الفصل السادس عشر ج٢

247 19 6
                                    

ظلت تحدق في عيسى بجمود دون أن تهتز بها شعرة، وللعجب لم تشعر بالضيق منه كأنها تثق أن ذلك الشخص ليس سيئًا..
لم يثير فيها حالة النفور التي تصيبها تجاه أغلب الرجال..
لا تدري السبب حقًا.. ولكنها تخمن أن ملامحه الشبيهة بملامح والده تزرع فيها طمأنينة افتقدتها مع فقدانها لصورة والدها المثالية في نظرها..
تنفض تلك الأفكار من رأسها وتهتف محتدة وهي تهم بالرحيل:
- لا أتعرف إلى الغرباء.. 
يسد عليها الطريق مرة أخرى فتنظر له بغضب وتهمس مغتاظة:
- أبتعد عن طريقي وإلا أخبرت خطيبي عنك!!
- أنتِ مخطوبة!!
يرددها مذهولًا، شعر كأن دلوًا من الماء المثلج سقط على رأسه، رفعت له يدها تبرز دبلته فتنحنح بحرج مرة أخرى وهو يفرك جانب وجهه قائلًا بخفوت:
- أنا أسف.. لم أقصد أي إساءة.. رجاءً لا تغضبي مني..
- من فضلك.. أرحل.. لا أحبذ أن يرانا أحد..
أومأ لها متفهمًا وابتعد عن طريقها ببطء، تخطته بسرعة لتباشر عملها فأوقفها قائلًا:
- أنا أعمل في فندق "....." إذا احتجتِ أي شيء يومًا لا ترددي في اللجوء إلي..
تجمدت في مكانها للحظات ثم التفتت له تناظره عاقدة حاجبيها بعدم فهم.. ابتسم لها بود وغير مساره مغادرًا المطعم وهو يرفع الهاتف يحدث أحدهم بصوت مرتفع:
- لنلتقي مكان آخر..
ظلت للحظات تحدق في أثره شاردة في حديثه الذي لم تفهم منه شيء..
انتبه مديرها لشرودها فنبهها لتعود إلى عملها..
أكملت اليوم بذهن شارد، جاهدت ألّا ترتكب أخطاء حتى لا تتسبب في فصلها من العمل..
الصداع نال منها حتى باتت لا ترى جسدًا من ضغطه على عينيها..
لعنت عيسى واليوم الذي رأته فيه، مخبول آخر يُلقي جملتين مبهمين ويرحل!!!
من يظنها.. حمقاء لتصدق حديثه السخيف هذا..
وإذا أصابها شيء هل ستركض إليه تطلب منه الحماية!!! هذا ما كان ينقصها..
مختل يهزي ب"كلام فارغ"..
انتهى وقت دوامها وكان الإرهاق قد نال منها بشكل مبالغ فيه على غير العادة..
وصلت للبيت والقت بجسدها على الفراش بدون أن تبدل ملابسها..
تحدق في السقف دون تعبير واضح، وجهها ازداد ذبولًا اليوم..
مرت دقائق وهي على حالها حتى أجفلها رنين الهاتف..
اعتدلت وهي تخرجه من جيب سروالها..
تبسمت عندها رأت اسم عُدي..
أجابت تهتف حانقة:
- الآن فقط تذكرتني؟
- أسف.. انشغلت مع صديقي وعندما عُدت إلى البيت وجدت أبي قد عاد..
يرد عليها بخفوت فتعقد حاجبيها بتعجب قائلة:
- أنت بخير؟
يجيب بنبرة هادئة:
- نعم.. فقد اشتقت إليكِ
ابتسمت بخجل قائلة:
- أنا أيضًا، سأرك غدًا؟
- نعم.. سأمر عليكِ لنرى الشقة التي أخبرتك عنها، وفي نهاية الأسبوع ستقضين اليوم معنا.. أبي يريد رؤيتك..

كان قد عرض عليها أن يستأجر لها شقة خاصة بدلًا من الغرفة التي تسكنها لكنها رفضت رفضًا قاطعًا فأقنعته فيما بعد أن يبحث لها عن شقة صغيرة في أي مكان بسيط يمكنها أن تدفع إيجارها من راتبها الخاص دون تدخل منه فوافق على مضض مفكرًا أن هذا أفضل لها على اي حال..
استمرت في الحديث لأكثر من ساعة حتى غفت دون أن تشعر بملابسها..
...
في الصباح..

خلف قناع العادات، كاملة (مستوحاه من احداث حقيقية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن