بدأت جائحة كورونا كوباء محدود في الصين، بل قيل في البدايات أن المرض لا ينتقل بين البشر، فلم تكن جائحة إذاً، ولا وباء محدود حتى. وشيءً فشيءً، بدأت مدينة ووهان الصينية تطفو إلى السطح، فأصبح الكثيرون منا يعرفون مدينة لم يكن أكثرنا يعرفها من قبل. وتسارعت الأحداث، فطوقت المدينة بالإجراءات الصارمة، وأحرقت الجثث في الصين، في إجراءات وقائية ضرورية. وبين التحذير والتطمين في البلاد البعيدة، كان هناك وباء ينتشر في العالم، مخترقاً صمت الصين وحدودها، وخوف زعماء العالم من إنتشار الرعب وسط الجماهير.
كل شيء كان يحدث بشكل متسارع، أمام مرأى ومسمع من يتابع ومن يحلل، ومن يمتلك قدراً من المعرفة التي تكشف ساحة العالم الواسع، التي باتت ملعباً متوقعاً للوباء.
في الضفة الأخرى من هذا العالم، بعيداً عن الصين، كان الكثيرون منا في سبات عميق عن وعي ما يحدث، وعن فهم عمق الحدث، وعن إدراك ما ستسوقه الأيام لهم ولبلادهم، لا محالة. مرات بسبب عدم متابعة أكثرنا لمعطيات الساحة الدولية ومتغيراتها، ومرات أخرى بسبب معوقات معرفية تعيق التحليل المنطقي، وأيضاً إضافة لما سبق مراتٍ، بسبب عاطفة الجمهور وقناعاته الخاطئة ... الخ.
هنا مع كل هذا السكون والإطمئنان العارم، فإن كل صوت سيرتفع، ليقول أن هناك وباءً خطراً سينتشر من الصين إلى غيرها ليهدد صحة الناس وحياتها، ستقمعه غلبة الجمهور، وسطوة قناعاته وتخيلاته وعواطفه، مرةً. وستحطمه مرة أخرى، خطابات وبيانات غريبة خاطئة، لمتخصصين، لم يروا الوباء كما ينبغي أن يرى، عبر المنطق العلمي، الذي يفترض أنهم أول العارفين به جيداً، حتى في بواكير هذه الأزمة.