عندما لم يجدها تنام إلى جواره نهض يبحث عنها ، كانت تضع الطعام فوق المائدة وهي تتحدث إلى نفسها بصوت هامس لم يكد يتبين فحواه.
أخذ يقلب كفيه: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنتي اتجننتي يا سمية ؟، بتكلمي نفسك ع الصبح كدا ليه ؟
ضغطت على أسنانها: وهو أنا طول ما ورايا ابنك وبنتك دول هارتاح أبداً، ما أنا لازم أتجنن.
أمسك كفها وأجلسها على الأريكة جالساً بجوارها: إيه اللي حصل ؟
تنهدت: صحيت لاقيت حمزه مش ف أوضته ولا البيت كله ومي مي نايمة على سريره .. اتصلت بنجلاء مش بترد وقلقانه عليها
-نفسي أعرف إنتي غاويه تقلقي نفسك ليه ؟، إحنا جوزناها عشان نقلق عليها أكتر م الأول ؟
- أنت ما كنتش شايف حالتها إمبارح كانت إزاي؟
- أيوه، بس مش يمكن تكون كلمت جوزها وعرف يهديها والموضوع اتقفل؟، هي بتكلمك عشان تفضفض عن اللي جواها لكن مادام المشكلة اتحلت تكلمك ليه؟
- عشان تطمني ع الأقل.
- يمكن نايمة، ما إنتي عارفاها بتنام لحد الضهر ويادوب الساعة لسه 7
- معاك حق، طب والبيه التاني ؟
-ما هو قالك إنه هيسافر بدري.
-كدا حتى من غير فطار ؟
- هو أصلاً واكل متأخر، لو جاع هيجيب حاجه ياكلها ابنك عنده 30 سنة يعني مش عيل صغير.
-مالحقتش أشبع منه.
- شغله وظروفه كدا، إدعيله إنتي بس.
- هو بس لو يلاقي بنت حلال كدا وتدخل قلبه أكيد هيرجع يستقر تاني بدل ما هو كل يومين ف بلد شكل كدا
- إن شاء الله هيلاقيها، بس لما يجي الأوان المناسب.
ثم أضاف مازحاً: وبعدين مش كفايه عليكي أنا ومي مي ؟ .. دا أنا هاموت من الجوع، يلا بقى كملي الفطار بقى عشان هفتـــــــان .
- ههههههههههههه طب اقرأ الجورنان عقبال ما أخلص.
***
اجتمعت العائلة حول مائدة الإفطار ولكنها لم تكن مائدة السفرة بل "طبلية" الطاولة المعتادة في الريف والصعيد، توجد أثنتان ملتصقتان منها حتى تستوعبهم جميعاً.
تنهد أنس بملل: أنا نفسي أفهم أنت ليه يا بابا بتحب تقعد ع الطبلية مالها تربيزة السفرة يعني؟، ع الأقل نبقى قاعدين مرتاحين بدل ما إحنا مزنقين ف بعض كدا
فاروق: يا ابني مافيش أحلى م اللمه دي، أيام ما كنت عايش ف القاهرة عرفت قيمة الطبلية ولمت العيله دي وأنت مسيرك تحسها ف يوم من الأيام.
محمود: معلش يا بابا سيبك منه دا عيل وما يفهمش حاجه، ربنا يهديه.
أنس بغضب: مين دا اللي عيل يا سي محمود ؟
وضعت حياه قطعة جزر في فمه قائلة بنبرة تحذيرية: أنت تخرس خالص.
نظر أنس في الطعام الذي أمامه صامتاً، تسأل فاروق: أومال فين عيشه يا محمود ؟
محمود: تلاقيها مع الولاد، صحيوا من تلاته الفجر وما ناموش لحد دلوقتي.
فاروق: ربنا يكون في عونها حاكم العيال مش سهلة فما بالك بقى بتوأم.
حياه ضاحكة: ومش أي توأم يا بابا، دول محمد ومصطفى، يعني الشقاوة كلها
أقبلت عليهم عائشة متخذة مكانها إلى جوار زوجها: صباح الخير.
ردد الجميع: صباح النور.
ثم أضاف فاروق: ناموا ولا لسه ؟
تنهدت بتعب: أخيراً يا بابا، دول طلعوا عيني واحد ينام التاني يصحى لحد لما بجاش فيا حيل وهأموت من النُعاس.
فاروق لائماً: ما إنتي اللي مش راضية تخلي حد ياخد باله منهم معاكي، يعني معاكي بنتين ف البيت ومش مخلياهم يساعدوكي.
عائشة: أنا باحب أخد بالي من ولادي بنفسي، كنت فاكرة الموضوع هيبجى سهل بس شكلي إكده هأرچع ف كلامي ههههههه.
محمود مقهقهاً: ما كان م الأول، لازم تعذبي نفسك يعني ؟
عائشة وهي تحاول فتح عينيها بصعوبة: بقالي كام يوم مش بأنام إلا ساعتين بس لحد ما خلاااص حاسه أنه هيچرالي حاچه.
أسرعت حياه: بعد الشر عليكي يا عيوشه، بصي سلمى هتجيلي إنهارده هأخليها تاخد واحد وأنا أخد واحد ونريحك منهم شوية، وإنتي روحي ناميلك كام ساعة، إيه رأيك ؟
عائشة بفرحة: حبيبتي يا حياه، ربنا يخليكي ليا .
زهرة: إيه وأنا ماليش ف الحب جانب ولا إيه ؟
محمود بحب: دا إنتي الحب كله، دا كفايه إنك شايله البيت على كتافك.
نزع عصام نظارته الطبية وهو يدعي محو دمعة خيالية: ترى اتأثرت لحظة أبكي.
وكزته زهرة في ذراعه: أنا اللي هأخليك تبكي بجد.
عصام مقهقهاً: خلاص خلاص حرمت يا سيادة الريس.
حياه: ألا صحيح يا عصام ... هو أخبار خديجة إيه ؟
تنهد بقوة وظهر الحزن على ملامحه: ربنا يستر ... مضايقه مني.
فاروق بقلق: خير يا ابني ؟
عصام الدين: أبداً يا حاج، عشان موضوع السفر ودراستي بره.
محمود: هانت كلها كام شهر وترجعلنا بالسلامة وماعدتش متعتع من هنا تاني.
زهرة: ما تقلقش يا عصام، أنا هابقى أروح أزورها وأتكلم معها، ما تشلش أنت هم.
قبل عصام يد أخته: ربنا يخليكي ليا يا أحلى أخت في الدنيا
قطع تلك اللحظات العاطفية الحديث الذي دار بين حياه وأنس.
أنس: سيبيها
حياه مخرجة لسانها: لا مش هأسيبها .. سيبها أنت.
أنس بعند: لا هتسبيها
فاروق متعجباً: في إيه منك ليها ؟
حياه بنبرة طفولية وهي مقطبة الجبين: مش عايز يسيبلي أخر بططساية ف الطبق يا بابا !
أنس: ما إنتي اللي خلصتي البطاطس كلها أصلاً، مستكترة عليا بططسايه
حياه باستفزاز: ما هو كان قدامك حد كان قالك ما تاكلش، أما عجيبة
أنس: هو إنتي حد يقدر عليكي ف الأكل، دا إحنا قربنا نعيش في مجاعة بسببك
حياه: سيب البططساية يا أنس أحسنلك
ثم أضافت ببطء وهي تغمزه بعينيها: ولا أقوووول وأنت عارف هيحصل إيه لو قولت
خشى أنس أن تفضح سره أمام والده وأشقاءه فسحب يده في خوف، تناولتها حياه أخيراً وبدأت تأكلها باستمتاع حقيقي وكأنها أجمل قطعة بطاطس في العالم، مستلذة بإغاظته أكثر من طعمها.
تسأل عصام مستغرباً انسحاب أنس بتلك الطريقة: هو إيه اللي أنس خايف تقوليه ؟
توتر أنس بشدة ولكن حياه غمزته قائلة بلا مباله: أبداً، أصل قبل كدا أخدت منه أخر تفاحة بردو ... بس بطريقتي الخاصة، وهو ما كانش عايز حد يعرف
ضحك الجميع على سلوكهما الطفولي، حياه في الثالثة والعشرين من العمر ومع ذلك تتصرف كطفلة في عقدها الثالث فقط، ومع ذلك تبقى هي قطعة من قلب كل واحد منهم.
ظلوا يتناوشون سوياً، يضحكون ملئ أفواههم والفرحة تعشش فوقهم.
ابتسم فاروق بسعادة فهذه هي عائلته التي سعى هو وزوجته -رحمها الله- إلى تأسيسها وجعلها يداً واحدة لا تفترق، نقل نظره بينهم في فخر، لقد أحسن تربيتهم وزرع في قلوبهم الأخلاق الحميدة، كان الدعاء الوحيد الذي يصر عليه في كل الأوقات وأثناء صلاته أن يبعد عنهم الشيطان ويظلوا متحدين دوماً.
***
استيقظت حوالي الساعة الحادية عشر والربع، تحسست النصف الأخر من السرير الذي يحتله زوجها لكنها لم تجده كما أن المكان بارد يدل على نهوضه منذ زمن.
تمطأت بشدة وهي تنهض من السرير بكسل، اتجهت إلى طاولة التزينة وجلست أمامها تعيد ترتيب شعرها، لاحظت تورم بسيط في شفتيها مما جعلها تتذكر ما حدث بينها وبين زوجها الليلة الماضية.
ابتسمت بسعادة، ففادي هو حب عمرها ولكن في الفترة الأخيرة بدأت تشك في تصرفاته نتيجة ما اكتشفاه منذ عدة شهور، بعد زواج لم يدم أكثر من ثلاث سنوات لم يرزقهما الله خلالهم بأطفال؛ اتجهت نجلاء إلى الأطباء لتكتشف أنه ليس باستطاعتها الإنجاب ... على الأقل خلال الفترة الحالية.
تذكرت رد فعل فادي وقتها، لقد ضمها قائلاً أنه لا يهتم ما دامت هي معه، عرضت عليه تطليقها والزواج بأخرى فنهرها قائلاً ماذا يفعل بطفل لا يحمل دماءها.
رغم وقوفه بجانبها وصبره على عقمها، إلا أنها بدأت في تناول بعض العقاقير التي وصفها الطبيب، وكان الشك يأخذ منها مأخذه، تحبه لدرجه جنونية لا تتخيل معها أن يكون لغيرها حتى عندما عرضت عليه الزواج بأخرى كان تدعو داخلها أن يرفض بشدة فمهما كان هو حب عمرها، قد يكون تصرفها فيه أنانية ولكن الحب في نظرها لا يخلو منها.
استيقظت من عالم ذكرياتها على رنين هاتف المنزل، ركضت مسرعة علّه يكون حبيب قلبها، لكن لم تستطع إخفاء الخيبة في صوتها عندما سمعت صوت والدتها القلق.
-آلو .. يا نجلاء
-أيوه يا ماما
-فينك يا بنتي قلقتيني عليكي، مش بتردي على موبايلك ليه ؟
-معلش يا ماما كنت نايمه ولسه صاحيه دلوقتي
- طب طمنيني، حصل إيه مع جوزك؟
-الحمدلله يا ماما ، كله تمام
- الحمدلله طمنتيني .. طب مش ناوية تيجي ؟
- مش عارفه .. هاشوف ظروفي كدا وأقولك
- ماشي يا حبيبتي، خلي بالك من نفسك
أغلقت الخط مع والدتها واتجهت إلى المطبخ تعد كوباً من الكابتشينو الذي تعشقه، ثم عادت به أمام طاولة الزينة تتفحص ملامح وجهها.
إنها ذات بشرة بيضاء كالحليب الصافي، عيونها زرقاء كزرقة السماء في صباح يوم رائق أما شعرها فكان يميل إلى الإشقرار مع حفاظه على درجة من البني الفاتح، كان اهتمامها الأكبر منصباً على رأسها فهي لا تحب النظر إلى جسدها لأنه ممتلئ بعض الشئ مما يجعلها تشعر بالخجل منه.
وقفت أمام المرأة تتأمل شكلها في ثوب النوم وكيف يبدو جسدها، كانت تبدو به فاتنة لكنها لم تعترف بذلك بل تنهدت بحزن وفتحت خزانتها.
استعدت للخروج وارتدت حجابها الأنيق وملابسها المحتشمة ثم تناولت مفاتيحها وهاتفتها ووضعتهم في حقيبة تحمل نفس لون ملابسها، وانطلقت في طريقها خارج المنزل.
***
سار على أطراف أصابعه متلفتاً حوله في قلق، تطلع على الدرج ولم يجد أحداً فبدأ يتسحب رويداً رويداً يحاول ألا يصدر صوتاً يلفت إليه الانتباه.
فجأه شعر بيد توضع على كتفه والصوت الذي كان يحاول الهرب من سماعه يسأله: على فين ؟
التفت إليه بتوتر: أبداً كنت بأتمشى
حياه بسخرية: بتتمشى وأنت بتستخبى ورا الكراسي والستاير ؟ وعلى طراطيف صوابعك ؟
سعل قليلاً حتى يجعل كلماته تخرج من جوفه واضحة: دي طريقة جديدة
- إممممم قولتلي .. طب يا أبو طريقة جديدة في كلام بينا لازم يخلص، قدامي على أوضتك
أشارت له حتى يسير أمامها فإنصاع مجبراً ... جلسا متجاورين وحياه تنظر إليه بينما ينظر هو أرضاً.
بدأت تنهال عليه باسألتها مستقصية عن معلوماته التي يملكها عن تلك السيدة الأربعينية، أخبرها أنها مطلقة ولديها طفلان أحدهما في سنه والأخر في بداية الثانوية.
-يعني عمرها يخليها تنفع تبقى مامتك، أنت إيه اللي خلاك تعمل ف نفسك كدا ؟ أنت فاكر أنك كدا بتحبها ؟
-أومال إيه ؟
- أنس يا حبيبي، أنت أصغر واحد فينا وأقل واحد أتمتع بحنان ماما –الله يرحمها-، ماما ماتت وأنت عندك ست سنين، أنت ما حبتهاش الحب بتاع واحد وحبيبته لا أنت حبيتها حب الابن ومامته بس عشان سنك صغير فمش قادر تفرق بين الإتنين.
-طب لو زي ما إنتي بتقولي كدا دي مشاعري طب وهي ؟
-هي ولادها معاها ولا مع طليقها ؟
-لا معاه لكن بيزوروها كل فترة
- أديك قولتها بنفسك، هي كمان ولادها مش معاها ومش عارفه تديهم الحنان دا لكن أنت موجود فبتديهولك أنت
-مش عارف بقى
صفعته على وجهه مازحة: ما تلويش بوزك دا ف وشي
-ما أنا مش عارف أعمل إيه دلوقتي
- اللي تعمله إنك تبعد عنها، لإنك طول ما أنت موجود هتبعد عن ولادها لإنها لاقت اللي يكون محتاج لحنانها وحبها فمش هتدور على ولادها اللي أكيد هي حاسه إنهم مش محتاجينها، خليها تدور عليهم بدل ما تحس بعد كدا بالذنب إنها بعدت عنهم وتشيل نفسك الذنب دا.
أكملت: وأنت ركز في دراستك عشان تدخل ثانوية عامة زي ما أنت عايز ومنها على كلية هندسة زي ما مخطط، بلاش التعارف بتاع النت دا يا أنس، الله أعلم الناس اللي فيه بيبقوا إزاي وغرضهم إيه
-ماشي يا ست حايويه
-إيه حايويه دي ؟
- دلعك، ما إنتي اسمك مالوش دلع بقى، والجيش قالك اتصرف!
نظرت له بمكر: بقى الجيش قالك اتصرف ها ؟
رأى بريق عينيها ففهم مقصدها، بدأ بالركض في جميع أنحاء المنزل وهي تلاحقه، خرجت زهرة تصرخ بكليهما.
- بس بس إيه الدوشه دي ؟؟، دلوقتي محمد ومصطفى يصحوا وهيبقى يوم مش فايت
توقف أنس عن الركض، ضرب رأسه بكفه: أوبس، تصدقي نسيت لا أنا مصدع لوحدي مش ناقص
حياه بصوت هامس: معلش يا زيزا العتب ع الذاكرة بقى
أنس مداعباً: بقى بتعيبي على حايوية وبتقولي زيزا ! .. ربنا يشفي
- ماله زيزا يعني ؟؟؟، اسم الله على اسمك اللي مقطع الدلع ياخويا
زهرة: بس منك ليها، أنتوا ناقر ونقير على طول كدا ؟
ثم التفتت إلى حياه: أنا هاروح أشوف خديجة وأجي، وإنتي خلي بالك من محمد ومصطفى هما نايمين بس خلي عينيك عليهم عشان عيشه بتريح شويه
حياه: ما تخافيش، سلمى زمانها جايه وهنقعد معاهم لو صحيوا ما تخافيش
استدارت زهرة إلى أنس: وأنت يا أنس روح ذاكر بقى وسيبك من اللعب دا، أنت ناسي إنك إعدادية ولو ما جابتش مجموع مش هتدخل الثانوية.
أنس: طيب طيب، أنتوا هتذلونا ولا إيه، أديني طالع
نادته حياه: ما تنساش اللي اتفقنا عليه ... ها ؟
أومأ موافقاً ثم صعد إلى غرفته، غادرت زهرة المنزل، واتجهت حياه إلى غرفتها تحاول الإتصال بحبيبها فقد بات الجو هادئاً.
***
دلفت حنان إلى الفصل المسئولة عن تدريسه مادة التربية الدينية، هي لا تلقنهم الدين فحسب ولكن تعلمهم كيف يكون الدين جزء لا يتجزأ من حياتهم؛ شاملاً ألفاظهم وسلوكهم.
لقد تخرجت من كلية التربية لتصبح معلمة، هذه كانت أمنيتها حتى تُحول التعليم من عقوبة يهابها الأطفال إلى فسحة ينتظرونها من وقت إلى أخر، فالتعليم متعة لمن عرف كيفية تحويله من مجرد مواد دراسية مملة رتيبة إلى مواد شيقة تلتصق بالأذهان بمجرد سماعها لا أن تتحرر من العقل بمجرد كتابتها في ورقة الإمتحان.
كانت ترتدي ثوباً أبيض يعلوه سترة رمادية وحجاب أبيض، ترتدي في أغلب الأوقات نفس ألوان ملابسهم حتى يشعروا أنها قريبة منهم وإليهم.
ما إن دخلت حتى توقفوا عن الحديث ووقفوا في احترام لدخولها، وضعت دفاترها فوق الطاولة المخصصة لها ورسمت ابتسامة غاية في الجمال تحمل لهم الكثير من الحب والحنان.
ألقت السلام وبعد أن ردوه، جعلتهم يجلسون وبدأت في دخولها بموضوع اليوم لكن بطريقة مختلفة كعادتها في كل مرة.
- قبل ما أدخل كنتوا بتتكلموا مع بعض، صح ؟
أومأ الجميع في موافقة، تابعت: كل واحد بالدور كدا يقولي كان بيتكلم ف إيه .. هنبدأ بيك أنت يا وائل
وقف ونظر حوله في توتر ملحوظ فهمت سبب توتره؛ فطلبت منه الجلوس وانتقلت إلى الذي يليه وهكذا.
وقفت فتاة ذات ضفائر بنية وقالت: كنت بأقول لنسمة إن ماما هتعملنا إنهارده بط وأنا مش بأحبه وهي قالتلي إنه مامتها هتعملها فراخ وأنا باحبها، وكنا عايزين نبدل سوا إنهارده عشان كل واحدة تاكل اللي بتحبه.
انتاب الجميع موجه من الضحك مما جعل الفتاة ورفيقتها تشعران بالخجل، أوقفت الضحك بحزم قائلة: أنا مش شايفه حاجه تضحك بالعكس، هما حلوا المشكلة بطريقة حلوة جداً، يعني بدل ما يقولوا إحنا مش هناكل اتفقوا يبدلوا سوا بحيث كل واحدة تاكل اللي تحبه، بجد أحييكوا يا بنات على فكرتكوا
وبدأت بالتصفيق يلحق بها البقية بعد أن حولت سخريتهم إلى إعجاب، شعرت الفتاتان بالفخر وجلست كل منهما مرفوعة الرأس.
عادت المعلمة حنان إلى الحديث: اللي نسمة وألاء قالوه دا مش عيب، بس العيب على اللي ما اتقالش
نظرت إلى وائل وكل من لم يستطع الإجابه: أنت ما جاوبتش ع السؤال تحب أقولك ليه ؟ ... عشان كنت بتتكلم عن غيرك صح ؟
نظر وائل إلى يديه المضمومتين وقد أحمر وجهه خجلاً، أكملت بهدوء: مش وائل بس اللي عمل كدا، كل واحد قام واتكسف يتكلم أكيد كان بيتكلم عن حد غيره
إلتفتت إلى السبورة وتناولت قطعة طباشير، كتبت بخط كبير يراه الجميع "الغيبة" بينما تتابع حديثها: ودي يعني تتكلموا عن حد مش موجود وفيه فرق بينها وبين النميمة
ثم أضافت "النميمة" إلى جوار الأخرى واتجهت إلى شرح الحديث لتستوعبه عقولهم: الرسول ﷺسأل الصحابه إذا كانوا يعرفوا معنى الغيبة .. فقالوا إن الله والرسول هما اللي يعرفوا .. فشرحلهم الرسول ﷺ أنك تتكلم عن أخوك وحش وتقول عيوبه والأخ هنا يعني مش أخوك من باباك ومامتك لا الأخ يعني أي حد بس قال عليه أخ عشان يوضح أنه حتى لو أقرب الناس ليك وتربطك بيه أي صلة ما ينفعش تعمل كدا.
رفع وائل يده مستأذناً بالحديث، سمحت له فقال: بس أنا ما اتكلمتش عنه بكلام مش فيه أنا كنت بأتكلم عنه بحاجه الكل عارفها فيه يعني مش حاجه جديدة
ابتسمت بهدوء وأجابته: نفس سؤالك دا الصحابه سألوه للرسول ﷺوقتها رد عليهم وقال: لو كانت فيه يبقى أغتبته يعني اتكلمت عنه في غير وجوده ولو ماكانتش فيه تبقى بهته يعني اتكلمت عليه بالباطل وافتريت عليه وفي الحالتين أنت ارتكبت ذنب كبير.
سألتها ألاء: هي الغيبة وحشة أوي كدا يا أبلة حنان ؟
ردت عليها بهدوءها: ربنا شبه اللي بيغتاب حد كأنه ماسك اللي بيتكلم عنه دا وعمال ياكل في لحمه وهو ميت
رأت الاشمئزاز على وجوههم فتابعت: شوفتوا عملتوا إزاي؟، أنتوا بقى كل مرة بتتكلموا عن حد وتغتابوه كأنكوا بتعملوا كدا.
سألها طالب أخر محتاراً: وطب العمل دلوقتي يا أبله ؟
نسمة: طب يا أبله ربنا هيسامحنا ؟
ردت عليها زميلتها: إن الله غفور رحيم
ابتسمت حنان: صح يا ندى، ربنا فعلاً بيغفرلنا، مش إحنا اتفقنا قبل كدا إنه ربنا بيحبنا أوي وبيخاف علينا خالص؟، يبقى أكيد هيسامحنا
وائل: طب وأعمل إيه عشان يسامحني ؟
حنان: تستغفر ربنا وأهم حاجه ما ترجعش تعمل كدا تاني
هتفت طالبة أخرى: أومال هنتكلم ف إيه يا أبله ؟؟
ضحكت حنان: هو مافيش حاجه تتكلموا فيها غير أنكوا تجيبوا سيرة الناس ؟، ممكن تتكلموا ف مادة من المواد، أو تقولي مثلاً طريقة جديده لعلاج مرض، أو العلماء وصلوا لإيه، تعلمي غيرك إنه يذكر الله فيه مليون حاجه غير الغيبة.
أضافت مكملة شرح الدرس: بس فيه ست مواقف ما تعتبرش غيبة
الأول: التظلم، يعني تروح وتشتكي للقاضي أو في البوليس مثلاً إن فلان عمل فيك كذا، أوسرق منك كذا
التاني: المساعدة في تغيير حاجه غلط، يعني تروح لفلان تقوله دا فلان بيعمل كذا وكذا وأنت اللي ف إيدك تساعده وتبعده عن دا
التالت: الاستفتاء، يعني تطلب النصيحة من حد فتروح تحكيله دا حصل كذا كذا .. أعمل إيه ؟
الرابع: التحذير، يعني سمعت مثلاً واحد بيقول إنه هيروح يضرب فلان، فتروح أنت لفلان دا وتقوله خلي بالك دا عايز يضربك، أو تروح لفلان دا وتقوله بلاش تشتري من الراجل الفلاني أصل حاجته وحشه، أو لما يسأل الأب مثلاً عن واحد عايز يتجوز بنته ساعتها تقوله الحقيقة عشان ممكن حياة البنت توقف على كلمة منك بس تقول كلمة الحق.
الخامس: إنه يكون الشخص دا بيعمل الحاجه الوحشه دي في العلن وقدام الناس، يعني مثلا بيضرب الفقرا وقتها ممكن تذكره بده بس ما تقولش صفة تانيه مش معروفة فيه
السادس: التعريف، يعني تقول فلان الأعمى أو الأحول، بس تكون صفة فيه وما تكونش بتقولها عشان تتريق عليه أو تقلل من قيمته
في الحالات السته دول ما تعتبرش غيبة
سأل أحد الطلاب: طب إيه هي النميمة يا أبله ؟
-النميمة بقى إنه الواحد ينقل كلام سمعه من واحد للتاني عشان يوقع بينهم، يعني مثلا أنت سمعت إنه وائل بيقول إن سعيد دا كداب فروحت لسعيد تقوله دا وائل بيقول إنك كداب ساعتها سعيد هيروح لوائل ويتخانق معاه عشان قال عنه كدا وتوقعهم ف بعض
نسمة: ودا عقابه إيه يا أبله ؟
حنان: مش هيدخل الجنة عشان الرسول ﷺقال: "لايدخلالجنةنمام"
سفقت بيديها قائلة بنشاط: يبقى إنهارده هنبطل نعمل إيه ؟
قال الجميع في نفس الوقت بحماس: هنبطل غيبة وهنبطل نميمة
هتفت حنان سعادة: شاطرين، يلا بقى نقرأ الحديث اللي بيمنعنا عن الغيبة
بدأت تقرأ والأطفال يرددون خلفها:-
"قال رسول الله ﷺ: أتدرونماالغيبة؟قالوا: اللهورسولهأعلم،قال: ذكركأخاكبمايكره،قيل: أفرأيتإنكانفيأخيماأقول؟قال: إنكانفيهماتقولفقداغتبته،وإنلميكنفيهفقدبهته."
***
جلست حياه إلى جوار صديقتها سلمى التي جاءت لزيارتها والكدر يعلو وجهها، سألتها سلمى عن سبب حزنها فروت لها ما حدث بينها وبين شادي ثم حديثها مع شقيقتها زهرة.
نصحتها سلمى أن تتبع نصيحة أختها مضيفة: زهرة معاها حق وبعدين هي أكبر منك وتعرف عنك
تنهدت حياه: شادي زعلان مني عشان رفضت، ولما جيت أكلمه قفل معايا بسرعة بس وعدني هيجرب مع بابا تاني
سلمى بغضب: وإنتي تكلميه ليه أصلاً؟ دا لو خطيبك ما ينفعش، إنتي أكيد جرا لعقلك حاجه يا حياه !
حياه بحنق: أوف بقى، سيبك مني، المهم إنتي عامله إيه ؟
سلمى مدعية عدم الفهم: الحمدلله
سخرت منها: ما أنا عارفه ياختي، قصدي على عريس الغفلة، جه ولا لسه ؟
-أه جه إمبارح
-اتكلمتوا ؟
-أيوه
-يا بنتي ما تنطقي مرة واحدة إنتي لازم تنقطيني!
تنهدت وبدأت تروي لها ما حدث، علقت حياه عندما انتهت من الحديث: يعني متجوز واحدة تانية ؟، وإنتي هتبقي رقم إتنين ف حياته، ووافقتي على كدا؟
سلمى شاردة: لا ما وافقتش، بابا رافض أصلاً لحد دلوقتي بس هو لسه عندنا لحد ما يديه بابا رأيه النهائي وكمان أخته ناهد بتحاول هي وصاحبه محمد مع بابا
نظرت لها حياه بترقب: وإنتي إيه رأيك ؟
أدارت رأسها بعيداً: مش عارفه
-إزاي يعني ؟
سلمى: أنا صليت استخارة قبل ما أقبله بس ...
نهضت من مكانه وجلست أمام صديقتها متسائلة بفضول: بس إيه ؟
- بس أول ما شوفته ما أعرفش حصلي إيه، حسيت إنه قلبي أتاخد مني، كأنه طار وسابني وراح له، اتكلمت معاه قليل وما كنتش عايزة الوقت يفوت
أطلقت حياه صفيراً مرتفعاً: أوعى بقى، وقعتي يا سلومتي ولاحدش سمى عليكي
ضربتها سلمى على ذراعها: بس بقى، إنتي بالذات ما أسمعش حسك
قاطعهما صوت بكاء التوأمين، تنهدت حياه: يلا قدامي ياختي ، أهو تدربي ع العيال شويه ههههههه
سلمى: فزي قدامي، صحوبيه تقصر العمر صحيح
صعدتا وقد استولى عليهما الضحك.
أنت تقرأ
رُزقت الحلال
Romanceإلى كل من رأى أن خطأه لا يغتفر وأنه ما عاد هناك طريق للعودة فلتعلم .. أنا أبواب التوبة دائماً مفتوحة على مصرعيها لا تقفل ساعة أو تستريح حيناً فإذا أدركت خطأك وأين مربطه .. قاومه .. عالج داءك بيدك وقوتك التي وهبها الله لك فلتكن حراً من كل قيد وأسر فل...