الفصل -2-

53 18 32
                                    

رغم ضوء البرق القوي الذي أطلقته إيفا إلا أن الظُّلمة الحالكة لا تدل سوى على اتساع شاسع لهذا المكان المقفر الخالي من أي دلائل على الحياة، لم يكن هذا العالم سوى صحراء قاحلة مظلمة لا شمس فيها ولا نجوم ولا قمر.
كان توماس يحاول فهم الوضع الذي وجد نفسه عالقا فيه..

لقد رأيتُ من قبل عوالم عديدة يكون النور فيها خافتا، بعضها يكون مثل المغيب أو ما بعد غروب الشمس، والبعض الآخر كاليوم العاتم من شدة الغيوم السوداء، وعوالم أخرى تكون الظلمة فيها كوقت الكسوف، وأسوأ ما رأيتُه منها كان عالَما واحدا تشبه ظُلمته الليلة المقمرة!!

واكتشفتُ من خلال التجارب السابقة أن درجة النور والظلمة في كل عالم تدل على مراتب الجنون الثلاث المعروفة؛ البُله والـمانيا والمَليخوليا، لكن هذه الظلمة الحالكة تثبت بلا ريب أن مرتبة المونومانيا الأسطورية حقيقية، وها أنذا أعاينها بنفسي في أسوأ وقت ممكن..

- لكن ما هذا الضجيج الهائل؟ كأنه يأتي من خلف الأفق، ومن كل الجهات!

تساءل توماس في حيرة عن ذلك الصوت القوي الشبيه بصوت الطائرات الحربية، لكن مرافقَيه سيباستيان وإيفا كانا مشغولين بموضوع آخر تماما..

- إيفا! انظري، أخيرا غيّر تسريحة شعره

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

- إيفا! انظري، أخيرا غيّر تسريحة شعره.
- أنتَ محق سيباستيان، لقد لاحظتَ ذلك أنتَ أيضا، لكنها نفس التحليقة المملة.
- مملة؟ بالعكس تماما، أنا أراها حِلاقة جيدة.
- هل تمزح معي؟ ما الجيد في تحليقة عسكرية مع هذه البدلة الرسمية السوداء، ياله من منظر عشوائي عديم الذوق.
- فليغلق كل منكما فمه اللعين، لقد سمعتُ ما يكفي من الهراء، ألا تريا أي وضع نحن فيه؟!

سارَعا فورا إلى الاعتذار من توماس، فقام دون أن يتكلم، نفض ركبتيه من الغبار وانطلق عابس الوجه، ماشيا بلا وجهة، يتعثر في تلك الكثبان الرملية الممتدة إلى ما لا نهاية، فتبعه سيباستيان وإيفا في صمت خشية إثارة المزيد من غضبه، ما عدا همسات خفيفة بينهما لا تصل مسامع توماس..

- إيفا! لماذا غضب منا لهذه الدرجة؟ لقد كنا نمزح فقط!
- هذه ليست عادته، لا أظن أننا سبب مزاجه العصبي، لا بد أنه مرهق جدا اليوم.

متاهة المونومانياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن