جدليات القراءة العشوائية

1 1 0
                                    

يصنف الكثيرون منا القراءة على أنها خير مطلق، ونطلق الكثير من الشعارات والعبارات التي تحث على القراءة وتمجدها باعتبارها كذلك. وكأنها بالمطلق دون قيد أو شرط الفاصلة بين الخير والشر، وكذا أيضاً بين السمو والرفعة من جهة، والدونية والوضاعة والضعف والعجز والفقر من جهة أخرى. ويسارع الكثيرون منا لاقتناء الكتب واستعراضها والتباهي بها، باعتبارها لآليء ثقافية لا مزيف أو مدمر لنا فيها.

وقد اعتاد الناس قديماً على القراءة من الكتب والصحف والمجلات الورقية، أما في هذا العصر فلم تعد القراءة عامة ولا القراءة الجادة خاصة، محصورة في إقتناء تلك المصادر الورقية، من كتب وصحف ومجلات، كما عهدنا ذلك من قبل. فبعد التحولات العلمية والتقنية الكبيرة التي شهدها العالم، هناك اليوم بحور متلاطمة من مصادر المعرفة والثقافة والعلوم الرقمية عبر الشبكة العنكبوتية، التي يمكن أن تثري القراء ومتابعي المحتوى، مضافة إلى مصادر المعرفة الورقية أو التقليدية.

لذا أصبح (نقل المعلومات) في العصر الحاضر عبر وسائل السوشال ميديا، كما كان تملك واكتناز الكتب والمنشورات والمخطوطات الورقية، وعرضها واستعراضها في أركان الضيافة، أو الظهور المرافق لها في الصور الشخصية، برستيجاً ثقافياً وجزءً من سلوكيات التباهي العلمي والمعرفي، التي يستخدمها البعض في استعراض العلوم والثقافة كعنصر من عناصر قوته الشخصية، ضمن سلوكيات شكلية لبعض البشر، بل ربما للكثيرين منا.

وفي خضم هذا الضجيج والزحام الكبير في عالمنا، حول مصادر المعرفة الورقية والرقمية، لا بد أن تعود بنا التساؤلات للنقاط المركزية الجادة، نحو القيمة الحقيقية للقراءة وجدوائيتها ونفعها وضررها، فهل الكتب ومصادر المعرفة كما يتصور البعض بلا شوائب وبلا مخدرات ومسكنات وسموم؟ وهل القراءة حقاً كما توحي بعض الشعارات والعبارات الرائجة خير مطلق؟ وهل كل ما هو متاح بين أيدينا للقراءة يعتبر حقاً فرصة لنا لنمونا الفكري والمعرفي والثقافي؟ أم أن هذه التصورات مجرد أوهام وهراء وضلال أو تضليل، خاصة في زمنٍ بتنا نعرف فيه جيداً أن العالم يزخر بالأفكار الهدامة، التي تمسحت بمسوح الحب أو الدين أو الإنسان أو كلها معاً؟.

ثم إن مسألة أن نقع فقط ضحايا لمتاهات هدر الوقت جراء قراءة ومتابعة التفاهات التي قد تنشر، مسألة جديرة بأن تدفعنا للتساؤول والمساءلة والمحاسبة، كي لا نهدر أعمارنا في الجري خلف السراب، نتيجة قراءة واقتناء ومتابعة كل ما ينشر.

ولعل من مصلحة بعض دور النشر والناشرين، وبعض الكتاب والمؤلفين، وناشري المحتوى، أن يبدو كل شيء في عالم القراءة جميلاً مفيداً، خالياً من القبح، نقياً من السموم، سليماً من الغثاء والثرثرات التي تستهلك العمر والوقت. وأن يستسلم القراء للقراءة العشوائية العمياء التي ينفق فيها المال بلا وعي، والتي تدار فيها القراءة من قبل القراء بلا نضج، فتضخ من خلالها الأفكار في اللاوعي الفردي أو الجمعي، دون كلفة ودون حساب، فيصبح الناس ضحايا لهدر المال وهدر الوقت، وأسراء للتجهيل الممنهج وغير الممنهج.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 19, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رحلة إلى الأعماقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن