الفصل الثاني أناديها جنتي

11 4 8
                                    

جلست القرفصاء في ذلك المكان الموحش الصمت سيد المكان بعدما رحل أولائك المتوحشون خاطفوها ولكن لم يرحلو إلا بعدما ألقو عليها وابلا من الضربات القاسية التي آلمت جسدها الضعيف الهش ولكن أكتر ما آلمها وحطم روحها الضعيفة هي تلك الشتائم المهينة التي لا تستطيع الرد عليها ليس لأنها تريد ذلك أو لأنها خائفة من بطش أولائك الأوغاد
بل لأن الله حرمها من نعمة الكلام
فالكلام يا سادة نعمة لا تقدر بثمن أن تعبروا عن فرحكم وحزنكم ويأسكم وضعفكم ......إلخ نعمة كبيرة جدا وتستحق الشكر الخالص لله فشخص مثل جنة عبد الحميد الكاشف
حرمت من الكلام وحرية التعبير عن رأيها أربعة عشر عاما سيكون أقصي ما يتمناه أن يقدر علي التعبير عن ما يشعر به من حزن وألم ووحدة وما يحسه من مشاعر تثقل الكاهل تتمنى من الله أن يرحمها من بطش والدها ولكن ليس أمامها إلا الدعاء الصادق جنة تتمني أن تحظي بالحب والحنان الخالصين الذان يعوضانها عن قسوة والدها وعن حنان الأم الذي لم تعرف طعمه أبدا عن سنين الوحدة والضياع ابتسمت بسخرية علي ما تفكر به فمن سيقبل بشخص أبكم شريكا لحياته

الحكاية منذ البداية:
كانت السيدة "قمر عبدالله المهدي" زوجة "أنور الكاشف" في غرفة العمليات فاليوم هو موعد والدتها لإبنتها الوحيدة جنة
خارج غرفة العمليات كان يقف "أنور" بملامح قلقة ومتوترة فحب حياته بالداخل تصارع ألم الولادة (الطلق) كره سماع صوت صرخاتها فهذا يشعره بالألم ربما هو يتألم أكثر منها
هذا هو الحب مشاركة للحبيب في كل ما يشعره من مشاعر سواءا كانت إيجابية أو سلبية
ولكن أكثر ما أقلقه هو تأخرها في غرفة العمليات تري ما الذي يحصل وما سبب هذا التأخير راح يصرخ في الممرضات وهو يحاول الدخول
أنور :
هو إنتو بتخترعوا الذرة فين مراتي أقسم بالله لو ماطلعت حالا لأقلب أم المستشفي علي دماغاتكو
فجاء محمد أخو قمر
محمد وهو يسحبه وراءه ويتحدث للناس المتجمهرة تراقب بدهشة هذا المجنون وهو يصرخ
محمد :
أنا آسف يا جماعة مراته تعبانة شوية وهو خايف عليها
ثم دخل مع أنور إلي إحدي الغرف الفارغة
محمد :
إيه يا ابني اللي إنت بتعملوا ده فضحتني
أنور بغضب:
يا عم أنا مش ناقصك إنت راخر غور في داهية من أدامي كفاية العفاريت اللي بتلعب في وشي دي
محمد بوعيد:
لأ بقولك إيه أنا مش ناقص أنا اشتغلت في المستشفي دي بطلوع الروح أقسم بالله لو إطردت منها مش هيحصلك كويس وهتلاقيني معزل وجايلك البيت بتاعك بالغصب بالزوق ميهمينيش
أنور :
لأ وعلي إيه ألم نفسي أحسن
محمد :
أنا دلوقتي هادخل أوضة العمليات أشوف في إيه وإنت خليك أدام علي الكراسي واهدي متتوترش
نطق محمد هذه الكلمات وهو يخفي إرتجافة صوته خوفا علي أخته فهو يكاد يصاب بانهيار خوفا عليها
بعد قليل:
شاهد أنور بعض الممرضات خارجات من غرفة العمليات وهن يركضن بسرعة فدب الرعب في قلبه
فسأل الممرضة :
يا آنسة لو سمحتي هو في حاجة في أوضة العمليات
ولكنها كانت مستعجلة فلم ترد عليه أو بالأحرى لم تسمعه
ولكن بعد لحظات خرج محمد من غرفة العمليات وهو خائف ومتردد وعينيه تلمع بالدموع كيف سيقول له أسيخبره أنه لم يستطع إنقاذ أخته كيف يفعل هذا
محمد بنبرة مهزوزة والدموع تترقرق تكاد تفيض من عينيه :
أنور أنا مش عارف أقولك إزاي لكن شد حيلك يا صاحبي
أنور بخوف:
البنت حصلها حاجة يالهوي دي قمر هتنهار
ولكن جائت الصاعقة علي رأسه بتلك الكلمات التي قالها محمد وهي
محمد:
البقاء لله وحده أمر أختي ....... تعيش إنت
نظر له أنور بصدمة هذا مستحيل قمر حب حياته لا يستطيع العيش من دونها كيف تموت هكذا مستحيل
أنور  وهو يضحك بهستريا:
إنت أكيد بتهزر بس هزارك البايخ ده مش هايجي عليا يا محمد
نظر أنور إلي وجه محمد عله يستشف من ملامحه المزاح ولكن لم يجد إلا الحزن والألم فأيقن في داخله أنه يقول الحقيقة
أنور :
إنت كداب قولي هي فين
ثم صرخ بجنون:
قمر....قمر إنتي فين بالله عليكي ماتعملي فيا كده إنت عارفة إني مقدرش أعيش من غيرك
وقف محمد متصنما من الموقف ولم يعرف ماذا يفعل أيواسيه أم يواسي نفسه أيهدر به علي الجنون الذي يفعله
خرجت الممرضة وهي تحمل جنة تلك الطفلة الصغيرة البريئة التي لا تفقه شيئا فاتجه أنور نحوها وهو يصرخ بجنون:
إنتي شيطانة إنتي اللي أخدتي مراتي مني قسما بالله لهخليكي عايشة وأدوقك المر والله لتشوفي أسود أيام حياتك علي إيديا
صرخ به الطبيب محمد :
إيه الهبل اللي إنت بتقوله ده دي بنتك إنت المفروض تعوضها عن أمها اللي ماتت مش تإذيها إنت فاكر إن قمر هاتكون فرحانه باللي بتعمله ده
ثم استطرد بجدية :
وعلي فكرة قمر كان عندها ضمور في عضلة القلب وهو ده اللي أدي لوفاتها مش الولادة أبدا لأننا ولدناها قيصري
لم يكف أنور عن جنونه فاضطر محمد إلي إعطائه حقنة مهدئة
عندما أفاق أنور طلب أن يري جثمان زوجته فأرشده محمد إلي ثلاجة الموتى
وعندما رفع أنور الغطاء عن وجه قمر فاضت دموعه وتعالت شهقاته وردد قائلا:
إنتي ليه سيبتيني مع إنك عارفة إن أنا بحبك أوي يرضيكي الحالة اللي أنا فيها دلوقتي دي أنا بموت يا قمر بموت طب قوليلي أعمل إيه في البنت اللي خلفتيها دي
دي شبهك الخالق الناطق كأنها مخلوقة علشان تفكرني بيكي بعد كده كل ما أحاول أنساكي
ثم قبل جبينها :
هتوحشيني يا قمري
انقضت أيام العزاء وعين أنور لجنة مربية حتي تعتني بها ليس حبا في جنة بل حتي تكبر ويذيقها العذاب ألوانا
                                                                           
قوليلي إيه رأيكم في البارت في كومنت
فوت لو سمحتو وشكرا جدا لكل اللي بيتابعني

أناديها جنتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن