«أمنيتي الوحِيدة بجِوارك، لو أن النهاية لا تأتي، ولحظاتنا الآسِرة لا تنفذ، أو تتوقّف.»
---أصواتٌ من خارِج الغُرفةِ تردّدت بعلوٍّ فجعلتها تفقد تركيزها على ما كانت تغعله، زفرت بضيقٍ وأغلقت الكتاب بيدها، ثُمّ قرّرت الخروج لتعرف من أين يأتي ذلك الإزعاج.
نظرت بتعجبٍ لزوجها الجالس على كُرسيٍّ قصيرٍ مُعطيًا ظهره لها، سارت صوبه متحدّثة:
«ماذا تفعل؟»رأته يُحاول إشعال نارٍ على حطبٍ في صفيحةٍ عريضة، لكنّه لا يُفلح، بجانبها إبريقٌ بِهِ ماءٌ، فضحكت بخفّةٍ فظهرت تجاعيد عينيها، التفت إليها برأسه قائلًا بسأم:
«كما ترين.»زمّ شفتيه بانزعاجٍ وعاود لما يفعله مجددًا، جلست بجانبه ونبست بينما تحاول فعل ما يفعله:
«دعني أفعل، أنت تعرف بأنني أفضل منك بكثيرٍ في فعلِ ذلك.»«لا تُعاودي إذلالي بهذا.» ردّ بحنقٍ فقهقهت بقوةٍ عليه، لتُجيب:
«لا ضير في فعل ذلك، عليك أن تعترف، أنا أفضل منك في ذلك.»أصدر صوتًا ساخِرًا فالتوى ثغره مُظهرًا ضيقه، بينما نجحت هي في إشعال النيرانِ بالحطبِ فابتسم لكنّها لم تظهر، قائلًا:
«لا زلت جيّدة بذلك.»«بكل تأكيد، أنت تعرف بأنني كنت أفضل كشّافة.» أجابت بفخرٍ فضحك بسخريةٍ عليها.
صمت قليلًا بينما جلست على الأرض بجانبه، وقالت بتساؤل:
«ما مناسبة رغبتك بإشعال هذا الحطب فجأة؟ لا يُعقل بأنك تتدرب لتتغلّب عليّ؟»حوّل نظره إليها، لكنه لا زال صامِتًا، يستذكِر هذا اليوم قبل سنواتٍ عديدة، ما يزيد عن العشرين عامًا، حين عرض عليها الزواج، بنفسِ اليوم.
كانا يمضيان وقتًا ممتعًا برحلةٍ على إحدى الجُزرِ، في ليلةٍ شتويّة، لكنّها دافِئة، أخرج لها الخاتم اللامِع وسط عتمة الليل، آمِلًا ألا ترفض.
تذكّر خوفه في هذه اللحظة، وتردده لفعلِ لذلك، حتّى أنه لام نفسه وأخبرها أنها تسرّعت، أخبرها أنه يجب علينا الانتظار، لكنه سَئِم منه.
أشعلت النيران في الحطبِ حتى تضع إبريق الشّايِ، فبرزت لمعته الخاطِفة، كما سيفعل اليوم، أراد لهذه اللحظة أن تعود، فقرّر فعل ذلك بنفسه.
نظر للأسفلِ بينما يُخرج في الخفاءِ العلبة المُخمليّة التي استكانت بجيوبه، رغم أنه حاول إخفائها، لكنها رأتها، فعقدت حاجبيها، وقالت:
«تنوي فعل شيءٍ ما.»انحنى على ركبتيه رغم ألمه، وأخرج العلبة أمام أنظارها، لم تتحدّث، ولم تُبدي أيّة ردود فعلٍ على الأمر، غير أنها تنظر للعلبةِ بيده.
رفعت يديها نحوها، وفتحتها، فبرز الخاتم اللامِع باللؤلؤةِ الضئيلة التي تتوسّطه.
سُرِقَ منها خاتمها في العامِ الماضي، فقرر أن يجمع ثمنه ويشتري واحِدًا جديدًا يُشبهه، حتّى يُقدّمه بذاتِ اليوم، على ضوءِ الحطب الشاحب.
حنينٌ عاد بها للوراءِ، قبل سنين عديدة، فشعرت أنها ما زالت نفس العشرينيّة الطائشة التي قبلت الزواج بِهِ بسعادةٍ، وحماس، نظرة تخلّلها الحنين ألقتها إليه، ثُمّ مدّت كفّها نحوه، حتّى يُلبسها خاتمها.
وكأنّه أتى من الماضِي ليُذكّرها بالأيامِ الخوالي، وبالابتساماتِ العفويّةِ التي ترسمها ملامحها دون أن تدري، فقط حين تلمحه من بعيدٍ.
تسلّلت بعضٌ من دمعاتِ عينيها المالحة بسعادةٍ فشقّت دربها للأسفل، بينما عَلَت شهقاتٌ فَرِحة شفتيها، فالتوت بشيءٍ يُدعى ابتسامة، ابتسامة بلهاء لابتسامته اللعوبة، ولذكرياتِ الماضي.
الماضِي، رغم مآسيه، إلا أنه ربّت عليهما بمنحهما حُبًا لا ينتهي، ولا ينفذ، وقلوبًا آوت بعضها حين يُصبح المكان موحِشًا وصعبًا، وحنينًا مُحبّبًا، لكلّ لحظاتهما الآسرة، حتى لو لم تكُن كثيرة.
---
«عيد حبّكِ مُحمرّ، وحمرته ساحِرة.»
-
تمّت.
تصويت🌟.
477 كلمة.
أنت تقرأ
حُمرةٌ ساحِرة√.
Short Storyمُبعثرٌ أنا بين شتاتِ عينيكِ. قِصة قصيرة. فصولٌ قصيرة | نقيّة. فائزة بمسابقة حساب العاطفية: Saint Vals 2021، بفئة القصّة القصيرة، للغة العربية. جميع الحقوق محفوظة. ©