كانت كذبه فهو لا يجيد ركوب الدراجة حتى ناهيك عن الحيوانات، الحيوان الوحيد الذي ركبه كان كلبًا وكان ذلك عندما كان طفلًا وانتهى الأمر به مع علامةٍ ما يزال أثرها على جبهته، والتفكير في أثر الجرح جعله يتساءل هل شكله ما يزال كما هو أم تغير، ولكنه لم يجرؤ على سؤال عدنان عن هذا الأمر فيكفيه ما أخذه من نظرات توحي له بأنه مخبولٌ هارب، بدأ الجيش في التحرك نحو ترغوفيشت، بينما انشغل تفكيره في من يكون السلطان الحاكم في هذه الفترة؟ ولكنه بالطبع لم يتوصل إلى أي شيء فمن الواضح أنه كان نائمًا في تلك الحصة أيضًا، الطريق طال ويوردان يشعر بساقيه يتحولان إلى هلام بينما الجنود العثمانيين حوله كانوا يسيرون بثبات وكأنهم لم يقطعوا مسافةً طويلة، فبالطبع هم مدربون على ذلك بينما يوردان يقود سيارته إلى البقالة المجاورة.
أنت تقرأ
حلها إن استطعت
Mystery / Thriller"لقد وضعت دائمًا حدودًا للتعامل مع الغرباء، ولكني لا أعلم ماذا حدث ولماذا هذا الشخص غريب الأطوار بالأخص؟ وها أنا هنا غارق في أفكاري بعد محادثه صغيره مع رجل يناهز من العمر الأربعون عامًا، وهذا اللغز الغريب الذي أجهله ويتحداني بقوله "حلها إن استطعت" ف...