الجُزء الأوَل

2.7K 82 48
                                    

كانت تُمطِر بغزارةٍ شديدة

كُل ما يُنسَج في ذِهني هو سقوط المَطر

حبةٌ بعدَ حَبة

الجميعُ نائِمون بكُلِ سَلام مع المَطر، يستعدون لصنعِ أيامٍ جَديدة أفضل ليُمحى المَاضي، لا يأبهون بالأمس كما لو أنه مجردُ ذِكرى سيئة

كنتُ أَكتب بإمتعاض شَديد، كُل الحروف تخرجُ لذاتِ السَبيل حتى باتت العِبارات مُتشابهة لَدي

شعرتُ أني كنتُ الوَحيد بينهُم مَن يُقاتِل الأمِس، كما لو أشنُ هجومًا ضِد ظِلي، وَحدي قابعٌ في ذات الماضي بِشكلٍ بائِس والجميع أمامي يتقدمون

كنتُ في كثيرٍ مِن محطات حَياتي أود التقدم، رُبما بِضع خطوات صَغيرة تُعيدني إلى رُشدي، لكني واصلتُ لويَ ذِراعي بعد أن فقدتُ سَاقي ولِساني

أستمِع لأصواتِهم كُل يوم، ذات النَبرة، ذات السُخرية، حتى بِاتَت تصِلُني دونَ فتح أفواهِهم

عالقٌ بينَ جدران الغُرفة، لا أرى ضوءًا مُشِعًا، وتُطمس هويتي مع كُلِ ليلٍ أمضيه هُنا وحيدًا

الشِتاء، آهٍ مِنهُ الشِتاء، وحدهُ يَسحقني، يدفعني للخروج مِن حُجري والبُكاء على قَبري، وحدهُ يعلمُ ما يملأُني فغيرهُ مِن العالمين جاهلون، مِثلي

بكيتُ كَثيرًا، رُبما أمضيتُ معظم لحظات حياتي بالبكَاء، خِفتُ أن يجِف الدمع يومًا وتبقى الكلِمات عالقةً في حُنجرتي، خِفتُ وباتَ الأمر أكبر مخاوفي

ألتفتُ يومًا ورأيتُ هيئتي في المرآة بعد بكاءٍ طويل أمضيتهُ معَ ليلٍ خالٍ مِن النجوم، انطفئ لون عَيني بل باتَ متآكِلًا شاحبًا، لستُ مرتعِبًا مِن فقداني لقُدرتي على الإخضرار مجددًا بل كُل ما فكرتُ فيهِ حَينها هو حالُك، أمِثلي تُمضي الدقائق دهرًا؟

الحُرية، السَلام والاستقلِال.. كُلها كلِمات نسير لنيلها في خطانا، لكننا لا ننالها حينها بل نجعلُ مِن الأكاذيب تَنطلي علينا، وحينَ نُدرك الأمر نَبكي، رُبما الجلدُ يبكي أيضًا ويصير أبيضًا كالشَعر

أود تَقيء قلبي كثيرًا

أود ذلِك بِشدة

"إنه وَقت الذهاب"

إحدى كوابيسي تحققَت الآن بينما أراقِبُ الحائط، ألومهُ تارةً وأشتمهُ تارةً أخرى إلا أنه الوحيد الذي أصغى إلي وكَلمني، لا أرغب برؤيتكَ بل أخافُ مِن فكرة أن تتلاقى أعينُنا فَقط، أتدركُ حجمَ الرهبة؟

ليلكُ الشِتاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن