الفصل الثالث

787 44 1
                                    

نوفيلا "حياة نور"

الفصل الثالث

إنقضت ساعات النهار سريعًا، وحل المساء، وتوشحت السماء بالسواد وهي مازالت حبيسة جُبها، والألام تتأكلها ببطء لكن قلقها على أولادها سيطر على آلام جسدها..

تقاوم لدأب صدوع روحها؛ حاولت كثيرًا أن تتكيف مع تلك الحياة وتُغير زوجها لكن كانت كـ من ينحت في الصخر ..
أمُرها لا يُعنيها، كل ما يُعنيها أطفالها فقط، فالأمر لم يعُد يتوقف عليها الآن....

_ وهُنا تغلبت أمومتها على ضعف حواء بداخلها وهذا هو المُتحتم عليها لتُنقذ أطفالها من هذا الوحل...
وقفت تستند على الحائط المليء بالصدوع والباهت لونه، لـ تصل لخارج المنزل كي تبحث عنهم وتُنقذ ما يمكن إنقاذه......

إلا أنها تفاجأت وهي على عتبة المنزل بدخوله كالإعصار، ووجهه البغيض يملئه الإستياء الدائم، يجُر ورائه "حمزة وحفصة" الغارقون بثيابهم الرَثه المُتسخه...

طالعتهم بألم يجثم فوق قلبها وتلاحقت الدموع من بين جفونها ...
جذبهم هذا القاسي بعنف وكأنهم ليسوا من صُلبه وألقاهم نحو "نور" التي فتحت ذراعيها لتلتقفهم بين ثنايا أحضانها عَلها تستطيع محو أي ذكرى سيئة قد حُفرت بعقولهم الصغيرة، خفق قلبها حُزنًا عندما أخذ الأطفال يتشبثون بها بقوة كما يتشبث الغريق بقشه..

_ نظرت له بأعين مُثقلة بـ أطنان من الغضب، ليبُثق كلماته القاسية بوجهها: إعملي حسابك ده هيحصل كل يوم، خليهم يتعلموا حاچه تنفعهم، أنا مش مخلفهم عشان أصرف عليهم ولا عشان يتعلموا والكلام الفاضي ده ..
كل واحد هنا يشتغل بـ لُجمته(لقمته) ...

_ ما تسمعه أشبه بسُم قاتل يتخلل لـ أذنها فـ يُصيبها بالصمم ... ما يقوله هذا الرجل لا يُمثل إلا تلوث سمعي،
فحتمًا هذا كابوس مُزعج لن ترضخ له ولن تستطيع القبول به بأي حال من الأحوال...

_ تركت صغيريها وأسرعت نحوه ساقطة على ركبتيها تحت قدميه، وأخذت تقبل يده برجاء: أنا بترجاك بلاش كدا، دول عندهم لسه ست سنين وعيالك، أنا مستعدة أشتغل ليل ونهار أخدم في البيوت إللي تحددها وأزرع في الأراضي كمان بس بالله عليك سيبهم يتعلموا ويدخلوا المدارس وأنا مُتكلفه بكل حاجه تلزمهم..

_ سحب يده بعنف، ودفعها بقدمه لترتمي على الأرض الصلبة بعنف ألامها...
ابتسم إبتسامة شيطانية وهو يُخبرها: إللي أنا عايزة هو إللي هيكون، وزي ما جولتي(قولتي) دول عيالي وأنا حر فيهم ... أجتلهم(أقتلهم) أضربهم انا حر ... أعمل فيهم ما بدي ..
وعلشان ترتاحي شوفي بعينك
قالها وهو يتوجه إلى الأطفال المنكمشين ببعضهم البعض بخوف وتوجس بعد أن جذب سوطًا بيده...
وبشهامة طفل وبراءة تقدم "حمزه" أمام توأمه "حفصه" ليحميها خلف ظهره ...
_ اعتدلت "نور" بـ وهن سُرعان ما توسعت حدقتيها برعب حينما رأت ما هو عازم عليه، وقبل أن يُلامس السوط أجسادهم كانت ترتمي على أطفالها كـ حصن منيع لئلا يُصيبهم أي أذى ..

حياة نور حيث تعيش القصص. اكتشف الآن