4|..تربيتة حنونة•|

169 41 9
                                    

«ألا تعلمينَ آنستي، أنّ كُلّي يرتكِزُ عليكِ؟»

خطت داخل المنزل بثقلٍ وأغلقت الباب بوهنٍ، تطلب جفونها بعض الرّاحةِ فقرّرت منحها ما تريده، توجّهت مُباشرةً نحو غرفتها فارتمت بثقلِ جسدها على السّريرِ.

مع تثاؤبها القويّ، أغلقت عينيها تريد نيل قسطٍ من الرّاحة، لم تَنم تقريبًا منذ يومينِ بشكلٍ جيّد، بسببِ ضغط العمل.

صوت رِسالة صدر من هاتفها فنبّه حواسّها، أطلقت يديها للبحثِ عنه حولها إلى أن وجدته، فتحته دون أن ترى اسم المُرسل وبدأت بقراءةِ الرّسالة:
«هل عدتِ للمنزلِ بأمانٍ؟»

استوت جالسةً وحدّجت الهاتف بنظراتٍ مُبهمة، من هذا؟
وقع نظرها على اسم المُرسل، كان لوكاس، فارتسمت بسمةٌ على ثِغرها الشّاحِب فعاود نبض الحياةِ له مجددًا.

كتبت بسرعةٍ:
«نعم، ماذا عنك؟»

وصلها ردّه بعد دقائِق:
«فعلت، هل أيقظتك؟»

«لا لا، لم تفعل.»

«ما رأيكِ إذًا بالخروجِ معي لبعضِ الوقتِ؟» زاد اتّساع تبسّمها، نظرت للسّاعةِ، شارفت على بلوغِ العاشرةِ مساءً، لكنّها كتبت:
«لا مانع، سأنتظرك أمام منزلي بعد نصفِ ساعةٍ.»

«حسنًا يا سموّ الأميرة.»

تأمّلت رسالته الأخيرة بعيونٍ مُشعّة، كانت ترغب بالنّوم، لكنّها تشعر بكل التعب الذي كان فيها تبخّر، وكأنّه لم يكُن.

قضت النِصف ساعة تبحث فقط بين الثياب التي يجب أن ترتديها، كيف لها أن تخبره أن يأتي بعد نصف ساعةٍ فقط؟

بعد وقتٍ، سمعت صوت جرس المنزل يرنّ، هل وصل بهذه السرعة؟
تمتمت بضجرٍ تسبّ تسرّعها والملابس وكلّ شيءٍ في هذه الحياة، لكن صوت الرّنةِ الثانيةِ قاطع ذلك.
----

«هل تأخرت؟» ردّدَت بابتسامةٍ مُتوترة حين خرجت وفتحت الباب، كان سيخبرها أنها تأخرت نصف ساعةٍ أخرى، ولكنه لم يُعقّب.

تبسّم محياه حين لمح لون رداءها، فكان الأحمر الذي بات مُحبّبًا، مدّ كفّه إليها ونبس:
«لا عليكِ.»

تردّدت، لكنها أمسكت بكفّه في النهاية، تبعته نحو العربةِ بصمتٍ يشوبه بعض التوتر، لم يخرجا منذ فترةٍ، تقريبًا هذا هو الموعد الثاني لهما، بعد الموعِد الذي أفسدته حين طلب مواعدتها قبل أسبوعين.

فتح بابها وأشار لها بالجلوسِ ففعلت، أغلقه ثُمّ سارَ نحو مِقعد السائق، فجلس فيه وانطلق.

«أخبريني، أين تريدين الذهاب؟» أردف بعد صمتٍ خيّم على الأجواءِ، كان مُركزًا على الطّريقِ، لكنّ يده مُدّت لتمسك بيدها، فمنحتا بعضيهما الدّفءَ وسطَ صقيعٍ أهوج، بدت كتربيةٍ حنونة، بعد وقتٍ طويلٍ من التّعبِ والإرهاق، فكان كافيًا.
-

توقف أمام شاطئ المحيط كما طلبت منه، ترجّل من السيارة وسار نحو بابها ففتحه، ترجّلت هي الأخرى، كاد يسير نحو الشاطئ ولكنّها تعلّقت بذراعه، قائلة:
«الجو بارِد.»

التوى ثغره فأظهر ابتسامة، سار بعدما تمسّك بها ولفّ ذراعه حول كتفيها لتبتسم بصمتٍ، تُلملم شتات نفسها بصعوبةٍ، فبدت وكأنها تُحارب.

«يبدو الشاطئ ثائرًا.» تحدّث فاخترق صوته الثابت سكون الليل من حوله، فتبعه صوتها قائلة:
«آتي إلى هنا حين أشعر بالحُزن، هذه الأمواج الثائرة تجعلني أشعر بأنّني لستُ وحدي من يملك ثورةً داخله.»

ألقى نظرة عابِرة إليها، كانت تنظر أمامها للأمواجِ بشرودٍ، بدى وكأنّ هناك حديثٌ يدور بينهما غير قادرٍ على سماعه.

«كان اليوم مرهقًا، منذ فترة أردت الخروج لشراءِ بعض الأشياء، لكن.. بسبب العمل لم أستطع حتّى النوم بشكلٍ جيّد.» قالت ولا زال نظرها مُثبّتٌ للأمامِ، شعرت بأنها ترغب بقولِ أيّ شيء حتّى تُمرّر هذا السكون وتُبعده، يبدو ثقيلًا، ويبدو الحديث في هذه اللحظة مُتعبًا، لكنها لم ترد أن تصمت فحسبٍ.

«بما أن ضغط العمل انتهى، فأريد الخروج معكِ لرؤيةِ ما ستقومين بشراءه، ما رأيكِ؟» التفتت إليه بعدما رفعت حاجبيها باندهاشٍ، فردّت:
«ظننتك..»

«لا تظنّي، هناك الكثير من الأشياء التي أمقتها، لكن معكِ.. بدأتُ بحبّها من جديد.» قاطعها، بصوتٍ هادِئ، بينما لم تعرف كيف تجيب.

رُبّما، لا يُحبّ الأحمر، ولا يُحب الثرثرة، ولا حتّى التّسوّق، رُبّما لا يُحب الجلوس على شاطئ المحيط والاستماع لثورانه المُزعج، لكنّ أمورًا كهذه، باتت مُحبّبة، مثلها تمامًا.

---

«لو أنّ الزمن يَقِفُ لوهلة، ليستَمِع معي في لحظة سكون العالم، لضجيج قلبك.»
-
يُتبع.
تصويت🌟.
570 كلمة

حُمرةٌ ساحِرة√.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن