حضرتُ بين يدي أستاذي بالوقت المقرر ـ قُبيل صلاة المغرب بساعة ونصف ـ وقد سبقني إلى الحضور ، وكان مشغولا بقراءة أدعية من كتاب اسمه ( إقبال الأعمال ) وكان يقرأ أدعيته بحضور ، وتوجه ، وإنقطاع ، وكانت دموعه تتساقط كحبات اللؤلؤ ...
حتى إذا أتمَّ الدعاء إلتفت الي بإبتسامة ملكوتية كأن السماء غازلت الأرض فيها ـــ يا إلهي هؤلاء الربانيون حتى عواطفهم تختلف ـــ قال :
_ السلام عليكم .
_ وعليكم السلام والرحمة شيخنا .
_ شلونكم حبيبي !
_ الحمد لله ، بنعمة وخير .
_ اسمعني جيد واعطني مجامع قلبك !
_ صار
اعتدل بجلسته وتمتم بلسانه ثم قال : ( كل ملكة سيئة ، او مرض معنوي ، او صفة ذميمة ، او معصية راسخة ، ــــ مثل اللي كتبتهن ــــ لها اربعة علاجات ، لا يمكن للمؤمن الخلاص منها الا باعطاء هذه العلاجات الاربعة للباطن ــــ مثل الطب الجسدي يكولون للمريض اخذ هذي الحباية ، والكبسولة ، والابرة ، والحمية الكذائية لمن تطيب ـــ كذلك في علاج الأرواح ، ومداواة النفوس ، لا بد من إعطاء عدة علاجات ليشفى مريض الروح وسقيم القلب ــــ واللي ما يشفى قلبه ما يأتي الله بقلب سليم ، يروح وهو مريض عليل ويشبع ندامة وتأخر هناك ـــــ وهنا على المريض ان يعمل بهذه العلاجات بدقة عالية ، ومراقبة شديدة والتزام مهني ...
وهذه العلاجات مختلفة حسب المرض ــــ شلون عدكم بالطب ــــ ولكن دعني اشرح لك حقيقة هذه العلاجات بصورة عامة ثم نختار ملكة من الملكات لنطبقها عليها فصلي على محمد وآل محمد ...
_ اللهم صل على محمد وآل محمد .
قال :
العلاج الأول : العلاج العلمي
معرفة المرض المعنوي وما قيل فيه وآثاره أول شيء في مجاهدته ــــ شايف بالطب لمن يرسلون المريض للاشعة ، او السونار ، او الدوبلر، او الناظور ، او المفراس او ما شابه ــــ الغرض يعرفون شنو المرض ـــ كذلك في عالم المعنويات ومراتب المجاهدة .
فينبغي على المؤمن أن يقرأ مفصلا عن الامراض التي تجثم على صدره ، فيبدأ بالقرآن الكريم فيقرأ الآيات الشريفة التي تتحدث عن المعصية ـــ كالربا والغيبة وقطيعة الرحم والرياء وغيرها ــ ويذهب الى تفسير هذه الآيات ويقرأ معانيها ليعرف تبيانها فيطالع تفسير البرهان والتبيان والميزان ومجمع البيان والأمثل وغيرها من التفاسير المعتبرة لدينا .
ثم يذهب الى أحاديث معلمنا الأول ومنقذنا العظيم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) وروايات ائمتنا المعصومين (عليهم السلام) فيطالع عن كثب وبدقة وتمعن كلماتهم حول هذه الملكة السيئة وماذا قالوا فيها وما علاجاتهم لها فيطالع كتاب بحار الأنوار والكافي ونهج البلاغة و مصباح الشريعة وباب جهاد النفس في كتاب الوسائل والشافي وميزان الحكمة وغيرها .
ثم بعد ذلك يذهب الى كتب السلف الصالح من علمائنا الربانيين ، وصلحائنا المحققين بحقائق الايمان فيقرأ ما كتبوا حول هذه الذنوب ، والملكات السيئة ثم يختم بأقوال المحدثين من علماء الأخلاق والتربية والسلوك ولعل أفضل كتب في هذا المجال المحجة البيضاء للفيض الكاشاني وتهذيب الاخلاق لابن مسكويه و نور الحقيقة للشيخ عز الدين العاملي (والد الشيخ البهائي) وجامع السعادات للمولى النراقي وتهذيب والذنوب الكبيرة والقلب السليم للشهيد دستغيب ومرآة الكمال للشيخ المامقاني ومكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي والاربعون حديثا للسيد الخميني وفقه الأخلاق للشهيد الصدر والاخلاق في القرآن للشيخ الشيرازي وأخلاق أهل البيت (عليهم السلام) للسيد مهدي الصدر وخمسون درسا في الاخلاق للشيخ القمي وغيرها .
