الفصل التاسع

14.9K 1K 93
                                    

عبث باسم الحب

الفصل التاسع :-

بدأت رهف تفتح عيناها شيئًا فشيء ليجابه الضوء عيناها البُنية، نظرت حولها ببطء متفحصة وكأنها تستكشف الشقة لتجد نفسها في نفس المكان الذي سقطت مغشية فيه فاستنتجت أن مروان لم يأتي من عمله، نهضت جالسة ممسكة برأسها تشعر بكل خلية بها تأن بألم، والدوار لم ينتهي حصاره الضاري لها بعد، أغمضت عينيها وفتحتها عدة مرات تحاول نفض غبار الدوار عنها لتنهض، وفي تلك الأثناء سمعت صوت مفتاح مروان يتحرك في الباب، فنظرت تلقائيًا نحو الطرقة التي سيظهر منها..
وبالفعل ما هي إلا ثواني حتى ظهر مروان ويبدو أنه كان يبحث بعينيه عنها، فهمست هي بأسمه في وهن بشبه ابتسامة مرهقة:
-مروان.
بمجرد أن نطقت أسمه أحست أن رصاصة التذكير إنطلقت لتُصيبها كطائر حاول الإقلاع بعيدًا عن أرض الواقع فأتت تلك الرصاصة وأسقطته جريحًا بين ثنايا الواقع مرة أخرى..!

اقترب مروان منها وجلس جوارها أرضًا عاقدًا ما بين حاجبيه يسألها في تعجب جلي:
-مالك يا رهف قاعدة كدا لية؟
هزت رهف رأسها نافية، وأجلت صوتها بصعوبة لتخرج بحته متعرجة عن الخط الطبيعي لها:
-مفيش، أنا تمام.
كذبتها عيناه التي استندت بأدلة جسيمة من ملامحها الشاحبة ويدها التي تمسك برأسها تدلكها دون أن تعي حتى أنها تفعل، ثم أردف في شك مصممًا:
-حصلك إيه يا رهف إنطقي ؟ شكلك مش تمام خالص.
خشيت أن يظن ما هو أسوء، فأجابت في هدوء مبتلعة ريقها:
-صدقني مفيش حاجة حصلت، أنا فعلاً تمام، أنا بس كنت بتكلم في التليفون مع ماما ودخت فجأة ووقعت من طولي.
أحاط مروان وجهها بين كفيه يُدلك جانبه بإبهامه بحركة تلقائية، ثم همس بصوت رجولي قلوق جاءها كطرب مُزيين بتلك اللوعة القلقة التي تتألق بعينيه:
-الف سلامة عليكي يا غزالة، طب إيه اللي خلاكي تدوخي أنتي ما أكلتيش؟
هزت رأسها نافية وأخبرته في خفوت:
-الله يسلمك، لأ أكلت والله.
ازداد قلقه تربعًا على عرش قلبه الموشوم بعشقها، وتابع اسئلته التي لم تكن غايتها سوى اجابة تسكن حالة الهرج والمرج التي تسود بين ضلوعه:
-امال إيه اللي حصل، والكلام دا أول مرة يحصل ولا حصل قبل كدا ؟
أرادت تهدئة قلقه فردت في تلقائية:
-لا متقلقش دا لسه أول مرة من شوية.
ازداد انعقاد ما بين حاجبيه وهو يردد مستنكرًا كلمتها:
-من شوية؟!
أمسك هاتفها ليفتح سجل المكالمات ويرى وقت المكالمة، فتفاجئ أنها ظلت فاقدة للوعي لمدة عشرون دقيقة، تعالى صياح قلبه بالقلق عليها ورفع عيناه مصدومًا مستنكرًا:
-بقالك تلت ساعة مرمية الرمية دي؟ أحنا لازم نروح نشوف دكتور.
هزت رهف رأسها نافية بسرعة، ثم أمسكت كف يده تربت عليه في حنو وراحت تستطرد في هدوء محاولة إثناءه عما يقول:
-مفيش داعي نروح حتة يا مروان صدقني أنا هبقى كويسة.
ولكنه لم يرضخ بل واصل في نبرة حازمة:
-أنتي مش قادرة تنزلي طيب أجيبلك دكتور البيت هنا ؟
أدركت أنه لم يترك لها طريق مفتوح للوصول لعقله سوى بالرضوخ والموافقة، فأومأت موافقة على مضض وهي تزفر أنفاسها:
-لأ يا مروان أنا هقوم أغير هدومي.
وبالفعل بدأت تنهض في بطء نوعًا ما، فنهض مروان معها وهو يسندها خشية من نيل ذلك الدوار منها من جديد، وما إن كادت تتحرك حتى سألها بتلقائية:
-أجي أساعدك؟
عاد وجهها ينبض بالخجل بعد أن شحب شحوب الأموات، ثم تمتمت مستنكرة بشدة:
-لا مش للدرجادي.
ثم رمقته بطرف عينيها متابعة بنبرة ذات مغزى:
-وبعدين أنا تعبانة نبطل وقاحة بقا شوية.
فلتت من حصار وجوم وجه القلِق ابتسامة مشاكسة وهو يتشدق بنبرة رجولية ماكرة مغلفة بالبراءة:
-لأ متفهمنيش صح، يوه قصدي متفهمنيش غلط، أنا هساعدك بأدب وعد.
إرتسمت ابتسامة باهتة لم تكن زاهية كطبيعتها وأردفت تجاريه:
-لا يا سيدي شكرًا أنت مساعداتك كلها بقلة أدب.
-أنا يابنتي؟
تمتم بها مروان ببراءة زائفة وهو يضحك، مراقبًا إياها وهي تبادله ضحكة خافتة هي الاخرر و تتجه بهدوء وبطء نحو غرفتهم وتدخل مغلقة باب الغرفة خلفها.

نوفيلا " عبث باسم الحب " بقلم/ رحمة سيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن