في اصعب ايام فصل الشتاء قرر ابي حينما كنت صغيرا ان يذهب الى الريف الى احد اعمامي كي يناقشه في امور هامة ، ضل عنده ساعات طويلة قضاها معه في مناقشات لا أفهم منها اي شيء حتى احتسم الأمر بينما وصلو الى علو الصوت ، وهنا قرر ابي مغادرة المكان بل العودة الى المدينة حيث نقطن ، ولاكن الساعة أشارت إلى وقت متأخر من الليل وعرض عليه عمي ان يبيت عنده هذه الليلة ثم يرحل في الصباح لاكن أبي اصر على موقفه ولم يكن يعمل حساب انه لا يوجد في هذه الساعة ( بل وقبل ذلك بعدة ساعات ) اي وسيلة للإنتقال ، ولكن مع اصرار ابي دبر لنا سيارة ( نصف نقل ) كي تنقلنا حتى اول الطريق العمومي ومن هناك نستطيع تدبر امرنا . حينما وصلنا إلى الطريق الرئيسي شكرنا السائق ، وبدأ ابي بالإشارة للسيارات المارة وماهي إلا لحظات حتى توقفت أمامنا حافلة تابعة لإحدى الشركات ، صعدناها سويا بعد ان سأل ابي رجلا ينزل من الحافلة عن ما إذا كانت ذاهبة الى مدينتنا فأجابه " بنعم " ، جلسنا حوالي ثلث ساعة ، وكنت أجلس بجوار النافذة لاحظت عندها اننا لا نسير على الطريق الصحيح ، فنبهت ابي الذي انزعج حينها وتوجه مباشرة إلى السائق لماذا تخرج عن المسار الرئيسي الى المدينة فأجابه بأنه متوجه إلى مدينة أخرى ، فتعجب أبي وسأله :لقد سألت شخصا كان ينزل من الحافلة قبل صعودي إليها عن وجهت الحافلة فأخبرني بأنها متوجهة الى حيث اقصد، فكيف يكون ذلك ؟ ضحك السائق وقال : انا لم اقف لأنزل احد معي ، ولم ينزل من الحافلة أحد ، لقد توقفت رأفة بك وبصغيرك حينما أشرت إلي . تملك ابي الذهول المختلط بالغضب ، مما قال ذلك السائق ، فطلب منه في الحال النزول وأشار إلي كي أنزل معه ، توقف السائق بعد ان أخد يضحك بسخرية من ابي وقال له : اذا نزلت لن تعود الى منزلك الليلة . نزلنا من الحافلة وقد أخد أبي الضجر ، وانا قد أخذني الرعب لأن الطريق كان مضلما للغاية مشوب بالضباب حتى اننا لا نكاد نرى بعضنا . مشينا دقائق حتى مررنا بقنطرة صغيرة يتجمع حولها بعض القرويون الذين أشعلو النار بالحطب ، سلمنا عليهم وسألهم أبي عن الطريق فأخبروه بأنه اذا انتهى من ذلك الشارع الذي نحن فيه فسيجد طريقا تمر منه السيارات المتجهة الى مدينتنا اما حاليا فما من سبيل كي يقطع ذلك الشارع إلا سيرا على الأقدام ، سألتهم انا عن طوله رد علي احدهم وهو يضحك بشكل غريب بأنه امامنا عشرون من الكيلوميترات كي نقطعها سيرا ، حينها فقط ابصرت حمرة في عيني ذلك الرجل تلمع بشكل غريب فالتفت إلى زملائه فوجدت بهم نفس الأعين الأمر الذي جعلني احث على ابي الذهاب سريعا . بدأنا في اللسير وانا في غاية التعب والإرهاق الممتزج بالرعب من ضلام طريقنا ومع هبوب رياح باردة تأتي من خلفنا لها صرير وصفير كأنها الف شبح يطاردنا بدأ جسدي يرتعش ليس من البرد فسب بل من اصوات قد بدأت تطرق مسامعي ، قد ميزتها اذناي عن صوت الرياح وبدت لي كأنها صوت ضحكات شامتة من حالنا تصدر من عجوز خبيثة( كمثل ضحكات الساحرة الشريرة في أفلام الكارتون) . قلت في نفسي من المؤكد اني اتوهم فسألت ابي عن ما إذا كان يسمع تلك الضحكات مثلي ، شرد بذهنه برهة من الزمن واحسست بتغير لونه