"الفصل الثاني. -١-"
"ذات الوجهين"
"اجاثا كريستي"مضى "بوب" يجتاز الشارع الرئيسي وهو شارد البصر غارق في خواطره يسأل نفسه في حيرة عما ينبغي أن يفعل.
وتحول إلى مقهى وطني. وطلب قدحاً من الليمون وانزوى في ركن قصي هادئ يتيح له أن يفكر.
أن في جيبه جواهر تقدر بمليون من الجنيهات وعليه أن يبتدع خطة يخرجها بها من البلاد -والوقت ضيق يزحف عليه بوحشية فالثورة قد تندلع في أي لحظة.
فما عساه أن يفعل بهذه الالماسات...؟وما عساه أم يفعل...؟
وانبثقت في ذهنه فكرة "السفارة" فلِمَ لا يلجئ إليها ويعهد إليها بالمجوهرات...؟ولكن لا...إنه لا يستطيع أن يورط سفارته في مثل هذه المناورات الخفية المتشابكة.
انه في حاجة إلى شخص ما...شخص عادي يوشك أن يغادر البلاد فيعهد إليه بالمجوهرات...أحد السائحين أو رجل من رجال الأعمال..شخص لا شأن له بالسياسة واحابيلها حتى لا يثير شبهات رجال الجمارك ممن يشيعون بتلك العبارات المألوفة:"مع السلامة".
فمن يكون هذا الشخص..؟من أين يمكن أن تهبط "النجدة"..؟وفجأة ضرب جبينه براحته...يا له من أحمق ساذج.....! لِمَ لم يفكر من قبل في اخته "جوان ساتكليف"...؟لقد أمضت "جوان" شهرين في هذه البلاد مع طفلتها "جنيفير" التي كانت قد أصيبت بنزلة رئوية فجاءت تنشد جوا جافاً تنتجع فيه طلباً للصحة ولن تلبثا أن تقوم برحلة بحرية طويلة خلال أربعة أيام أو خمسة...
نعم...ان "جوان" هي الشخص المثالي المنشود فهي لا يمكن أن تغدر به أو تخون ثقته.
ولكن احقا انه يستطيع أن يركن إلى" جوان"؟ أمانتها ليست موضع ريبته ولكن كتمانها هو الذي لا يمكن أن يطمئن إليه لأنها لا يمكن أن تنطوي سراً.
إذن فالأولى به أن يودع المجوهرات لفافة عادية المظهر بريئة يعهد بها إلى اخته زاعماً انها هدية ينوي أن يقدمها إلى إحدى الأصدقاء..ان هذه الوسيلة آمن وأسلم دون شك.
َوانعطف "بوب" إلى فندق "ريتز سافوي" أكبر فنادق "رامات" واشهرها واتجه إلى مكتب الاستعلامات وتلقاه الموظف باسماِ مرحباً. وابتدره يسأله إذا كان يعرفه من قبل:
-هل جئت تزور اختك؟ لقد ذهبت صباح اليوم مع طفلتها في نزهة خلوية.
ويستطرد موظف الاستعلامات:
-وكان في صحبتهما السيد والسيدة "هيرست" الموظفان بشركة البترول ولقد ذهبوا لمشاهدة السد الجديد.
وسخط "بوب" ولعن في سره فهذا معناه ان اخته لن تعود قبل انقضاء ساعات.
وقال للموظف:
-سأصعد إذن إلى غرفتها لاترك لها رسالة.
ودار "بوب" ببصره في أرجاء الغرفة يتفحصها...كان كل شئ يوحي بأنها تتأهب للسفر فبعض الحقائب مشحونة بالمتاع ومشدودة بسيورها الجلدية وعلى المقاعد والمناضد مجموعة أخرى من الثياب وشتى الحاجات التي لم تحزم بعد.
وخطر له أن يدس بين متاع اخته لفافه الألماس مرفقة بمذكرة منه غير أنه ما لبث أن نفض هذا الخاطر عن ذهنه فما يدريه أن بعض الجواسيس تعقبوه إلى الفندق وما أن ينصرف حتى يقتحموا الغرفة فيفتشوها وعندئذ يجدون اللفافة ويجدون الرسالة..وتقع الكارثة؟
ومن جديد عاد يتفحص الغرفة.واخذت عينه قطعة كبيرة من الصلصال تخص "جنيفير" مما يلهوا به الاطفال ويشكلونه تماثيل على سبيل اللهو والتسلية.
وقال في نفسه:
-هذا الصلصال يصلح مخبأ رائعاً.
وبادر إلى العمل في حذق ومهارة. ثم راح يتأمل راضياً ما فعل وايقن أن أحدا لن يفطن إلى سره. ثم جلس إلى المكتب ومضى يحرر رسالة إلى أخته وكان حريصاً على أن تكون رسالة بريئة لا تثير شبهة أو شكاً.وكتب يقول:
عزيزتي "جوان"
-حضرت لأسألك أن تلاعبيني مساء اليوم شوطاً من الجولف. ولكن لا شك في انك ستكونين متعبة منهوكة القوى بعد رحلتك إلى السد.فما رأيك أن تلاعبيني غدا...؟فليكن موعدنا الخامسة مساء في النادي.
"بوب"
رسالة عادية يمكن أن يكتبها انسان لأخته فإنه لا يريد أن يورط "جوان" في مؤامراته. ان أشارته إلى اللقاء المحدد بينهما في اليوم التالي كفيلة بأن تنفي عن الأذهان اعتزامه السفر في اليوم نفسه.
وعبر الغرفة الى التليفون وطلب الاتصال بالسفارة الإنجليزية.
وحين تم الاتصال طلب أن يتحدث إلى "ادماندسون" السكرتير الثالث بالسفارة.
وقال له:
-"جون"....أيمكنك أن تقابلني اليوم...؟
-ماذا تقول...؟الا يمكنك أن تبكر قليلاً...؟
-نعم...امر مهم...فتاة اريد ان تتعرف إليها...طبعاً رائعة الجمال...فليكن..الساعة الثانية موعد ملائم....إلى اللقاء إذن.
ورد ألسماعة مكانها و"جون ادماندسون" يختتم الحديث بقوله:
- ألا تباً لك ولفتياتك يا "بوب"...؟يجب أن تتعقل يا رجل.
حديث برئ بدون شك -شأنه شأن الرسالة التي كتبها لأخته- فهو يعرف انه ما من تليفون في "رامات" الا وكان موضوعاً تحت الرقابة السرية.
لابد أن يخبر "ادماندسون" بالمخبأ السري الذي أودع فيه الكنز الذي أودع معه.
انتهى