المنبوذه ٣

1K 36 1
                                    

يجلس (زياد) أمام الحاسوب في غرفته، لكنه لم يكن منتبهًا لما يشاهد، ظل شارد الذهن لفترة ليست بقليلة يفكر في محبوبته التي شغلت عقله ووجدانه، كان يشعر بالحيرة الشديدة والخوف, لقد راودته الكثير من الظنون بشأنها فيما إذا كانت تعشق رجل آخر، نظرًا لتصرفاتها الغريبة، فهي تتجنب الحديث معه أو مرافقته في أي نزهة عائلية، لقد حاول جاهدًا أن يتقرب منها بكل الطرق الممكنة والغير ممكنة ، قارب على فقدان الأمل في أن تشعر بمشاعره نحوها، ظل لأكثر من شهر يرسل لها الورود الحمراء التي يعلم منذ طفولته بأنها تعشقها بشدة، لكنه كلما اقترب منها خطوة تبتعد هي عنه خطوتين، لا يعلم لما تفعل ذلك؟ لذا شعر بالخوف من كونها على علاقة غرامية بغيره متمتمًا:
- يا ترى وصلها بوكيه الورد ولا لسه، أنا مش عارف هي ليه دايمًا تتجنب القرب مني؟! أكيد مش حاسة بمشاعري.. أنا بحبها من طفولتي أزاي مش قادرة تشوف حبي ليها! أعمل أية أكثر من كدا عشان أجذب نظرها ليا، يا رب ما يكون اللِ في بالي صحيح، ممكن يكون في حد ثاني في حياتها.

تعزف (مريم) على آلة الكمان الموسيقية وهي تفكر في الحبيب المجهول الذي اقتحم حياتها بالورود، تركت الكمان وأمسكت الورد، ثم استنشقت عبيرها وهي مغمضة العينين، شعرت بضربات قلبها تعزف لها أجمل سمفونية للعشق، ابتسمت في سعادة محدثة نفسها:
- يا ترى مين الحبيب المجهول اللِ كل يوم يرسل ليا الورد؟ معقولة في حد حبني بشكلي ده!
وجدت (ماهيتاب) أن زياد بدأ الانشغال عنها، لقد مر أكثر من أسبوع دون التواصل معها، شعرت بالخوف من أن ينجذب لفتاة من الجامعة، لذا قررت أن لا تترك له المجال لكي يبتعد عنها، ارتدت أجمل فستان لديها مع وضع القليل من مساحيق التجميل التي تبرز جمالها، ثم نثرت عطرها الفواح الذي لا يقاوم، ذهبت لطرق باب منزل عمها عمر:
- أزيك يا عمي.. هو زياد موجود؟
- الحمد لله يا ماهي.. اه يا حبيبتي هو جوه في غرفته، أدخلي أنتِ مش غريبة.
سمع زياد طرق على باب غرفته، ظن أن والده يريده في شيء ما:
- أدخل يا بابا.
مدت ماهيتاب رأسها من الباب دون جسمها، قائلة بابتسامة:
- بخ.. ما تنفع ماهي؟ مالك غاطس الأيام دي ومش بتنزل عندنا ليه؟ أية زهقت مننا.
ابتسم زياد وهو يشير إليها بالدلوف:
- لا أبدًا يا بنتي.. بس ما حبيت أكون تقيل وتزهقوا مني، أخبارك أية؟
جلست ماهيتاب على الأريكة التي بجوار المكتب:
- مش بشوفك في الكلية يعني بقالي أسبوع.
أغلق زياد الحاسوب وجلس بجوارها:
- لسه بضبط أموري مع باقي الدكاترة وإن شاء الله من الأسبوع القادم تلاقيني في وشك، أصل هدرس لدفعة ثالثة تجارة.. يعني مش هرحمك يا جميل.
وضعت ماهيتاب راحة يدها على يده وهي تحدق له بهيام، بصوت ناعم:
- يا ريت.. ده أنت تنور الكلية.
شعر زياد بالتوتر والإحراج، سحب يده من تحت يدها ببطء:
- طيب تعالي نطلع برا نقعد مع بابا، ما يصح نقعد في أوضتي لوحدنا ولا أية.
ماهيتاب بدلع وغمزة عين:
- اللِ تشوفه يا زيزو.
عادت مريم إلى منزلها وهي تشعر بالإرهاق والتعب:
- السلام عليكم.. أزيك يا بابا وحشتني أوي، يعني مش سامعة صوت في البيت، فين ماما وماهي؟ راحوا فين؟
ابتسم منصور والجريدة بين يداه:
- أنتِ كمان وحشتني أكتر يا حبيبتي.. ماما راحت السوق، وماهيتاب فوق عند عمك عمر، أصل زياد بقاله كتير ما زارنا فأختك راحت تطمن عليه.
أومأت مريم برأسها متمتمة:
- ربنا يسعدهم ويتمم ليهم علي خير.
أردفت مريم:
- عن أذنك يا بابا اغير لبسي وأرتاح شوية، الشغل ده متعب بشكل مش معقول.
بالفعل ذهبت مريم إلى غرفتها، قامت بتغيير ملابسها وظلت تفكر فيمن شغل تفكيرها هذه الأيام، جلست في شرفة غرفتها بعدما قامت بتشغيل بعض أغاني تامر عاشور وهي تتخيل فارس أحلامها، ظلت شاردة وهي تداعب إحدى الورود الحمراء بابتسامة حالمة، شعرت بدقات قلبها تتراقص من السعادة، أخيرًا وجدت من سينثر الفرح والبهجة في قلبها، تمتمت:
- ممكن يكون مدرس معايا في المدرسة هو اللِ بيبعت ليا الورد؟! طيب ليه مش يصارحني بمشاعره بدل ما هو عامل زي الرجل الغامض! بس أنا مبسوطة أوي أول مرة أحس بالمشاعر دي، أن في حد مهتم بي ويحبني بالشكل ده، ياه ده شعور حلو أوي.
ظلت مريم تدندن بصوتها الجميل:
- أنت يا اللي خذت قلبي من الزمان ومن اللي فيه، خذت قلبي لدنيا ثانية أحلى من اللي حلمت بيه.
لم يكن زياد منتبهًا لثرثرت ماهيتاب، كان يتخيل مريم وهي تبتسم له، لذا نهض من مجلسه فجأة قائلًا:
- بقولك أية يا ماهي.. تعالي ننزل تحت عند عمي أصله وحشني أوي.
نهضت ماهيتاب من مجلسها وهي تلوح لعمها عمر:
- أوكيه يلا بينا.. سلام يا عمي نازلين تحت باي.
مد زياد راحة يده تجاه عمه منصور وهو مبتسم:
- أزيك يا عمي أخبارك أية؟ صحتك تمام..
أشار منصور للداخل:
- الحمد لله.. أدخل يا ابني هو أنت غريب واقف ليه..
سمع زياد صوت أغاني قادم من غرفة مريم، تعجب:
- الله مين بيسمع تامر عاشور ده؟
أجابه منصور بابتسامة:
- دي مريم ربنا يسعدها ويفرحها دايمًا.
أراد زياد أن يدلف لغرفتها، لقد اشتاق لها كثيرًا:
- هو أنا ممكن أدخل عندها ولا في مانع؟
أردف منصور:
- لا أبدًا.. بس ممكن تكون مش عاملة حسابها أنك تدخل عندها.. أنت فاهم طبعًا.
أومأ زياد برأسه وهو يمسد على مؤخرة رأسه:
- اه طبعًا فاهم.. حضرتك ممكن بس تنادي عليها، عاوز أسلم على مريم..
دلف منصور لغرفة ابنته بعدما طرق على الباب:
- مريم اطلعي سلمي على زياد ابن عمك.
تأففت مريم بضجر واضح:
- مش ماهيتاب برا عاوز مني أية؟! قوله أني نائمة.
أردف منصور:
- عيب كدا الراجل عاوز يسلم عليكِ مش حكاية يعني.
أومأت مريم برأسها طاعة، ثم خرجت لغرفة المعيشة:
- السلام عليكم.. أزيك يا زياد أخبارك أية؟
تهلّلت أساريره والتمعت عيناه سرورًا، كاد قلبه يقفز من بين أضلعه فرحًا لرؤيتها:
- الحمد لله.. أنا زعلان منك، مش بتسألي عليا ولا بتطلعي عندنا، مش عشاني ده عمك اللِ دايمًا يسأل عليكِ.
- والله مشغولة أوي في شغلي ما عندي وقت، على العموم أنا اتصل بعمي وأصالحه لو كان زعلان مني، ده عمورة نصي الثاني ما أقدر على زعله أبدًا.
زياد بابتسامة بلهاء:
- طيب وأنا مش زي عمورة.
نظرت مريم نحوه بدهشة، مما أعاد زياد صياغة جملته:
- قصدي يعني تصالحيني زيه؟
امتعض وجهها ورفعت صوتها قليلًا:
- أنت شكلك فايق يا زياد.. مهو ماهيتاب جنبك اهي، ما أعتقد أنك محتاج حد غيرها، عن أذنك أنا تعبانة من الشغل ادخل أرتاح شوية، وأنت مش غريب.. جرا أية يا ماهيتاب ما تهتمي شوية بزياد، فين كرم الضيافة؟
شعر زياد بالغضب:
- أنا مش ضيف عشان ماهيتاب تضايفني، اتفضلِ أنتِ نامي ما تشغلي بالك بي.
ردت ماهيتاب بسخرية:
- اطلعي أنتِ منها يا مريم، ادخلي يا أختي اسمعي تامر عاشور بتاعك، شكلك بتحبي جديد.
ضحكت مريم بسخرية، لم تنكر حبها بل أكدت ذلك وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنهما وتعود مرة أخرى لغرفتها؛ لتستكمل أحلامها الوردية، شعر زياد بالغيرة كأن وحشًا مفترسًا يمزق قلبه ويشعل النيران به، كلما تخيل بأن هناك شخصًا آخر استولى على قلبها قبله، ماذا يفعل أكثر من ذلك حتى يمتلك قلبها؟ هل من الممكن أن يكون الوقت قد فات على دلوفه لحياتها؟! زادت نيران قلبه المستعرة عندما أكدت ماهيتاب ظنونه قائلة:
- والله يا زياد أنا متأكدة أنها بتحب، دي على طول سرحانة وتضحك لوحدها من غير سبب، بتسمع أغاني رومانسية كتير وتدندن وراها وهي سرحانة، بس أموت وأعرف مين اللِ اتعمى وحبها؟ هي فيها أية يتحب؟
سألها زياد مستفسرًا:
- من قد أية الحالة دي عندها؟ يعنى لاحظتِ التغير ده من أمتى؟
هزت ماهيتاب رأسها نفيًا:
- مش فاكره.. ثم احنا نفضل نتكلم على مريم كتير، بقولك أية ما تيجي نخرج شوية نتفسح لأني بجد زهقانة أوي.
رد زياد بغضب:
- لا، مش خارج، أنا طالع اتزفت أنام سلام.
شعرت ماهيتاب بتغييره ولم تفهم ماذا حدث له فجأة؟! هل أصابه الجنون أم ماذا؟! دلف زياد لغرفته وهو يستشيط غضبًا، لا يتوقف عن تذرع المكان ذهابًا وإيابًا، حتى كاد أن يجن من الغيرة، متمتمًا:
- الهانم بتحب وأنا زي الحمار عمال أفكر فيها وابعت ليها ورد، دي حتى مش بتعبرني ولا عطياني ريق حلو.. للدرجة دي مش شيفاني! ماشي يا ست مريم.. بقا بتحبي، أنا لازم أعرف مين ده اللِ خلاها تقع في حبه وتسيبني أنا؟!
ظلت مريم تهمهم في حنق:
- قال تصالحيني أزاي! لازق في ماهيتاب طالعين نازلين مع بعض وعاوز أني أصالحه! عاوز مني أية؟! مش هو جري وراء جمال ماهيتاب، كله بيدور على جمال المظهر، بس أنا أخيرًا لقيت اللِ يقدر الجوهر، معجبِ السري اللِ نفسي أشوفه.. يا ترى أنت مين؟
قطع همهمتها صوت أمها:
- يا مريم تعالي ساعديني في المطبخ.
هرولت مريم للخارج استجابة لنداء أمها، مرت سبعة أيام حتى قرر زياد الكشف عن غريمه، لذا أراد استغلال ماهيتاب للوصول له دون أن يخبرها بذلك:
- بقولك أية يا ماهيتاب ما تيجي نعدي على مريم في شغلها، نعملها مفاجأة ونخرج نتغدى برا.. أنا عازمكم، أية رأيك؟
قفزت ماهيتاب من السعادة؛ لظنها أن زياد يريد قضاء بعض الوقت معها:
- بجد! فكرة حلوة أوي.. أنا هجهز نفسي بسرعة.
- أنا انزل أجهز العربية تكوني خلصتِ لبس.. ما تتأخري.
ظلت ماهيتاب تثرثر طيلة الطريق كان أحد ما قام بتشغيل الراديو، كان زياد يرسم على محياه ابتسامة مع هز رأسه كأنه يتابع ما تتحدث عنه، لكن في الحقيقة عقله وخاطره في دنيا ثانية بعيدًا عنها، يفكر في مريم وهو يصمم على الاعتراف بحبه لها، فهو يشعر بأن غريمه لا بد من وجوده في عملها؛ لأنها بكل بساطة لا تغادر المنزل إلا للعمل فقط، شعرت ماهيتاب بالحزن لأنه لم ينتبه لفستانها الجديد، وتغيير قصت شعرها ولونه كأنه مغيب، لم يلتفت لها بنظرة واحدة فهو يركز بصره على الطريق، تنهدت ماهيتاب وصمتت وهي تنظر من نافذة السيارة حتي وصلا لبوابة المدرسة التي تعمل بها مريم، هرول زياد تجاه البواب:
- لو سمحت مس مريم مدرسة الموسيقى فين؟ عاوزين نقابلها.
أجابه بواب المدرسة:
- في حجرة الموسيقى.. تلاقيها ثالث فصل على أيدك اليمين.
كانت (مريم) تعزف على آلة الكمان وهي مندمجة في اللحن بشجن، حتى قطع عزفها صوت تصفيق بحرارة، التفتت ناحية الباب فوجدته (أحمد) معلم اللغة الإنجليزية، ابتسمت في سعادة عندما قال لها:
- الله أية العزف الجنان ده! أنتِ موهوبة يا مريم.. ما تشتركِ في حفلات تبع قصر الثقافة، أنا متأكد من فوزك.
شعرت مريم بالفرحة فلأول مرة يمدحها أحدهم ويشجعها:
- شكرًا جدًا ليك يا أحمد.. بس أنا بجد ما عندي وقت.
هز أحمد رأسه بأسف, بصوت حزين:
- خسارة.. أنتِ فنانة بكل معنى الكلمة، اللِ زيك من النادر تلاقيه، أنا بستمتع بعزفك.
قاطع حديثهما صوت زياد بغيرة:
- عندك حق.. أنا أسف أني قاطعت حديثكم.
شعرت مريم بالخوف والقلق:
- زياد.. وكمان ماهيتاب! في أية حد حصله حاجة؟ بابا وماما بخير؟
أردف زياد بنبرة ساخرة:
- لا ما تقلقي.. احنا كنا خارجين فعدينا عليكِ عشان تخرجي معانا، بس شكلك مش فاضية.
