الفَصلُ السّادِسُ

122 7 3
                                    


زُولمِس نيرفَا-٢٦- شقيقَة جوليانُوس فِلسِر

برليِن ١٩٤٠

جوّ غائم، غرفَة فارِغة، و صوتُ البيانُو الصّادح في الأرجاء، لعلّها الأجواءُ الوحيدَة الباعثةُ للطُمأنينَة منذُ إندلاعِ الحربِ.

لا أعلَم كم من الوقتِ سنظَلّ نصلّي أن تواصلَ القذائف إخطاءنَا، أن يعودَ لنا شقيقَيّ، والدَتي من وقعِ الحسرَة و الإنتظَار غابَ عنهَا دهرُ الغيابِ، و أنا بالمثلِ.

لم أشعُر حينَ كنتُ أُعنّف مفاتيحَ الآلة تحتَ أناملِي علّي أخمدُ نارَ شوقِي و لهيبَ قلبِي، فمَا عُدتُ قادرَةً على شكايَة أمري.
كل الكلمات التي خانها التعبير، هربت لأحضان الموسيقى، هذا عُذري الوَحيدُ.

لوَهلَة غابَ عنّي الشّعور، و كأنّي داخلَ الفرَاغِ، حتّى صوتُ الآلة المعنّفَة لم أعُد أستَطيعُ سماعَهُ.
كلّ ما أعانَني به عقلِي الفارِغ هو نساجاَت لأبشعِ الأحداثِ التّي قد تصلُ لنا، قتلُ شقيقَيّ، إصابتُهما بالأذَى، أو حتّى موتَنا تحتَ رُكامِ المبانِي.

كانَ ما أراهُ بشعًا، مخيفًا و كابُوسًا، و لعلمِي بأنّه الأقرَب للواقِع لم أجدْ نفسِي سوَى صارخَةً و دافعَة البيانُو بقوّة ليتحطّم لأشلاءِ.
إنهارَت أعصابِي فجثوتُ، لأضرِبُ صدرِي و أكتُم صراخِي و بكائِي. إلّا أن صوتَ نحيبِي قد وصلَ لأمّي لتُقدِم بوجهٍ سلِب منهُ لونُهُ.

و ما إن رأيتُها حتّى زادَ شعورُ الأسَى و النّدم، و رُبّما بعضَ الحزن و الغضبِ، فما عدتُ أستطيعُ التمييزَ، داخِل صدرِي فأعاقَ نفسِي و تراخيتُ بينَ يديهَاَ.‏الكتمان مؤذي ، والبوح لن يغير شيئا، لذلكَ فقط أغمضتُ جفنيّ لا أرجو شَيئاً سِوى رأسٍ خالِياً مِن الأفكار.

بعدَ ما حصلَ تغاضيتُ أسئلَة أمّي و قلقِها عليّ، لم أرِد إثقالَ كاهلِها بما لن تستَطيعَ تحمّلَه، نظّفتُ كلّ ما أحدثتهُ يدايَ من فوضَى و ترائى لي سؤالّ حين كنتُ أجمعُ المفاتيحَ المكسورَة،
من كانَ يعلَم أنّي قد أُهشّم ما تعلّقت به روحِي و أنامِلي، كان سهلًا تدميرُ ما سعيتُ سنينًا لبنائه، ماذا بعدُ، ألن يكونَ تدميرُ الأشخاصِ على ذلكَ القدرِ من اليُسر؟

بضعُ كلمَاتٍ، و لربّما أحدُ المخفيّات و سيَهوى للجحيمِ.
أغمضتُ عينيّ بقوّة، مالذِي يجولُ في فكرِي الآن؟ لازلتُ عاقلَة كفايَة حتّى أطبقُ شفتيّ قبلَ قتلِي لمن يقربُني خطأً.

حجبتُ ناظرَيّ بالظلَامِ و رحتُ أغنّي،‏“فما عدت أملك في الأرض شيئا سوى أن أغني. و أُوهم نفسي بأني، أغني.




 و أُوهم نفسي بأني، أغني

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

زُولمِس نيرفَا-٢٠

جُرمْ: قِناعُ الَسّاديةٰحيث تعيش القصص. اكتشف الآن