لا تنعقد مباراة كرة قدم بشكل صحيح إلا باكتمال عدد اللاعبين، ولا يمكن إعداد وجبة غذائية دون اكتمال جميع مكوناتها الأساسية، وهكذا لا يمكن إطلاق الأحكام بشكل صحيح دون ملاحظة الظروف المحيطة ومعرفة السياقات والتفاصيل الضرورية.
لكن خلافاً لذلك، تجد أن الكثيرين منا يطلقون الأحكام على الآخرين جزافاً، بمجرد سماع أطراف الحكايات. وهنا يكون قصور المعرفة، سبباً لقصور الفهم، والخطأ في إطلاق الأحكام.
وهذه واحدة فقط من الأخطاء الشائعة بين الناس في المحاكمات العقلية، وهي ترتكز على الإستعجال وعدم التريث في إطلاق الأحكام، ونقص المعرفة وعدم الإستناد على ما يكفي من المعارف والمعلومات والتفاصيل. ويمكن تحليل دوافع مثل هذا السلوك البشري. لكننا، لا نريد أن يتشعب بنا الحديث هنا عند دوافع الإستعجال في إطلاق الأحكام بين البشر، في هذه الزاوية من تأملاتنا لتبدلات ساحة حاجات البشر المعرفية والعلاقات البينية فيها، التي صنعت الفروقات في حجم المعرفة المتاحة لصناعة النضج والوعي، عند اصدار الأحكام، أو تبني القناعات.
هنا من أجل أن نختصر، لننتقل بسهولة لموضوع حديثنا في هذه المقالة حول فجوات المعرفة، التي تم ردمها في العقود القليلة الماضية، وأثر ذلك في واقعنا المعرفي والثقافي، يمكننا أن نأخذ تمثيلاً أو تشبيهاً بسيطاً، يساعدنا في فهم دور السياقات والظروف كعامل ضروري وحيوي في صناعة الفارق في واقع وعي الشعوب، وتغيير لعبة (الخطيب والمتلقي) و(المثقف والعامي) و(المتخصص وغير المتخصص).