نوفيلا "حياة نور"
الفصل الرابع
إندثر الظلام وأطل الصباح ينظر بإستحياء من خصاص السماء، وبزغت الشمس كـ قبلة في ثُغره الباسم ..
بالقطار المؤدي إلى القاهرة، تشغل "نور" وأطفالها الغافلين بأحضانها أحد المقاعد ... بينما هي فلم يُغمض لها جفن، وعقلها يُفكر بالخطوة القادمة...
ماذا ستفعل عندما تصل إلى القاهرة؟!أرهقها التفكير ولم تصل إلى شيء، نطف لسان حالها بداخلها: سيبيها على الله يا نور، ربنا هيفرجها من عنده إن شاء الله، يارب كرمك إنت أرحم بينا ومُطلع على حالي وعارف إن حاولت كتير، حاولت أصلح إللي اتكسر واغير منه علشان أعيش حياتي وألائم أموري ومحرمش عيالي من الأب ... بس مكانش في فايدة فكان لازم أعمل كدا علشان خاطرهم ..
سامحني لو كان إللي عملته غلط بس كان في إيدي أيه ... أبويا إتخلي عني ورماني ومراته قاسيته عليا، وحتى كان بيتطردتي أما أروح أزوره...
يا حنان يا منان سهلي أموري، أملي فيك وإعتمادي عليك .._ وظل لسان حالها يبتهل ويسأل الله، إلى أن أدركت أن القطار على وشك الوقوف بـ محطة القاهرة ..
تنهدت بتعب، وأخذت توقظ أطفالها ..بعد خروجها من محطة القطار وقفت حائرة لا تدري ماذا تفعل؟! وأين ستذهب؟!
إن أوقفت سيارة أجره ... فما هو العنوان الذي سَتُمليه على السائق؟!
وتلك مرتها الأولى التي ترى بها القاهرة، ولا تفقه شيء بتلك المدينة الأجنبية بالنسبة لها ..
الحل الأمثل، هو السير على الأقدام.._ نظرت إلى حمزه وحفصه، وقالت بمرح: أيه رأيكم بقى ... دي هي القاهرة يا حبايبي ..
_ طالعت "حفصه" ما حولها بإنبهار: دي مختلفه أووي يا ماما عن البلد..
_ ردد "حمزه" متسائلًا: القاهرة دي إللي هي مصر يعني يا ماما؟!_ ابتسمت بهدوء وهي تنظر إلى عينه الزرقاء التي ورثها عنها هو وحفصه على السواء: أيوا يا حبيب ماما، القاهرة تبقى عاصمة مصر
استرسلت حديثها مقترحه عليهم: أيه رأيكم نمشي شويه ونتفرج على الأماكن بالمرة.._ أيّد الأطفال إقتراحها، وتمسكوا بكفيها جيدًا، وأخذوا يقطعون الطرقات ويشاهدون المنازل والبنايات بإنبهار وفرحة، وكانت "نور" مثلهم تمامًا...
فهذا حال من حُرم من الحرية ...........
بعد ما يُقارب النصف ساعة سيرًا على الأقدام وطأت أقدامهم حي راقي نظيف، تتراص المنازل والبنايات العصريه على حافتيه، والحدائق الخضراء التي تُزين المكان ..
ظل ثلاثتهم يشاهدون هذا بإنبهار ويضحكون ملىء أفواههم بمرح وسعادة لم يتذوقوها من قبل ..._ لكن منذ ولوجها لهذا الحي شعرت بشعور غريب يختلجُها وومضات من الحنين تمُس قلبها المُتعطش له ..طردت هذا الشعور مُتذكرة موقفها الحقيقي..
فـ إلى هُنا تم الأمر ... فماذا ستفعل بعد ..؟!