بحلول المساء، وباقتراب اختفاء الشمس من السماء، وصلت الأسرة الصغيرة قرية الضباب ولم شملها بالجدة في جو يعمه الحنان وفرحة انتهاء الشوق. إلا أنه لم يكن أحد من الأب والأم والجدة أكثر سعادةً من الفتاة ذي السابعة عشر، دوركاس، والتي –على غير عادة أقرانها- دائما ما تنتظر بفارغ الصبر العطلة الصيفية، ليس من أجل الذهاب إلى الشاطئ أو السفر إلى مكان لم تكن فيه من قبل، بل كي تأتي إلى القرية.
لم تكن قرية الضباب كالقرى الأخرى بكل تأكيد. بل كانت أكثر قِدما وفقرا، يعيش بها ما يقارِب الخمسين شخصاً فقط، ويملأها الضباب دائما بشكل غريب في الشتاء والصيف. لم يكن بها غير معبد عتيقٍ لم يعد يتعبد فيه أحد، وبعض الأكواخ المهترئة ذي الجدران التي تتداعى دون أن تجد أحدا يرممها، وبعض المنازل التي لا تزال ثابتةً لأنها مسكونة بالبشر القليلين الموجودين بها، والذين ينقرضون شيئًا فشيئًا.
إلا أن دوركاس لم تكن تهتم بذلك، أو أنها تهتم لكنها مفتونة بالنصف الآخر من الكأس، فالطبيعة التي تتميز بها القرية غير طبيعة القرى الأخرى. الضباب قد سمح بأن تكون تربتها صخبة مُدِرة، وبالتالي كل ما يُزرع بها ينبت بسُهولة ويُسرٍ. أرضها فُرشت بالعشب الأخضر الناعم، والأزهار هنا وهُناك حيث أحيانا تلمسُها أشعة الشمس التي تتسلل بين جزيئات الضباب ثم تختفي سريعا، والهواء ممتلأ بعبقٍ سريعاٍ ما تعشقُه الروح.
ببساطةٍ، قرية الضباب كانت المكان الأمثل للحب والكتابة، للمشي والمطالعة، وهذا ما جعل دوركاس المتيمة بالأدب والطبيعة الرطبة تعشق هذا المكان عِشقاً جَماً.
بعد تناول العشاء، وبِعكس بقية العائلة التي قضت مزيدا من الوقت والسمر، ذهبت دوركاس لغرفتها من أجل النوم فغالبها النعاس سريعاً.
ولأنها نامت باكراً، فقد استيقظت منذ الخامسة صباحًا. نهضت بثقل من على سريرها، وارتدت جواربا ومعطفاً فوق منامتها القطنية، ثم فتحت الباب ببطء شديد محاولةً ألا يُصدر أي صرير. خرجت من البيت، ثم انطلقت نحو الغابة دون أن تنظر للوراء مرة واحدة.
ولم تعد إلا بعد مرور ساعتين.
أصبحت السابعة صباحاً، ولم يستيقظ أحد بعد غير جدتها كما حزرت. لم تُرِد أن تكشف أمرها فمشت على أطراف أصابعها بحذر إلى أن وصلت غرفتها الخاصة، والتي كانت لأبيها لما كان طفلاً. لسوء الحظ، لم تتمكن من إيقاف صرير الباب لما فتحته، ففُضح أمرها عند الجدة. طلت الأخيرة على الممر الذي يوجد بها مداخل الغرفِ، ثم ضحكت وقالت هامسة:
- هل كنتِ في الغابة ثانية؟
- أرجوك لا تُخبري أمي..
- ربما عليكِ إخبارها أنتِ إذن.
ابتسمت ابتسامة واسعة ثم ولّت عنها، فلم تملك دوركاس إلا تتبعها راجية أن تحفظ سِرها.
![](https://img.wattpad.com/cover/256679905-288-k193349.jpg)
أنت تقرأ
هاولفي، حارس المعبد
Fantasyجدةٌ قديمة، تُرسل حفيدتها كي تتبع خطاها التي خَطَت في زمانِها. لِتصِل إلى الغابة التي حُظرت عليها.. كي تُقاد إلى اللامكان، إلى معبدٍ تناوله الغبار، بُنِي منذ ما وراء الزمان.. وتجِدَهُ هناك، بعينيه الفارغتين.. كي تحتار، بين الشر والخير، وبين المغامر...