أمير قلبي
الحلقة الرابعة
#أمير_قلبي
. استيقظت بمجرد أن سمعت صوت الديك المقيم على سطح المنزل المقابل للمدرسة وارتديت ملابسي وأخذت صندوقي الثمين ووضعته بين ملابسي ، انتظرت شروق الشمس وبظهور أول ضوء خرجت من المدرسة ووجدت أمير في انتظاري أمام عربة تجرها الخيول ركبت معه وانطلقنا نحو المجهول. يبدو أن قدري دائما الترحال وألا أنتمي لمكان واحد أبدا.
كانت رحلة طويلة استغرقت اليوم كله ووصلنا للبلد المجاورة قبل غروب الشمس بقليل وكان علينا أن نصل للمدينة التي تقيم بها قريبته مما استغرق منا نحو ساعتين ، وصلنا في قمة الإرهاق لكن استقبال ليلى صاحبة المنزل لنا خفف من شدة إرهاقنا فقد كانت سيدة غاية في اللطف والرقة عرفني بها أمير فقال:
- ليلى أختي في الرضاعة وأكثر من اعتنى بي بعد وفاة والدي وزواج والدتي وسفرها
فقالت ليلى:
- لاتبالغ يا أمير لقد كنت دائما من تعتني بالجميع ، مرحبا بك يا سارة بعد العشاء ساصطحبك لغرفتك وفي الصباح سأعرفك بالأطفال
-أرجو ألا يكون وجودي سببا لإزعاجك
-بالعكس سيكون سببا لسعادتي فلدي توأمين صغيرين لارا ويارا و لا أستطيع العنايه بهما بسبب ليزا وسامي اللذين يستنزفان كل طاقتي فوجودك سيساعدني كثيرا كما أنني أحتاج لمعلمه لتعدهما تعليميا ونفسيا قبل دخول المدرسة
-أتمنى أن أكون عونا لك
-لنستغل فرصة نوم الأطفال لنتناول العشاء بهدوء
تناولنا العشاء وتبادل أمير وليلى الذكريات والحكايات نجلاء لطفي وبعد العشاء ودعنا أمير ليعود للأمير فريد في الغد ، شكرته كثيرا على كل ما فعله من أجلي. صعدت لغرفتي التي أعدتها ليلى من أجلي كانت مجاورة لغرفة البنات وتلي غرفة سامي بينما يفصلها عن غرفة ليلى وزوجها- البحار كثير الأسفار- ممر طويل يتوسطه السلم الهابط للأسفل . عرفت من ليلى أنها كانت تستغل غرفتي في غياب زوجها لتكون بالقرب من الأطفال اما الأن فستعود لغرفتها، كانت غرفة صغيرة وأثاثها بسيط مكون من سرير ودولاب ومنضدة صغيرة بجوارها كرسي، لكن أجمل ما في الغرفة نافذتها المطلة على الحديقه والطريق. لم أهتم بحجم الغرفة فقد اعتدت منذ طفولتي أن أتأقلم مع أية غرفه أقيم بها في المدرسة الداخلية، كان لغرفتي مع غرفتي الأطفال حمام خاص بنا فذهبت لأغتسل وعدت لغرفتي لأنام حتي داعبت الشمس جفوني في الصباح وأخذت عدة دقائق حتى تذكرت أين أنا وبعد عدة دقائق فتح أحدهم باب غرفتي فوجدت طفلة صغيرة بشعر بني وبشرة بيضاء وعيون عسلية وقفت مذهولة تتأملني ثم قالت:
-أين أمي؟ ومن أنت؟
-أنا سارة المعلمه الجديدة
-هل ستقيمين معنا؟
-نعم
-وأين أمي؟
-في غرفتها
-لا ليست هناك
-هل بإمكاني مساعدتك في شيء
-أريدها أن تمشط شعري وتصنع لي جدائل هل تعرفين؟
-سأحاول دعينا نجرب
مشطت لها شعرها وصنعت لها جديلتين فنظرت لنفسها في المرآة وابتسمت وقالت:
-يبدو أننا سنصبح أصدقاء
-من دواعي سروري يا ليزا
خرجت وذهبت لأغتسل وأرتدي ملابسي ونزلت لأسفل فسمعت صوت ليلى في المطبخ فدخلت وقلت:
-صباح الخير هل بإمكاني مساعدتك؟
-صباح الخير هل نمت جيدا؟
-نعم شكرا
أنا أعد الإفطار للجميع بإمكانك الإعتناء بالتوأمين حتى أنتهي ؟
-بالطبع أين هما؟
-في الأرجوحه بالخارج مع ليزا
فتحت باب المطبخ المؤدي للجزء الخلفي من الحديقة فوجدت الثلاثة في أرجوحة كبيرة من الخشب تكفي لأكثر من أربعة أشخاص، فذهبت إليهم فرحبت بي ليزا ودعتني للعب معهم ، سكت التوأمان- اللذين لم يتجاوز عمرهما العامين- عندما رأياني وظلا ساكنين نجلاء لطفي للحظات وعندما ركبت معهما وبدأت أغني أنا وليزا ابتسما، شعرت معهم أني عدت لطفولتي وأيام البراءة الجميلة وبينما نحن نغني جاء صوت من خلفنا يقول:
-استسلموا جميعا أنا الأمير وقررت القبض عليكم
التفت فوجدته سامي فرفعت يدي في حركة تمثيلية أنا وليزا ثم قلدنا التوأمين وعندها قال :
-انزلوا جميعا سوف أسجنكم في القلعة
كان ممسكا بغصن شجرة كسيف محارب فابتسمت ولكننا استسلمنا لرغبته وساعدت التوأمين على النزول وتوجه بنا نحو المطبخ فضحكت ليلى عندما رأتنا فقال لها:
-لقد أسرت هؤلاء الجنود وحققت نصر عظيم
-حسنا أيها الأمير سأكافئك بالطعام الذي تحبه
جلسنا جميعا نتناول الطعام وعرفتهم ليلى بي وذابت الحواجز بيننا سريعا وبعد الإفطار بدأت درسي الأول معهما.انسجمت سريعا مع الطفلين والتوأمين وزالت بيننا الحواجز ، كنت مع الطفلين معلمة وصديقة ونلعب معا أحيانا، أما التوأمين فكنت أنسى نفسي أمام ابتسامتهما وأغفر لهما كل الحوادث الكارثية التي يفعلاناها كالتسلل لغرفتي والعبث بأشيائي مما جعلني أغلق دولابي بالمفتاح وكذلك غرفتي. كانت ليلى إنسانة لطيفة جدا سرعان ما انسجمت معها وشعرت بالألفة، لم تعاملني على أني أعمل عندها بل عاملتني كصديقة ، لذا لم أجد حرجا في أن أساعدها في وقت فراغي في بعض أعمال المنزل أو صنع الطعام أحيانا . شعرت بالأمان والراحة في هذا البيت وأحببت الأطفال – رغم شقاوتهم الفظيعة وضجيجهم المستمر- وتعلقت بهم جميعا، كم تمنيت أن أبقى هنا للأبد، زاد إحساسي بالأمان عندما أرسلت لندى لأطمأنها علي وأرسلت لي تقول أن المدينة كلها مازالت تتحدث عني وعما فعلته، كم أتمنى أن يعود بي الزمن كي أمحو ذلك السلوك الأحمق من الزمن بل أتمنى أن يعود للوراء أكثر فأختار ألا أذهب لحفل الأمير فريد ولا أعرفه، كم كنت أتمنى أن يظل حلما جميلا على أن يتحول لواقع مرير لكني لا أستطيع أن أنكر أن أجمل ما حدث في ذلك اللقاء هو لقائي بأمير ذلك الإنسان الخلوق صاحب الإنسانية والقلب العطوف.
مر علي في بيت ليلى نحو شهر لم أسمع من أمير أي شيء سوى رسالة أرسلها لليلى ليطمئن علينا ويرسل سلامه لي، كانت الحياة هنا تسير على وتيرة واحده فليلى تذهب في يوم الجمعة للمدينة القريبة مع إحدى جاراتها في القرية لشراء إحتياجاتها وفي يوم الأحد من كل أسبوع فهذا موعد الإجتماع الأسبوعي لنساء القرية حيث يجتمعن كل أسبوع في بيت إحداهن ويتبادلن الأخبار والمرح والحكايات. كانت أحيانا تصطحب في جولة الشراء من المدينة ليزا مره وسامي مرة أخرى، أما في تجمع النساء فكانت نجلاء لطفي لا تصطحب أحدا منهم وكنت حينها أشغلهم بالكتابة والرسم وممارسة بعض الألعاب. كنا في يوم الأحد وذهبت ليلى لزيارة الجارة القريبة منا حيث كان إجتماع النساء الأسبوعي فكنت ألعب مع الأطفال كعادتنا فقرروا أن أضع رباطا حول عيني ويختبأون وعلي أن أمسك بأحدهم ، كان الأطفال حولي يضحكون ويحدثون ضجة وفجأة سكتت أصواتهم للحظات ثم صاروا يصرخون ، جريت عليهم بفزع وأنا أنزع غطاء عيني فوجدتهم ممسكون بأمير وهو يجلس على الأرض ويحتضنهم جميعا ، وقفت مبتسمة حتى انتهت مراسم الإحتفال بأمير ثم ابتسمت له وقلت:
-حمدا لله على سلامتك
-هل تشاركين الأطفال في لعبهم وصخبهم أنت أيضا؟
-نعم وأستمتع معهم كثيرا
-إذا فقد صرتم أصدقاء وأصبحت أنا غريبا؟
-لا بالعكس ولما لا تقول زاد أصدقاء الأطفال شخصا أخر، هل تريد كوبا من الشاي؟
-نعم فأنا مرهق بعد الرحلة الطويلة
دخلت لأعد له الشاي وبعض الكعكات فدخل هو والأطفال للمطبخ وأعددت لهم العصير مع الكعك وجلسنا جميعا حول المائدة في المطبخ وأخرج أمير للأطفال الهدايا التي أحضرها لهم فسعدوا بها جدا ثم أخرج لي وشاحا حريريا أبيض بزهورصغيرة متنوعة الألوان فسعدت به وشكرته كثيرا وعندئذ عادت ليلى من زيارتها ففرحت بزيارة أمير وجلست معه حول المائدة تستمع لأخباره فاستأذنت لأبدأ حصتي مع ليزا وسامي وتركنا مع أمير وليلى التوأمين. سعدت لزيارة أمير فقد كنت أشعر بالأمان في وجوده وبالراحة عند الحديث معه، كنت أشعر أنه صديق مقرب لقلبي يفهمني ويحترمني ولم تقلل حماقتي السابقة من قدري عنده بل التمس لي العذر وتفهم وضعي وقدم لي حلا لمشكلتي. بعد أن تناولنا العشاء وذهبت ليلى مع التوأمين لغرفتهما وبقيت ليزا وسامي للعب باللعب التي أحضرها لهما أمير، قال لي أمير:
-هل أنت مرتاحة في عملك وإقامتك هنا؟
-جدا
-ألم تشتاقي للمدن وصخبها؟
-بالعكس أشعر هنا بصفاء روحي فالطبيعة والهدوء وبراءة الأطفال وطيبة ليلى أشياء تلائمني أكثر من المدن وزيف الناس وكذبهم وخداعهم والأقنعة المتعددة على وجوههم.
-يبدو أنك عانيت تجربة قاسية في حياتك
-نعم بل هي أكثر التجارب قسوة في حياتي
-هل تريدين أن أشاركك فيها لعلي أستطيع مساعدتك؟
-سأحكي لك
نزلت ليلى وأنا أحكي قصتي فلم أتوقف إنما أردتها أن تعرف عني كل شيء ماعدا حكايتي مع الأمير فريد،وعندما انتهيت ضمتني ليلى لصدرها وقالت:
-التجارب المؤلمة لا يجب أن ندعها تدمرنا بل يجب أن تزدينا صلابة ، لقد انتهت الأيام الصعبة وأرجو أن تكون أيامك القادمة كلها سعيده
فقال أمير:
-لا أشعر بالإرتياح لموقف المحامي ولا زوجة أبيك هل تسمحين لي بكل أوراق أبيك وبخطابه لعلي أجد لك حلا؟
-بالطبع
-لا تظني أنك وحدك من مررت بتجارب مؤلمة بل لكن منا نصيبه في الدنيا من الألم لكن في النهاية يجب أن نرضى ونعيش.
#نجلاء_لطفي
#قصص
#حب
#حواديت
#رومانسية
أنت تقرأ
أمير قلبي بقلم نجلاء لطفي
Romansaقصة خيالية عن فتاة كانت تحلم أن تكون سندريلا الأمير لكنها فوجئت بأن الواقع يختلف عن الخيال، فالواقع أشد قسوة ، لكن تلك القسوة علمتها أن تتخلى عن الأحلام وتستمتع بما بين يديها، فهل تجد السعادة؟