مع ما ظهر من ملامحه من خلال ضوء السيجارة والتي أشعلها قبل ذلك ووضعها في فمه في تلك اللحظات ، ثم استدرك انه يحاول طرد فكرة رهيبة قد دارت في ذهنه موجها إلي اللوم على اني أعيش في وهم . ومع تكرار تلك الضحكات لحظة وأخرى والتي لا أعلم مصدرها او من أي جهة تطلع علينا بتلك الهيئة المفزعة ، استمرينا بالسير وقذ مضى على سيرنا وقت طويل اكاد أحسبه كسنوات ، وفجأة برز من بين الظلام حيوان ذي أربعة أطراف يمشي عليها يرتفع عن الأرض بمقدار كبير يفتح فكه ويبرز أسنانه وتلمع عيناه ، وبدأ يسير ناحيتنا وكأنه عازم على الشر لنا ، ثم إنه قد سار مرة بجوار أبي تارة أمامنا وتارة أخرى من خلفنا أخبرني حينها أبي بأنه ذئب ولولا إشعاله السيجارة لانقض علينا حرص أبي على دوام إشعال السجائر الواحدة تلو الأخرى دون إطفاء لأحدها وأمسك بيدي كي لا أبتعد عنه وبعد مطاردة ذلك الذئب الشرس لنا لبعض الوقت الذي ليس بالقليل ذهب ذهب عنا مسرعا وهو ينظر ورائه وكأن شيئا يطارده .نظر ابي ناحية ما كان ينظر إليه ذلك الذئب وإذا بإمرأة عجوز تنادي على أبي بصوت بحيح وتشير له بالقدوم ناحيتها ، فتردد أبي للحظة ثم قرر الذهاب إليها متعجبا من أمرها ، سمعتها تقول له امضي في طريقك انت وولدك من غير الإلتفات ورائكما وإلا سيأخذونكما من غير رجعة وستصل بإذن الله الى نهاية الطريق في وقت قصير ، سألها أبي من الذي سيأخذنا ولماذا ؟! ... ردت عليه بألا يسأل وألا يحاول ولو للحظة النظر من خلفه وإلا وقع المحظور ويحدث ما لا يحمد عقباه له ولولده فشكرها أبي ثم انصرفنا لنكمل مسيرتنا وبعد دقائق قليلة وفي أثناء سيرنا احسسنا بمن يسرع الخطى ورائنا واصوات اناس تلهت من الجري ، أردت ان ألتفت ورائي كي أبصر ماذا يحدث .ضغط أبي على كف يدي بقوة وقال لي لا تلتفت ورائك الم تسمع قول العجوز ؟ وكأنه صدق كلامها. وفعلا بعد بضعة دقائق معدودات مرة علينا في أثناء سيرنا بعد مقابلتنا لتلك العجوز ونحن نحس بمن يلاحقنا من خلفنا ونسرع الخطى لذلك بدون الإلتفات الى الوراء ، وجدنا على مرمى البصر تبين لنا أضواء الطريق العمومي فحمدنا الله تعالى وبدأنا نحث على أقدامنا على الإسراع حتى نبلغ ذلك الطريق ومن حينها بدأصوت المطاردين خلفنا يخف شيئا فشيئا .وصلنا إلى الطريق الرئيسي وأخذنا انا وأبي بالإشارة إلى السيارات المارة حتى توقفت أمامنا سيارة . نظر إلينا سائقها وهو مذهول ويقول لأبي ماءا تفعلون هنا ومن أي طريق قدمتم ،أخبره أبي بأنه قادم من ذلك الطريق الذي كنا فيه ولا يعلم الى أين يصير حمد الله لنا ذلك السائق وقدم لنا شربة ماء وأخبرنا بأنه ذاهب بالفعل إلى مدينتنا ، ثم أنه أخبرنا بخبر عجيب هو ان خروجنا من هذا الطريق هو بذاته أعجوبة لأن الطريق مسكون وكم من الجرائم جرت به والتي راح ضحيتها الكثير من الناس .اخبر أبي السائق بأن عليه ألا يقول ذلك أمامي نظرا لعمري ،ضحك السائق وقال ان لنا عمر جديد نظرا لنجاتنا من ذلك الطريق ، ومكافأة منه لنا على ذلك فإنه لن يأخذ منا أجرة في مقابل إيصالنا إلي مدينتنا .وصلنا بسلام عند طلوع الفجر وانا لا زلت غير مصدق بأننا قد مضينا الليلة الماضية في ذلك الرعب المميت..