وهنا ستصبح لديه رؤية متكاملة حول المرض المعنوي الذي يعني منه ، فيعرف حقيقته ، و آثاره ، وأسبابه ، ودواعيه ، وجذوره وغير ذلك من الحقائق المتعلقة به .
وهنا لا بد من ملاحظة مهمة : إياك إياك أن تعمل ببعض الأذكار الموجودة ببعض الكتب فالذكر كالدواء لا يُعطى الا بأحوال خاصة الا الاذكار العامة كالتهليل والاستغفار والصلاة على محمد وآل محمد ، بمعنى خذ كفايتك النظرية المتعلقة بهذا الذنب او تلك الملكة من الكتب المذكورة أعلاه ...
ان هذه الكتب الجليلة ...
وهنا رن هاتف الشيخ ...
ـــــ السلام عليكم ...
ـــــ عليكم السلام شيخي الحكلي بنتي (زينب) اندعمت !
الحكلي راح تموت !!!
بويه شيخ يقظان الحكلي ....
ـــــ الو ابو رقية وين انت ؟!
ــــ بمستشفى ابن البلدي ، بمدينة الصدر ....
شيخنا دعاءك !!!
قام الشيخ وقال : نروح للمستشفى ...
قلت له : شكو شيخ ؟!
كلي : حسن ، ابو رقية احد اصدقائنا بنته سوت ضاربتها سيارة ، لازم نروح
ــــ من دون شعور مني : زينب ؟!!! بنت الاخ اللي التقينا بيه قبل ايام ؟!! زينب زينب !!!
شيخ هاي طالبة وياي بنفس الكلية والقسم والمرحلة ....
اسرعت وهو معي وطلبت منه ان نذهب بسيارتي ، فوافقني وذهبنا وانا احاول ان اسرع وهو بكامل الطمأنينة ويقرأ ذكرا ويردده بهدوء ( نادِ عليا مظهر العجائب ، تجده عونا لك في النوائب ، كل هم وغم سينجلي ، بولايتك يا علي يا علي يا علي ) ومع اني في تمام الاضطراب كان بمنتهى السكون .
ـــ قال لي بابتسامة : شو انخبصت شبيك ؟!
ـــ كتله شيخنا : هاي زميلتي وياي بالدراسة واني اعرفها قبل لا اعرف ابوها .
تخطينا بعض مناطق بغداد من الكرادة الى مدينة الصدر فاذن الاذان ...
قال لي : شوف مسجد نصلي !!
ـــــ هااااااااا ، شيخنا عدنه حادث خلي نوصل للمستشفى ونصلي !
ـــ كلي : بابا الما يصلي صلاته بوقتها مريض ، تريد ندخل للمستشفى مرضى ؟ !
ـــ قلت بقلبي : هنيالك على كلبك !
اضطررت ان اقف في منطقة البلديات فصلينا في احد مساجدها ، ثم توجهنا الى مدينة الصدر ، سألت عن المستشفى فقالوا قطاع 67
ــــ وصلنا الى المستشفى ـــ وانا اعيش حالة من الاضطراب لم اعهدها من قبل ـــ رأينا اباها واخوتها وتبين ان صاحب سيارة قد ضربها بلا قصد وهي ماشية ويبدو ان في يدها كسور او رضوض ...
خرج الينا الدكتور وقال الامر غير مخيف وتحتاج الى تجبيس اليد ، وهنا تدخلت بسرعة وعجلة .
ــــ لازم ننقلها لمستشفى آخر ، خلي ناخذها للكرادة ، ارجوكم خوش مستشفيات هناك ، قبل لا يصبون يدها !
ـــ قال الشيخ يقظان لأبيها : ناخذها لمستشفى الراهبات في الكرادة !
ــ الراي رايك بويه
ـــ وحيث انهم لا يملكون سيارة فقد اصعدوها بسيارتي والشيخ يقظان بالصدر وابوها معها وانطلقنا الى المستشفى ....
يتبع ...
#رحلة_عشق
للشيخ علي المياحي
أنت تقرأ
رحلة عشق
روحانياتكان نائما في مستنقع من الذنوب والخطايا ، غافلاً عن الله عزو جل لدرجة بائسة ، فهو بعيد حتى عن الواجبات ومقترف للسيئات بشراهة ، ومع كل ذلك تداركته عناية الحق تعالى ...
