كل شيء يبدأ بالتصورات، والتصور يبدأ صغيراً ثم يكبر ويتطور، فيحيل الحياة إلى: رفاه وازدهار أو جحيم ودمار، وتلك هي الحكاية باختصار.والإنسان في هذه الحياة ليس حجراً، تنقش على ظهره ما تريد دون أن يكون له دور أو أثر. لذا يظهر في هذه الحياة دور الإنسان كفاعل إيجابي أو سلبي تجاه احتياجاته لتجويد وصقل وتنقيح وإثراء تصوراته باستمرار، ليحظى بتصورات واضحة (غزيرة، مشبعة، غنية، دقيقة) عن واقعه ومستقبله وعن تاريخ البشر، ليتسنى له أن يستفيد من وضوح رؤاه وتصوراته في بناء نجاحه في حياته ونجاح أمته ووطنه.
ولا بد هنا، من الأخذ في الإعتبار، أن الماضي والحاضر والمستقبل، وهي مفردات الحياة من المبدأ للمنتهى، كلها كمادة خام للتأمل والتصورات يمكن الإستفادة منها في تعزيز جودة الحياة، وهي تكتنز داخلها الكثير من الثراء، لكنها تظل رهينة ما نصنعه نحن، أو ما نحصل عليه منها من تصورات، في نهاية كل تجربة من تجاربنا في هذه الحياة، نتيجة تفاعلنا معها إيجاباً أو سلباً، ذهنياً أو ذهنياً وواقعياً.
وتلك التصورات النهائية، التي نصنعها أو نكتسبها ونحصل عليها جراء عمليات التصور الذهنية، تظل في صورتها كمعرفة نكتنزها، رهينة مفردات المعلومات - بكافة صورها - التي نكتسبها أو نحصل عليها من محيطنا وما تعرضنا له، كما أنها تظل رهينة أيضاً لتحليلنا لتلك المعلومات ولمعالجاتنا الذهنية العقلية والمنطقية لها. ومن هنا من هذه المفاصل والمفردات التي تمر بها عمليات صناعة التصور، يمكن تتبع تسلسلات الوعي الإنساني، من خلال فهمنا لطبيعة تلك التصورات كمخرجات لمدخلاتها وتشكلها وتكونها والظروف والملابسات التي تسيرها وتحكمها.
وفي النهاية، نحصل على التصور، ويكون التصور الصحيح للماضي والحاضر والمستقبل، بلا شك ضرورة ملحة لنا كبشر في مسيرة الحياة، صانع لوعينا تجاه الحياة ومحدد لمسيرات الفشل والنجاح، أخذاً في الإعتبار أن تصوراتنا التي ولدت من تراكم المعلومات والخبرات التي يتم قبولها وتبنيها أو معارضتها ورفضها، قد حول تلك التصورات لنقاط إرتكاز في الحياة كعقائد أو أيديولوجيات ومباديء، تحكم حتى تصوراتنا اللاحقة - وهنا تكون الرغبة في الثبات والإنتظام وصناعة المرتكز صانعة مأزق الكثيرين، وموقع الخطر، كما النجاح تماماً -، وبالتالي فتصوراتنا تعبر بالتالي عن حجم ونوع ومقدار وعينا وفهمنا للواقع. وبوعينا ذاك المبني على تلك التصورات نبحر بسفن وعينا بعيداً عن كثير من المآزق والمخاطر أو نقع فيها، وهنا تكون التصورات الصحيحة بالنسبة لحياتنا، هي الحياة، وهي روح وجوهر ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، الذي يغذي حركتنا، وبدونه نموت ويموت الماضي والحاضر والمستقبل، ويوؤد الحلم والطموح والرجاء وتضيع المسيرة.
وإذا اتضحت في أذهاننا حقيقة مقتضاها أنه لابد أمام كل مفردة من مفردات هذه الحياة، من تصور نصنعه أو نكتسبه، فحتماً سيضعنا كل تصور أمام تحديات معرفية وسلوكية أو منجزات وفتوحات، وفقاً لمقتضيات جودة التصورات. ومن تلك المفردات الضرورية، التي تحتاج منا اليوم لجودة التصورات لنواكب العصر، مفردات: المعلم والمتعلم والتعليم، التي تصنع ثالوث التعليم، والتي تحتاج منا لتصورات حديثة باستمرار تواكب الحياة وتطوراتها وتصنع نجاحاتها، في زمنٍ بات فيه التعليم يتحول بسرعة مفرطة، نشهد في ظلها التحول المتسارعة للتعليم ليكون تعليماً مدمجاً، وهذا النمط التعليمي بلا شك من التحولات العالمية الهامة، التي يجب أن نواكبها ونعيها ونستقرؤها وندركها، والتي سترسم لنا نمط تعليم المرحلة المقبلة من مستقبلنا كبشر على كوكب الأرض، قبل أن تهاجر بنا التقنيات لعالم أعقد وأعظم وأخطر، باتجاه زراعة الشرائح الدماغية كبديل لعمليات التعليم التقليدية التاريخية والمعاصرة، أو ما هو أعظم وأخطر.