استغربت مريم من طريقته ونظرته لها التي بها اتهام صريح، لم تدرِ بما يفكر وإلى ماذا يشير؟ اقتربت ماهيتاب من أحمد:
- هو حضرتك مدرس زميل مريم هنا؟
أومأ أحمد لها برأسه وهو يبتسم:
- أنا أحمد مدرس إنجليزي هنا.. حضرتك ماهيتاب أختها مش كده.
رفعت ماهيتاب أحد حاجبيها في دهشة وهي تنظر تجاه زياد، كأنها تخبره بأنها كانت على حق:
- اه أنا.. شكلها حكت ليك عني.
أراد زياد أن يقتلع أسنان أحمد من فكه المبتسم، بصوت غاضب:
- يلا يا ماهيتاب.. شكل مريم مش فاضية لينا، نمشي احنا بقا.
نظرت له مريم باستغراب:
- في أية؟! أنت جيت ليه وماشيين في أية.. أنا مش فاهمة حاجة.
نظر لها زياد نظرة أخرستها من الخوف:
- مش مهم بس أنا فهمت، عن أذنك.
تعجبت مريم من رد فعل زياد عندما وجدها مع زميلها في حجرة الموسيقى، لاحظ أحمد نظرات زياد له الشرسة كأنه يريد التهامه حيّ، تابع خروجهما بوجه مستنكر، قال لمريم وهو يستعد للخروج:
- هو في أية مالهم؟ أنا رايح على حصتي.
شعرت مريم بالإحراج:
- أوكيه ابقى سلم ليا على هبة مراتك دي عسوله أوي، وبنتك نور ربنا يفرحك بيها.
أردف أحمد وهو يرحل باستعجال:
- يوصل إن شاء الله.. سلام عشان جرس الحصة رن ، أشوفك بعدين.
انتبهت ماهيتاب أنهما يتجهان بالسيارة نحو محل سكنهما، زفرت بحنق عندما رأت زياد يستشيط غضبًا، ظلت تسب وتلعن أختها في قرارة نفسها، شكت أن يكون زياد يشعر بالحب تجاه مريم، ابتسمت بخبث:
- لا بس مريم طلعت سهونة مش سهلة أبدًا.. الواد طلع وسيم أوي وشكله بيحبها.
أردف زياد بغضب وغيرة، وهو يضغط على مقود السيارة بقوة، حتى أبيضت أنامله:
- هي الهانم تروح المدرسة عشان تشتغل ولا تعمل غراميات؟! قال أية مش فاضية، الشغل واخد كل وقتِ، وهى بتتسرمح جوا المدرسة مع الأستاذ.
ماهيتاب بغمزة عين، بنبرة ساخرة:
- في أية يا زياد! اللِ يشوف حالتك دي يقول أنك بتحبها وغيران عليها.
شعر زياد بالتوتر، بصوت متلعثم:
- لا طبعًا بس أنا ما يعجبني التصرفات دي أزاي تسمح لنفسها أنها تكون مع مدرس لوحدها في الفصل؟! وتفضل تعزف ليه، أية التصرفات دي!
أردفت ماهيتاب:
- عادي دي مدرسة وده طبيعي، ثم هي ما غلطتش.. لو كانوا بيحبوا بعض وفيها أية! هو الحب حرام..
صرخ زياد في وجهها بغضب، وهو لا يتحمل مجرد فكرة أن مريم لن تكون له:
- ماهيتاب اسكتِ.. بلاش تعصبيني.
تأكدت ماهيتاب من ظنونها، بالفعل يقع زياد في عشق أختها، لكنها لن تسمح بحدوث ذلك، زياد ملكها فقط، حتى لو قضى الأمر بمحاربة أختها وانتزاعه من بين يديها، لن تتهاون في حقها، انتظرت عودة أختها من المدرسة وهي تكاد تجن من فكرة أن مريم القبيحة ستنتصر على جمالها وتأخذ ما تملكه بسهولة، بعدما بذلت أقصى طاقتها في التقرب من ابن عمها، عندما علمت بعودتها رسمت ابتسامة مزيفة على محياها، دلفت لغرفة أختها، بصوت حنون:
- ممكن أدخل يا مريومه؟
- أية الأدب ده! من أمتى بتستأذني؟ تتحسدي يعني.
جلست ماهيتاب بجوارها على فراش، وهي تخدعها بابتسامة حانية:
- هو أنتِ مش عجبك حاجة! المهم مين الأمور اللِ كان معاكي لما جينا؟
نظرت لها مريم بتعجب:
- أنتِ وقعتي على دماغك ولا أية؟! مش تعرفتِ عليه هناك.
أجابتها ماهيتاب وهي تغمز لها بطرف عينها:
- مش قصدي كده.. أنا بقصد أن في بينك وبينه علاقة عاطفية، يعني لافلف وكده..
جحظت مقلتيها باندهاش من تفكير أختها:
- أنتِ عبيطة ده متجوز وعنده بنت زي القمر، شكلك فهمتِ غلط..
شعرت ماهيتاب بالضيق، كانت تتمنى أن تكون مريم على علاقة عاطفية مع أحمد؛ لكي تطمئن بأن زياد سيكون لها، لا بد أن تفعل شيء، حتى تبعد مريم عن زياد بأي شكل، بتنهيده حالمة وعين شاردة:
- كان نفسي تكوني بتحبي زيي أنا وزياد.. أنتِ ما تتصوريش هو بيحبني قد أية.
أمسكت مريم بهاتفها النقال، بصوت غير مبالِ:
- ربنا يسعدكم.. أمتى بقى يتقدم بشكل رسمي ويخطبك؟
أجابتها ماهيتاب بصوت متلعثم، وهي تفر من أمامها:
- قريب أوي.. بس أنتِ ادعي لينا، اسيبك تغيري لبسك.
يذرع زياد غرفته ذهابًا وإيابًا ، يتطاير الشرر من عينيه، تنفر عروق رقبته وتتصلب عضلاته، فتح خزانته وأخرج منه صندوق خشبي صغير، جلس على الأريكة بعدما قام بفتحه، أخرج صورة قديمة له ولمريم في طفولتهما وهما يضحكان في سعادة، انفجر غضبًا بصوت غليظ كأنه هدير النهر في هيجانه:
- بقا هو ده اللِ بتحبيه يا هانم، ماشي يا مريم.. بس أنا مش هسكت على ده، نازل ليكي لازم أفهم كل حاجة.
طرق زياد باب شقة عمه منصور بعنف، عندما قامت ماهيتاب بفتح الباب أزاحها جانبًا وهو يصرخ باسم مريم، حتى خرجت له، بصوت غاضب:
- في أية؟! أنت بتنادي عليا بالشكل ده ليه؟
لم يجيبها زياد بل أمسك بيدها بقوة وهو يسحبها لخارج الشقة دون أن يتفوه بكلمة واحدة، تحت نظرات ماهيتاب الخائفة، صرخت مريم:
- سيب أيدي يا زياد، أنت اجننت واخدني على فين؟
دلف زياد لغرفته وهو يسحبها معه بالقوة، ثم قام باحتجازها بين ذراعيه خلف الباب، بصوت كفحيح الأفعى:
- أنا طلعتك لشقة عمك عشان نتكلم من غير ما حد يقاطعنا.
حاولت مريم إزاحته بعيدًا عنها ولكنها فشلت لقوة جسده، بصوت غاضب:
- أية تصرفات العيال دي، هو أنا جاموسة ساحبها بالشكل ده، ثم مين قالك أني عاوزة أتكلم معاك؟! أنت مين أصلًا سمح ليك بكده؟!
نظر لها زياد شزرًا، وهو يجز على أسنانه:
- مين يا هانم اللِ كنتِ معه في الفصل لوحدكم؟
ازدردت مريم ريقها وهي تشعر بالخوف من مظهره المخيف، لكنها حاولت تمثيل الشجاعة:
- أية الأسلوب ده؟! ده مدرس زميلي، ثم أنت مالك.
صرخ زياد في وجهها بعدما ضرب الباب بقبضة يده خلفها:
- لا يا هانم أنا ابن عمك ومن حقي اتدخل في حياتك.. مش مسموح ليكي بالمرقعة دي.
ارتجفت أوصالها من الخوف، بصوت متلعثم:
- لا ده أنت اجننت رسمي.. مرقعة أية؟ أنت شوفتنا في وضع مخل بالأدب وأنا مش واخده بالي.
ضغط زياد على كتفها بقوة، حتى شعرت بالألم:
- من غير كلام كتير اقطعي علاقتك بيه.. أنتِ سامعة.
أدمعت مريم وهي تقوم بإزاحة يده في محاولة لخروجها:
- أنت أكيد اجننت.. ربنا يشفيك روح اتعالج بعيد عني.
عندما رأى زياد دموعها قام بسحب يده بعيدًا عنها، لكنه لم يسمح لها بالخروج:
- استني هنا رايحة فين.. مفيش نزول من غير ما أعرف هو بالنسبة ليكِ أية؟ يعني أنتِ بتحبيه؟
صرخت مريم بألم ودموعها تسيل على خديها:
- افرض بحبه أنت مالك.. بتدخل في حياتي بصفتك أية؟ أخويا، أبويا، جوزي.. أنت مالك.
قام زياد بهزها بقوة وهو يصرخ:
- أنا بحبك افهمي بقا، أنتِ مش بتحسي، أية حجر.. أنا دوخت وراكي، حتى الورد بقيت كل يوم أصبح عليكِ بيه، مفيش فايدة فيكي.
شعرت مريم بالصدمة التي الجمتها عن الكلام، ثم أردفت بتعجب:
- أنت بتقول أية؟! وماهيتاب؟!
نظر لها زياد باستغراب ودهشة:
- مالها ماهيتاب.. مش فاهم؟!
ضربته مريم بقبضة يدها على صدره:
- أنت بتستهبل أختي بتحبك، واللِ فهمته أنك كمان بتحبها وقريب أوي هتتخطبوا.. أنت بتتسلى بينا ولا أية؟
ضحك زياد بسخرية:
- أنتِ بتهزري صح.. ماهيتاب دي أختي الصغيرة، أنا عمري ما وعدتها بحاجة زي دي، ولا حتى تلميح من بعيد.. أنتِ أكيد فاهمة غلط.
حاولت مريم انهاء الحوار:
- أنا مش عارفة مين فيكم اللِ كداب؟! بس اللِ أعرفه كويس أن أختي بتحبك.. وعلاقتنا دي تعتبر محرمة بالنسبة ليا..
عبس وجه زياد:
- أية العبط ده.. أنتِ بتقولي أية؟! اه أنتِ واخده أختك حجة عشان حبيب القلب.
زفرت مريم بحنق:
- أولًا أحمد ده متجوز وعنده بنت، وبيحب مراته جدًا، ثانيًا هو بالنسبة ليا مجرد زميل مش أكتر ارتحت..
انشرح أساريره وهو يرقص فرحًا، بلهفه:
- بجد! يعني مفيش حد في حياتك؟
تنهدت مريم بحزن وهي تنظر له بأسف:
- مش عارفة.. هو في ومفيش في نفس الوقت.
نظر لها زياد بغباء، لم يفهم ما تشير إليه:
- هي دي فزورة ولا أية؟
هزت مريم رأسها بأسف وهي تغادر، بصوت حزين ودامع:
- مش هتفهم.. هو كان في، بس دلوقتي يا خسارة أنت حطمت ليا حلمي، بقا مستحيل.. سلام.
ظل زياد ينادي عليها:
- استني أنا مش فاهم حاجة؟

المنبوذهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن