المنبوذه ٤

931 32 1
                                    

دلفت مريم لغرفتها وهي منهارة من البكاء، لقد تم إبادة حلمها الذي كانت في انتظاره بلهفة، تحطمت لوحة فارس الأحلام الذي سينتشلها من عذابها، لقد حاولت نسيان حبها لزياد الذي نشأ منذ طفولتها في قلبها، ارتضت بعذابها  في أمل العثور على حب بديل ينجدها من أسرة لا تبالي بها وبمشاعرها، الآن كيف ستواجه الطوفان الذي ستطلقه عليها أمها وأختها:
- يعني الورد كان من زياد.. ماما وماهيتاب مش هيسمحوا بالحب ده.. ده مش بعيد يتهموني أني اللِ بعدته عن أختي.. مش لازم أقرب من زياد.. لازم يبعد عني.. لازم.
استلقى زياد على الفراش وهو ينظر لسقف غرفته في حيرة، متمتمًا:
- أنا مش فاهم حاجة.. يعني ماهيتاب بتحبني أنا، ومريم بتحب حد غيري ولا لا؟ أنا كل اللِ عارفة أني بحب مريم ومش هتكون لحد غيري..
اقتحمت ماهيتاب غرفة مريم كالعاصفة الهوجاء:
- ممكن أعرف زياد أخدك فين؟ وحصل أية بينكم لدرجة أنك تعيطي بالشكل ده؟!
انتفضت مريم من دخول ماهيتاب المفاجئ:
- أنتِ أزاي تدخلي من غير ما تخبطي على الباب..
صرخت ماهيتاب في وجهها وهي منفعلة:
- ما تغيريش الموضوع اتكلمي، جاوبي على سؤالي..
أجابتها مريم بصوت باكِ:
- أخدني فوق عند عمى.. وما تخافيش ما حصلش حاجة، هو بس كان مضايق مني يفكرني على علاقة غرامية مع زميلي، وأن ده عيب وما يصحش، بس أنا فاهمته كل حاجة، أنه مجرد زميل ومتجوز ومخلف كمان.. أما بقى بعيط ليه فدا مش شغلك، أنتِ مالك سيبيني لوحدي بقا، ارحموني شوية.. اطلعي واقفلي الباب وراكِ.
دبدبت ماهيتاب برجليها على أرضية الغرفة بضيق:
- ماشي يا مريم براحتك..
سمعت سوسن صوت صياحهما، وجدت ماهيتاب تخرج من غرفة أختها وهي تهمهم في ضيق، اقتربت منها:
- مالها الهانم اللِ جوا قلباها محزنة ليه؟ وماله زياد ابن عمك بيها؟
أردفت ماهيتاب بوجه عابس:
- بيني وبينك يا ماما أنا حاسة أنه غيران عليها..
ضحكت سوسن مقهقهة:
- أنتِ اتهبلتِ غيران على مين؟ على الشاويش مريم.
ردت ماهيتاب بانفعال وهي تشير نحو غرفة مريم:
- ده اتجنن لما شافها مع زميلها في الشغل.. طول الطريق بيطلع شرار من عينيه، ولما رجعت مريم من الشغل نزل سحبها بالعافية للشقة فوق، وزي ما أنتِ شايفة بتعيط جوا.. ممكن تفهميني ده اسمه أية؟
صمتت سوسن برهة من الوقت، ثم أردفت:
- لا كدا الحوار اتغير.. هو زياد بيلعب عليكِ أنتِ وأختك ولا أية؟!
صاحت ماهيتاب:
- أنا ما ليش فيه.. أنتِ علقتيني بيه وخلتيني أقرب منه وأحبه، جاية دلوقتى وتدخلي أختي في الحوار، ده يبقى على جثتي..
ربتت سوسن على كتف ماهيتاب في حنان:
- ما تقلقيش أنتِ اللِ هتجوزيه.. وأختك مش هتفتح  بؤها، سيبي الموضوع ده عليا..
القى منصور الجريدة من يده في صدمة:
- أنتِ بتقولي أية؟! هي حصلت أدلل على بنتك.
ظلت سوسن تحاول إقناع زوجها بالموافقة:
- وفيها أية.. المثل بيقول اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك، والبنت بتحبه.. ودا ابن عمها مش غريب يعني، ها قولت أية هتتكلم مع أخوك أمتى؟
تنهد منصور باستسلام:
- بعد صلاة العشاء هتكلم معه وربنا يسهل.
دلف عُمر لغرفة ابنه وهو يبتسم في سعادة، ربت على ظهره وهو يخبره بأن عمه قد قرر زواجه من ابنته ماهيتاب، انتفض زياد وهو يصيح في غضب:
- نعم أزاي يعني.. أنا مش بحبها، دي زي أختي، أنت بتقول أية بس يا بابا..
نظر له أبيه في دهشة:
- البنت بتحبك وأنت قربت منها أوي الفترة اللِ فاتت.. وأنا افتكرت أنك بتحبها؛ لأني بشوفك على طول معها.
هز زياد رأسه نفيًا:
- أنا اعتبرت أنها زي أختي، مفيش ما بينا أي حاجة.. أنا بصراحة عاوز اتجوز مريم، أنا بحبها.
غضب عُمر:
- أنت اجننت عوزني أقول لأخويا ابنى بيحب مريم، وأختها يا أستاذ اللِ بتحبك؟ ولا أنت ناوي توقع الأخوات مع بعض، أنت اللِ غلطان من الأول بتقرب من ماهيتاب ليه ما دام أنك بتحب مريم، ولا أنت بتتسلى ببنت عمك.
أردف زياد باستنكار:
- والله أبدًا يا بابا.. أنا بعتبر ماهيتاب زي أختي وما عشمتها بحاجة.. أصلًا هي حبتني أمتى بس؟
هز عُمر رأسه بأسف، بصوت حزين:
- للأسف فات الأوان ما ينفع تتجوز واحدة وأختها بتحبك مش هينفع.
انتفض زياد من مجلسه، بصوت غاضب:
- لو مش هينفع يبقى مش هتجوز خالص.. قول لعمي مفيش نصيب، وأنا هرجع أمريكا ثاني، مش هقدر اعيش هنا واشوف مريم بتجوز واحد غيري، مش هقدر صدقني.
حزن عُمر على ابنه:
- اللِ تشوفه يا ابني، ربنا يصلح الأحوال.
حاوطت سوسن ابنتها ماهيتاب بذراعها، بصوت غاضب:
- يعني أية رفض.. أنا بنتي ما تترفض هو كان يستاهل حتى ضفرها، دي جميلة الجميلات.
غضب منصور من زوجته:
- ارتاحتِ دلوقتي لما قللتِ من قيمة بنتك.
قامت ماهيتاب بالبكاء وهي تصرخ وتشير نحو أختها:
- أنا عارفة هو رفضني ليه، عشان مريم هي اللِ خطفته مني، أنا مش هسامحها أبدًا.
أدمعت مريم وهي تشعر بالظلم، حاولت مسك يد أختها لتخفيف من حزنها، لكن ماهيتاب أزاحتها وهي تنظر لها بتقزز:
- والله يا ماهيتاب ما ليش دخل، أنا أصلًا بعيدة عنه.. عمري ما هزرت ولا خرجت معه، كلامي معه بحدود وأنتوا تشهدوا على كدا، أنا ما ليش ذنب، ارحموني بقا بلاش تعلقوا عليا أي مشكلة تحصل ليكم، لو مش بتحبوني للدرجة دي أنا هريحكم مني خالص، هسافر المانيا عند خالي، ودا آخر كلام عندي، بدل ما انتحر وذنبي يكون في رقبتكم ليوم الدين، قولتوا أية؟
ربت منصور على كتف مريم بحنان أبوي:
- يا بنتي ما حد قال أن ليكي ذنب في حاجة، على العموم لو السفر يريحك أنا موافق، أكلم خالك واتفق معه، اعملك إجراءات السفر بس ما تزعلي نفسك.
نظرت ماهيتاب نحو مريم بازدراء واشمئزاز:
- يكون أحسن برضوا، ابعدي عن حياتي وهى تعمر.
قامت سوسن بحضن ماهيتاب وهي تمسد على رأسها بحنان:
- بس كفاية أنتوا تتخانقوا قدامى عشان زياد، انا أجوزك يا ماهيتاب لشاب أحسن منه، هو اللِ خسران مش أنتِ.
بالفعل سافرت مريم لخالها في ألمانيا، تاركة خلفها قلب يتمزق شوقًا لها، يعاني ويلات الفراق والغربة وسط عائلته، يشعر بالحزن والكآبة، دامع العين متألمًا، كسير الفؤاد، ينظر لصورتها على هاتفه وعينه تترقرق بالدموع، يحادث صورتها كأنها أمامه معاتبًا:
- هونت عليكِ يا مريم، تبعدي عني بالشكل ده من غير ما تسمحي أني أسمع صوتك، بعتلك رسائل كتير أوي، بس من غير رد، أنا كنت بحس بحبك ليا مهما أنكرتِ ده، بس الظاهر أن حبي ليكِ أكبر من حبك ليا، اشتقت لعيونك ولضحكتك، شوفتي بقيت عامل أزاي من بعد فراقك، كسير النفس والفؤاد، قلبي وجعني من بعدك عني، ارجعي ليا أرجوكِ، رغم أنك هربتِ وما دافعتي عن حبنا وحياتنا، اخترتِ أسهل طريقة.. الاستسلام، إلا أني مسامحك وهفضل متمسك بيكِ لأخر العُمر...
قطع حديثه دلوف أبيه، بصوت حزين:
- يا ابني عامل في نفسك كدا ليه؟ من ساعة سفر مريم وأنت أحوالك ما بقتش تعجبني.
أجابه زياد بصوت مهزوم ضعيف:
- متوقع أعمل أية؟! البنت الوحيدة اللِ حبتها من صغري سافرت وسابتني، ومش بس كدا دي حتى مش بترد على مكالماتي ولا رسائلي، كله بسبب أختها.. أنا كنت عاوز أسافر لأمريكا أنت اللِ منعتني.
جلس عُمر بجوار ابنه على الفراش، حزين الفؤاد لما آل إليه حاله:
- عاوز تسافر وتسيب أبوك يعيش لوحده، ده آخر تربيتي فيك عاوز أني أموت وحيد من غير ما يكون ابني جنبي، لو يرضيك أنا موافق، بس مش هكون راضي عنك.
قَبّل زياد رأس أبيه وظهر يديه:
- ما تقولش كدا يا بابا، ربنا يطول في عمرك.. خلاص مش هسافر، المهم تبقى راضي عني كفاية اللِ أنا فيه بلاش توجع قلبي. 
ربت عُمر على كتف ابنه وهو ينهض لأداء فريضة الصلاة:
- سلامة قلبك يا بنى.. ربنا يحقق أمانيك وينولك اللِ في بالك.
شعرت سوسن بالغضب عندما وجدت زوجها منصور يستعد للخروج لمنزل أخيه عُمر، صرخت في وجهه موبخة إياه؛ لاستمرار علاقته مع أخيه بعدما رفض ابنه الزواج من ابنتها، أشار لها منصور بإصبعه محذرًا:
- نعيده  يا سوسن ثاني، بقولك ده أخويا اروح ليه في أي وقت، مش معنى أن ابنه رفض بنتك أننا نقاطعهم، الجواز قسمة ونصيب، ما تدخلي بيني أنا وأخويا خليكِ في بناتك، أنتِ من ساعة سفر مريم ما اتصلتِ تطمني عليها، أكنك ما صدقتي وارتحتِ منها، بلاش يكون قلبك حجر دي بنتك.
قاطع حديثهما صوت ماهيتاب:
- بابا أنا عاوزة أحضر عيد ميلاد صاحبتي، هي ساكنة في المقطم.
أردف منصور في قلق:
- مش بعيد عننا يا بنتي المقطم، لازم يعني تحضري العيد ميلاد ده.
ردت سوسن:
- ما تسيب البنت تفك عن نفسها، مش كفاية قهرتها من ابن أخوك، خليها تغير جو.
رضخ منصور: 
- خلاص روحي يا بنتي لصاحبتك، وخلي بالك من نفسك وما تتأخريش.
ظلت ماهيتاب تحتفل مع أصدقائها حتي وقت متأخر، دون مراعاة أنها فتاة  ستعود بمفردها في جوف الليل في عالم مليء بخفافيش الليل التي لا ترحم، فهناك السكير وبائع العقاقير المخدرة واللصوص وقطاع الطرق، ماذا ستفعل فتاة وحدها وسط هؤلاء؟! بالتأكيد سينتهكون شرفها وعرضها بلا ذرة رحمة، فهؤلاء لا ينتمون لعالم البشر الأسوياء، بل إلى العالم المظلم الذي يقدس المال ويحصد الأرواح وينتهك المحرمات، زحفت ماهيتاب تجاه هاتفها الخلوي الملقى بعيدًا وهي تنزف بشدة بجسدها مليء بالكدمات والسحجات:
- الحقني يا زياد.
انتفض زياد من مجلسه في خوف:
- في أية يا ماهي؟ بتعيطي ليه وأنتِ فين؟
أجابته ماهيتاب ببكاء ونحيب:
- مش عارفة.. الحقني بسرعة.
ظل زياد يرتدي ثيابه وهو ممسك بهاتفه، قلبه يرجف من الخوف:
- طيب بالراحة كدا ابعتيلي من موبيلك موقعك، وأنا ثواني وأكون عندك.. مش عندك جي بي أس.
حاولت ماهيتاب التقاط أنفاسها، بصوت باكٍ:
- اه عندي هبعتلك.. بس بالله عليك ما تتأخرش عليا.
وصل زياد لموقعها بعد محاولته المستميتة للوصول إليها، فالمكان مهجور ومظلم للغاية، وجد جسد ملقى في قارعة الطريق، حينما اقترب منها صدم بأنها ابنة عمه ماهيتاب، هرع إليها في خوف وفزع:
- أية اللِ بهدلك كدا؟! حصل أية ردي عليا.. ماهيتاب.. ماهيتاب.
عندما رأته ماهيتاب اغمضت عينيها مستسلمة للظلام الدامس، قام زياد بحملها وهو يركض بها تجاه سيارته، وضعها على الأريكة الخلفية وانطلق بسرعة الرياح  نحو أقرب مشفى، عند وصوله ظل يصرخ ويستغيث:
- دكتور بسرعة.. حد يشوفها دي بتنزف.
ظل زياد يذرع الممر ذهابًا وإيابًا في خوف وقلق، هرع نحو الطبيب عندما خرج من حجرة الكشف، يسأله بلهفة عن حالتها، أجابه الطبيب بأسف:
- للأسف حالة اغتصاب.. حصل ليها تهتك شديد ونزيف، بس اطمئن لحقناها، أنت قريبها مش كدا؟
أومأ زياد برأسه وهو في حالة صدمة، ثم أردف:
- أنا ابن عمها وفي مقام أخوها.
تنهد الطبيب بحزن:
- ربنا يصبركم.. احنا عطينا ليها مهدئ وبكرا الصبح هتكون كويسة، بس في الحالات دي ننصح أنها تخضع لدكتور نفسي.
عندما رحل الطبيب سقط زياد على الكرسي وهو جاحظ العينين، متمتمًا بصوت مصدوم:
- اغتصاب! أقول أية لعمي؟!  ده ممكن يروح فيها مش هيستحمل الخبر ده، أعمل أية يا ربي؟
نظر زياد نحو هاتفه وهو يفكر، ثم قام بالاتصال على أبيه، بصوت مهزوز:
- بابا في حد جنبك.. طيب اسمعني كويس في مصيبة تعالى حالًا مستشفى** بسرعة، ما تقولش لعمي أنك جاي، تعالى لوحدك.
يجلس عُمر على الكرسي، حاني ظهره للأمام وهو يحيط رأسه بكفيه، شاخص العينين من هول الفاجعة:
- يادي المصيبة ده عمك ممكن يموت لو عرف بالحصل لبنته.. بس مش هينفع نخبي عنه دي بنته برضوا وأكيد هيكون في محضر، وشرطة، وشوشرة، غير الفضائح، عمك مش هيستحمل.. 
تنهد زياد بحزن، ثم أردف:
- أنا عمي كلمني وقالي أن ماهيتاب تأخرت وكان قلقان عليها  بعد ما ماهيتاب كلمتني، فأنا طمنته وقولت ليه أني هجيبها؛ لأنها مش لاقية مواصلات.. ما كنت عاوز أخضه وأقوله أنها في مشكلة، لأني مش عارف أية هي المشكلة بالضبط، بس صوتها كان كفيل أنه يبين ليا أنها في كارثة، نعمل أية يا بابا في المصيبة دي؟
نظر عُمر نحو زياد بلهفة كمن وجد الماء بعد ظمأ شديد:
- الحل في أيدك أنت.
تعجب زياد:
- في أيدي أنا! طيب أزاي؟!
أجابه عُمر بأمر لا يقبل النقاش:
- تتجوزها..

المنبوذهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن