روح الحـيــاء

656 35 4
                                    



جلست في أحدى حدائق الجامعة ، وأمامي دفتري الصغير الذي إعتبرته بمثابة (صحيفة أعمالي) ، ولدي فيه أكثر من عشرين ملكة سيئة تجرني اليها نفسي جرا ، وتحدو بي روحي اليها حدوا ... فتلبدت على سماء قلبي سحابة حزن كئيبة ...

يا ترى أيعقل أني الذي أنتمي لأشرف دين ، وأعظم مذهب لدي كل هذه المعاصي ؟!

أيعقل وأنا الذي أسمتني امي حسنا لدي كل هذه الملكات غير الحسنة ؟!

أيعقل أني قضيت سنوات طوال في الغفلة ، والأن لما انتبهت ...

أخرجت مسبحتي الألكترونية وكررت [ يا معــين] ثم تذكرت قول سيدي ومولاي الإمام زين العابدين السجاد (عليه السلام) :

(أنَا يا رَبِّ الَّذي لَمْ اَسْتَحْيِكَ فِى الْخَلاءِ، وَلَمْ اُراقِبْكَ فِى الْمَلاءِ، اَنَا صاحِبُ الدَّواهِي الْعُظْمى، اَنَا الَّذي عَلى سَيِّدِهِ اجْتَرى، اَنَا الَّذي عَصَيْتُ جَبّارَ السَّماءِ، اَنَا الَّذي اَعْطَيْتُ عَلى مَعاصِى الْجَليلِ الرُّشا، اَنَا الَّذي حينَ بُشِّرْتُ بِها خَرَجْتُ اِلَيْها اَسْعى، اَنَا الَّذي اَمْهَلْتَني فَما ارْعَوَيْتُ، وَسَتَرْتَ عَلَيَّ فَمَا اسْتَحْيَيْتُ، وَعَمِلْتُ بِالْمَعاصي فَتَعَدَّيْتُ، وَاَسْقَطْتَني مِنْ عَيْنِكَ فَما بالَيْتُ، فَبِحِلْمِكَ اَمْهَلْتَني وَبِسِتْرِكَ سَتَرْتَني حَتّى كَاَنَّكَ اَغْفَلْتَني، وَمِنْ عُقُوباتِ الْمَعاصي جَنَّبْتَني حَتّى كَاَنَّكَ اسْتَحْيَيْتَني)

فسالت دموعي عل خدي ، وشعرت بأنكسار شديد ، وندمت كثيرا على غفلتي ، ثم شرعت أتأمل ملكاتي السيئة وغير السيئة ( وهي التي ليست من صفات المؤمن)  وانظر الي اسهلها كما أوصاني الشيخ يقظان بأن أرتبها من السهل الى الصعب ...

نظرت مليا الى ملكاتي ، ياترى ما أسهل ملكة ... الغضب ، الكسل ، النظرة المحرمة ، الكذب ، الغيبة ، عدم العناية بالوالدين ، هجر القرآن ، كثرة النوم ، الغرور ، العُجب ، سوء الظن ، اصدقاء السوء ، كثرة القسم ....

فقلت ان اسهل ملكة هي كثرة القسم ثم هجر القرآن ثم كثرة النوم ، ثم النظرة المحرمة وهكذا صرت ارتبها شيئا فشيئا وبعد ان رتبت ثمان صفات منها

واذا بمنير يضع يده على متني من الخلف ويقول :
ـ ها السلام عليكم حسن
ـ عليكم السلام عيوني
ـ شلونكم ؟!
ـ حبيبي بخير
ـ تروح وياي ، العمادة مسوين احتفال بمناسبة المولد النبوي ولغوا المحاضرات لمدة ساعتين ومستضيفين اخد رجال الدين يلقي محاضرة وكلمة لأحدى الطالبات ... تعال تعال نروح للقاعة
ـ ماشي توكل على الله ...

دخلت الى القاعة وقد امتلئت بالطلبة ، ويجلس في المقدمة رئيس الجامعة ، وعميد الكلية ، والاساتذة مع الضيوف حيث يتوسطهم رجل دين بهي الطلعة ، جميل المحيا في لحيته سواد مشوب ببياض ...

بدأ الاحتفال بآيات من القرآن الكريم ثم كلمة رئيس الجامعة ثم قال عريف الحفل والآن مع كلمة طلبة كلية الطب تلقيها علينا الطالبة زينب ....

ـ وهنا شعرت بشيء لم يخطر على بالي استطيع ان اسميه انشداد روحي او جذبة معنوية او ما شئت فعبَّر ...

تخللت الصفوف بعبائتها الزينبية وحجابها المحتشم في طريقة مشية لم اعهد ان رأيت مثلها مع رأس مطرق الى الارض حتى اذا ارتقت المنصة القى الله عليَّ حياءً فلم اقو على النظر اليها ـ مع انها زمليتي منذ سنتين ـ وقد شعرت شعورا غريبا بأنني لو تمعنت بالنظر اليها لكنت من الغاوين ! 
لم تكن الكلمة اعتيادية فقد كانت ـ على الأقل بالنسبة لي ـ تتخلل معانيها قلبي كالشهاب وسط الظلام !

قالت : ( إننا مدعوون إلى التخلق بأخلاق صاحب الذكرى ، ومعلمنا الأول ، رسول التوحيد ، ونبي الحقيقة ، ورجل العبودية الأكمل ـ صلى الله عليه وآله ـ وإن من أعظم صفاته الأخلاقية ، ومناقبة الربانية هي انه كان كثير الحياء !

وفي هذه الأثناء بالضبط رن جرس الهاتف بوصول رسالة sms  من الشيخ يقظان مكتوب فيها [ حب الحق حياة الروح] !!!!!
يا إلهي ما هذه الصدفة العجيبة وماذا يعني الاستاذ برسالته !!!

تمالكت نفسي واستمر استماعي الى كلمتها فقالت :
( وقد ورد أنه ـ صلى الله عليه وآله ـ كان أشد حياءً من العذراء في خدرها ، وكان اذا كره شيئا عرف الصحابة من وجهه  ، وقد ورد في بعض المواضع قوله : [ استحييت من ربي ] ... )

كانت الكلمات تأسر مجامع القلوب ، وتسلب جوهر الأرواح ، يفوح شذى عطرها في أرجاء المكان ، وكأن الهيمنة التي تمتلكها هذه الفتاة تأتي من عالم آخر غير عالمنا ...

أنهت زينب كلمتها ورجعت لمكانها وقد تم استقبال الضيف بحفاوة وشرع في كلمته التي تناولت مفصلا سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في مدة شبابه
وكانت كلمة قيمة ونافعة
ثم انتهى الحفل وتفرق الجمع وخرجت وانا اعيش حالا غير حال وروحا تشعر بالتأخر في هذا السباق الملكوتي العظيم ، يا ترى اين كنت من كل هذه الأجواء ؟! وهل نفعتني سنوات التسكع والغفلة ؟! وبينما انا اشق طريقي في الممرات ، واذا بي اسمع صوت يقابلني ...

ــ السلام عليكم حسن
ـــ عليكم السلام أهلا تمارة ، شلونكم
ــ شفت الحياء النظري والعملي ؟!

ــ اي والله شفته ، ما شاء الله على زينب ، حشمة ، واخلاق ، ووقار ، وبلاغة ، وثقافة ، الله يحفظها لأهلها ، وانت ايضا ما مقصرة طيبة وواعية
ــ أشكرك ، من ذوقك

انتهى هذا اليوم الجامعي ورجعت الى البيت وانا اشعر اني بدأت حياةً جديدة بدأت ملامحها تلوح بالأفق وفي الطريق اتصلت بالحاج النداف واخبرته باشتياقي ورغبتي بلقائه فأخبرني انه ينتظرني اليوم بعد صلاة المغرب والعشاء في بيته ،

وعصرا خرجت الى الحديقة واتممت ترتيب الملكات من الأسهل الى الاصعب فلدي لقاء مهم بعد يومين مع استاذي وحبيبي الشيخ يقظان الذي أرسله الله لي في تلك الليلة المظلمة لينتشلني من الظلمات والغواية الى النور والهداية ...

وفي طريقي مررت على احد الافران لأشتري صمون حيث طلبت مني والدتي وحيث انا في الطابور انتظر دوري وقع نظري على صورة معلقة في الفرن ...
[ يحترقُ الصمونُ بالنار فيصبحُ لذيذًا ، وتحترق الروحُ بالحب فتصبح ملكوتيةً ]
انتهى ...

#رحلة_عشق
بقلم : الشيخ علي المياحي

رحلة عشق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن