الفَصلُ الرَّابِع: أَبي؟

173 19 60
                                    

بَدرٌ تَلألَأ وَسطَ الدُّجَى بِنورِه المَسرُوق وَأبَت السُّحب إِلا اِحتضَانه، وَنجومٌ اِنطَفأَ بَريقهَا وَلم يَعد بِالإمكَان رُؤيتَه. فِي مثلِ هَذا الوَقت أَنهَى نَاويَا عَملهُ، لِيزيدَ مِن وَتيرةِ سُرعةِ خُطواتِه عَن المُعتَاد تَاركًا سَماوِي الشَّعرِ وَراءَه يَبتسمُ اِبتسامةً جَانِبيةً عَلى تَغيرِه الذِي حَدثَ فِي يَومَين فَقط، لَم يَكُن هَذا التَّغير فِي التَّصرفَات لِأنَ نَاويَا شَخصٌ لَطيفٌ وَطيبٌ فِي أعمَاقهِ لَكنه يُظهرُ العَكس، بَل تَجلَى هَذا التَّغير فِي مَشاعرِه التِي بَاتَت وَاضحةً لِلعيَان؛ فَمتَى آخرُ مرةٍ رَآه يَبتَسم؟ بَل مَن كَان يَعتقدُ أَن شخصًا مِثلهُ يُبعدُ نَفسهُ عَن الجَميع سَيأخدُ خُطوةً جَريئةً بِتربيةِ طِفل؟

التَّفكيرُ فِي أَن نَاويَا أَبٌ مُضحكٌ جِدًا؛ مُتأكِدٌ أَنه لَا يُجيدُ التَّعامُلَ مَع الأَطفَال، وَمع ذَلكَ سَيحاوِل التَّعلم مِن أَجلِ أَن يَشعرَ الطِّفل بِأنهمَا عَائلَة، فَإن كَان هُناكَ شَيءٌ يُفضلهُ فِي نَاويَا هُو إِيفاؤهُ بِوعودِه وَإن لَم يُحبب ذَلكَ الشَّيء.

«لَحظَة!» صَاحَ سَماوي الشَّعرِ بِصوتٍ عَالٍ لِيصلَ إِلى مَسامِع نَاويَا الذِي تَخطاهُ بِمسافةٍ بَعيدة، ثُمَ أَعقبَ مُضيفًا حَالمَا جَذبَ اِنتبَاهَه مُشيرًا لِأحدِ المَتاجِر: «سَأشترِي هَديةً لِاِبنِي اللطَيف، اِنتظِرنِي!»

«وَلمَ عَلي فِعل ذَلك؟» صَاحَ نَاويَا بِامتعَاضٍ إِلا أَن الآخَر لَم يُلقِ بَالًا لِكلامِه فَقد وَلجَ المَتجَر بِالفعل لِيزفرَ بِتعبٍ مُتكئًا عَلى أَحد الأَعمِدة بِنفاذِ صَبرٍ وَقد بَدا ذَلكَ جَليًا فِي حَركةِ سَاقه المُستمِرة.

بَعد بُرهةٍ، خَرجَ عُشبيُ العَينين مِن المَتجرِ مُحملًا بِكيسٍ أَحمر اللَون وَعينَاهُ عَن نَاويَا تَبحثَان حَتى اِستقَرتَا عَلى أَحد أَعمدةِ الإِنارةِ البَعيدةِ عَنه عَشر خُطوات، اِتجهَ ناحيتهُ قَائلًا بِاِستهزَاء مُصطنَع :«إِذًا لَقد اِنتظَرتنِي بَعد كُل شَيء.»

«اِخرَس وَحرك قَدميكَ أَسرع.» بَصق المُخاطَب كَلماتُه بِغيظ مُكملًا مَسيرَه، فَيرد عَليه الآخَر بِتمَلمُلٍ مُتخدًا وَضعيةَ الجُنود: «حَاضر أَيهَا القَائد.»

قَلب نَاويَا عَينيهِ بِمَلل، فَهذَا الشَّخصُ سَيفقدُه صَوابهُ بِتفاهَتهِ وَتصرفَاتِه الطُّفولِية، هِيكَارُو طِفلٌ إِلا أَنه أَنضجُ مِنه. تَذكرهُ لِهيكَارُو الذِي قَد يَكُون يبكِي الآن جَراءَ تَأخرهُ جعلَه يُهرول فِي مِشيتهِ وَقد كَان الأَمرُ أَقربَ للرَّكض.

اِبتسَم الآخَر بِخفةٍ عَلى تَصرفهِ ثُمَ قَال بِاِبتسامةٍ لَعوبةٍ عَقبَ مُجاراتِه فِي السُّرعَة: «نِيه نَاويَا، هَل تَعلمُ أَني أُحبك؟»

نُورٌ وَسط الظَّلام -مُتوقفَةٌ مُؤقَتا-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن