الفصل الأخير
يقفون على برج عالي يرون الوضع تحت بالناحية لقد جاؤوا على عجل بعد أن علموا بالخطر الذي يحدق بمصالحهم... يتمتم أحدهم "بلغتهم"
"لما أعطينا الضوء الاخضر للعشيرتين فالكنز مازال لم ينضب بعد!!"
يجيبه من أعلى منه رتبة
" منذ موت مأمون وقيام المسخ بأغلاق كل الخزائن جعلنا هذا نخسر الكثير كنا نأمل ان غانم سيعوضنا لكن هذا الهمجي الأخر كان يتوق للحرب ورؤية دماء جيرانه اكثر من أي شيء لذلك لم يبقى سوى حرق الأرض بمن عليها "
ينظرون "للمصفى" الكبير الذي شيد بمسافة بعيدة عن الناحية ...يشيرون الى أحد الأتباع الخاضعين وهو من أهالي الناحية المنبوذين يكلمه أحدهم بالعربية
"أخرجناك من السجن مع أنك قاتل ومغتصب ومدمن لكن الأن ماضيك سنحرفه على أنك كنت متدين منذ نعومة أظافرك وترتاد الجوامع وحافظ لكتابكم الذي يدعو للإرهاب بكل ما جاء فيه "
ليضيف بحقد دفين
" وتذكر عندما تقوم بتفجير الأنابيب العملاقة أصرخ بحماس وشغف
"الله أكبر " وأعدها مراراً وقم بسبنا وشتمنا وقلنا عنا كفرة ليصدقك المواشي من جماعتك ويسيروا على خطاك وإياك أن تخطيء بشيء وإلا سنعيدك للحضيض"
يقبل يدهم بذل
"سأفعل ما تريدون يا أسيادي سأعذبهم وأعدمهم وأحول نهارهم ليلا وسأجعلهم يتمنون وصولكم لتحريرهم مني ويعتبرونكم أبطالهم ومنقذيهم فمناي رضاكم عني "
يضحكون فيما بينهم فلا أحب لهم من وضيع بائع لبني جلدته مهين لدينه يقدم أراضيه للغريب وأخوته للقتل والتعذيب وتراثه للزوال ...يتكلم أخر "منهم"
"استفدنا هنا سنوات منذ حفر الأخوين السماك والصياد بقعة الايوان ليبنوا كوخاً لهما وفجاءة وجدوا أنهم ينامون على الذهب الأسود!! أسلافنا غضبوا فكيف لجاهل متخلف أميّ ينام على ثروة ونحن من فضلنا الله على كل الأمم ليس لدينا حتى أرض لنتباهى بها فقتلوا أحدهم ورموا التهمة على أخيه وأولادهم صاروا أعداء ومن يومها ونحن نستفيد من بغضهم لبعض فاستولينا على خيراتهم وهم سعداء حتى جاء هذا المشوه وخرب كل شيء...كانت الحكومة تأخذ نسبة قليلة ليتستروا على زياراتنا بينما كل المنتج وعائداته لنا ولشعبنا المظلوم هنالك وأهل الناحيتين لا يعلمون حتى أن كنزهم يدر المليارات !! فرحون بكل مرة ترسل الحكومة محافظهم ليختار الناحية الأفضل لأسنادها ويرمي بالفتات لهم ويكذب بأنها نسبة تميزهم على جيرانهم!! كم هو جميل الجهل وعلينا دوماً أن نضع حكام متخلفين على الأراضي التي سننهبها"
يضحكون بسخرية وهم يراقبون كلبهم ويصورن عملية التخريب المشينة بحق أكبر محطة تكرير للنفط لينشروها على المواقع ...صرخ الخائن "الله اكبر" وفجر ...لتهتز أرض الناحية وتبدأ بالتصدع فلم تتحمل ما يحدث فوقها من سنون فيمتد الشق الذي بان بسرعة مهولة وبدأ بالزحف بسرعة مخيفة !!
...............................
"قبل دقائق من تفجير الأنابيب "
"فهد!!"
نادى عاتك عليه لكنه لم يستدر عازماً للذهاب للحرب مع البقية ليصرخ
" لكنك لم تسألني عمن بعثتني لأجلها!!"
"لا داعي ما يهمني أنها مع سنمار "
اغتاظ عاتك من لهجته المستفزة
"لم تجعلني أبيت بالمنزل وذهبت مشياً للمشفى والأن لا تريد أن تعرف!! حسناً حورية لم تذهب لأبن عمها!!"
توقف عن المسير!!استدار يقبض على سلاحه بقوة ليكمل قريبه
"لقد تشوشت لحظة بسبب طبول الحرب لكن هذا ما جئت لأعلمك به ..."
تركه يهرول للدار دخل ملحقه يضرب ويبعد الأثاث
"أين هو؟"
صراخه كان مفزع بل حاله صار أقرب للجنون... لكن مع الوضع الراهن والدار بحالة فوضى والكل مثل حالته الأن بل أتعس صراخ وبكاء لذلك لم يكن تصرف فهد شاذاً ليهتف عاتك قلقاً
"ماذا تريد ما الذي ضاع منك!!"
"هاتفي اعتقدتُ أني لن أحتاجه بعد الأن "
"خذ هاتفي.... لكن أهدأ فانت ترعبني!! أنا استمد الشجاعة منك واذا كنت ستنهار اذاً على الدنيا السلام"
هز رأسه بهلع
"لا.... رقم ثريا مخزون فيه يا ويلي أن لم تكن هنالك ايضاً"
وجده اخيراً اتصل لتجيبه والدتها
"أسف اني أزعجتكِ فجراً "
"لا عليك..."
"حورية..."
قاطعته وهي تسهب بحديثها
" فهد أرجوك هي لم تعيرك بتشوهك... ولو كانت تكرهك لما هرعت اليك أمس بسرعة "
ضاقت عينيها لقد تحدثت وهي لا تعرف لما أتصل بها
"ماذا تريد مني بالضبط؟ أهي بخير !!"
أحس أن الأرض مادت به ثواني ليغمغم بشرود "لا شيء"
"فهد أنت ملاذ حورية أن خسرتك ستتطرف بتصرفها لذلك فلتحافظ عليها"
أغمض عينيه بقوة
"شكراً لإخباري بهذا فلقد اعدتِ لي المنطق كدتُ أخسر معركتي الحقيقة ... أعدك أني سأكون لها الملجأ الذي تبتغيه..."
أغلق الهاتف يشعر بالوجع ليذهل عاتك
"ما فائدة كربك الأن والبارحة لم ترحمها اذاً أين هي المسكينة !!"
نظر للنافذة بألم "عادت لهم"
وفجاءة انفجار مدوي يحطم نوافذ الدار وكان أقوى من انفجار الإيوان ....خرج فهد للحديقة وفهم ما يحدث فوراً
"لقد بدأ زحف الجرذان!!"
كان عاتك مضطرب "ماذا تقصد!!"
"لقد قرر الأسياد أن يحرقوا الجميع بعد انتهاء مصلحتهم ...هم لم يريدوا حرباً كبرى بل مجرد صراعات داخلية وقتل عشوائي نتلهى به حتى يستطيعوا سرقتنا أمام أنظارنا لذلك كانوا يقومون بالتهدئة ويرسلوا لنا وفود كمبعوثين سلام "زائفين" تارة واشعال الفتنة بيننا تارة أخرى وكل المؤامرات تمر من تحت الموائد العفنة بسرداب الإيوان ...المهم أن لا يُهد الجدار العازل وقد خربتُ خطتهم عندما غضبت أخيراً وتمردت على واقعي!! "
عض عاتك شفتيه "تباً لهم فعلاً جرذان هل ما تحت أرضنا يستحق أن يجعلونا نعيش طوال حياتنا نكره بعض ونمقت بعض ونتمنى قتل بعض!!"
أومأ فهد بأسى
"من أجله هم مستعدين ليقتلوا شعباً بأكمله وينهوا حضارة كانت قائمة لسبعة الآلاف عام!!"
أرسل رسالة من هاتفه على عجل...أمسك بكتف عاتك
"كان غباء مني أن أستسلم للشيطان وأحرق دنياي ... أخرج كل من لا يريد الحرب وسنتلاقى على التل العالي و معي حوريتي أكيد"
.............................
تنظر ثريا للهاتف مرتاحة لتضرب باب شقتها بقوة ويدخل عدد كبير من ضباط الشرطة يشهرون الأسلحة بوجهها لتتكلم بعصبية
"أنا من بلغت... أبعدوا السلاح عني"
"اذاً أين القتيل!! "
وضعت الشوكة بالصحن ومسحت فمها بطريقة راقية لتقف تتحدث للضابط
"بعض منه ستجدونه بالفرن وأخر بكيس المهملات بالمطبخ وقليل منه هنا"
قهقهت وهي تشير لمعدتها ليتقيأ أفراد الشرطة وأخر يعود من المطبخ يؤكد قولها ...وسط صدمتهم أخذوها وضحكتها الهستيرية ايقظت العمارة كلها .
........................
خرج عاتك وبسمة وعدد من أقربائهم بعد ذهاب المتسلحين للمعركة
لتنادي أمهم بغضب
"أذهب وأحمي ظهر والدك لاتكن جبان هل ستتبعون المسخ !!"
لتهمس بسمة بقهر "لن نغرق معكم بدم أخوتنا"
هز عاتك رأسه بأسف
"اعتقدنا أننا في صراع من أجل قضية وهدف نبيل ...أتضح أننا كنا عبيد لسادتكم!! الحمد لله لوجود فهد من جعلنا نعي أمرنا ...أمي أخر مرة سأطلبها تعالي معنا لبر الأمان"
بصقت على ولديها لتخرج خمائل ووالدتها التي توعدتهم بحنق
"تعرفون أن مجلس العشيرة سيلاحق كل جبان ترك سلاحه وأرضه وهرب وستعدمون بميدان عام "
أشارت لكل العوائل التي تحشدت للخروج بناء على طلب فهد وبدل أن يهابوها أداروا رؤوسهم ومضوا مع عاتك آملين بحياة أخرى جديدة.
............................
بهذه الاثناء كان فهد قد وصل لناحية السماك آملاً أن يجدها سالمة نزل من حصانه قرب دار ناهي ويبدو أن الرجال توجهوا لساحة المعركة قرب النهر الفاصل لكن النساء هنا يبكون متجمعين حول جثة !! ركض صوبهن يهتف بهلع "حورية"
ليتسمر وأم سنمار تتمتم بحزن
"ليست حورية ...زوجتك دفنها والدها بالمقبرة "
تجمدت العروق الساخنة بداخله فتحولت جليداً ينهي أحلامه لتهمس المرأة بتعاسة
" عندما أنجبت طفلة بالماضي أخذها ناهي ودفنها ...ذهبت بعد مدة زحفاً لاستخرجها ...كانت تتنفس بصعوبة لكنها ماتت بين بيدي عسى أن تلحق حورية ولا تلاقي نفس المصير "
تنبه لكلمتها "ماذا تقصدين بأن الحقها!!"
"لقد دُفنت حية ...حورية تم وأدها !!"
فتح فمه بصدمة فمعرفته بكيفية موتها زادته غضباً من نفسه هو من عرضها لهذا العذاب صرخ
"منذ متى دفنها!!"
"لا أعرف حساب الوقت بني لكن مما قاله عابد المتباهي بفعلته أن قرع الطبول الأول بدأ وهو كان أنهى تسوية التراب...."
ليمتطي جواده بسرعة هائلة دون أن يسمع باقي جملتها وقلبه يرفرف كطير ذبيح يشعر أنها القاضية فعلاً.
وصل المقبرة يبحث عن بقعة تدل على ردم حديث !! عيونه تمسح أرجاء المكان ليجدها اخيراً...حفر بسلاحه البقعة لكن الأمر لم يجدي نفعاً...ليركع يحفر بيديه.... يجمع كميات التراب يبعدها دون توقف... يسابق الوقت فهي لم تدفن منذ زمن طويل ...يشعر بالدم يخرج من اظافره التي تكسرت وهي تصطدم بالحصى... قلبه يدوي بأذنه لن يتوقع شيء... لن يذهب لتلك البقعة المتشائمة بذهنه وأخيرا أصابع كفها تظهر !! الكف الرقيق الذي أمسك بتشوهه دون اشمئزاز وواساه بحنية!!كيف تركها ترحل...اخرج جسدها بالكامل من الحفرة ليضعها على حجره ينفض عنها التراب يتمتم برعب
"تنفسي حوريتي "
كانت ساكنة هزها بقوة وغضب... صرخ قهراً على منظرها... يحتضن رأسها لينهار ببكاء مرير ...ماذا يفعل يشعر بأنه يتمزق ويتلاشى... انها ليست غريقة ليسعفها ولا مختنقة بطعام!! تبلورت الفكرة بعقله ليفتح فمها يخرج التراب العالق فيه ويجرب ما يعرفه... مددها أرضا وضع الشماغ تحت رأسها ...رفع ذقنها قليلاً وأغلق انفها بأصابعه سحب شهيقاً قويا ليقوم بنفخ الهواء بفمها يعيد حبات الرمل المحشورة ببلعومها للداخل فينعش رئتيها بفعله ... ثم يضغط على صدرها بأصابعه عدة مرات لينعش قلبها عسى ما يعرفه ينقذها... فالعالم لحد الأن لم يخترع طريقة لإنعاش مدفون على قيد الحياة!! على هذه الأمة الجاهلة أن تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية بأكبر عدد مدفونين على قيد الحياة ومحروقين على قيد الحياة ومصلوبين على قيد الحياة ومن سارت عليهم الدبابات أحياء!! فيعيد الكرة بيأس يعلم أنها محاولات فاشلة فتجلي الكلمة العظيمة من صميم قلبه تخترق رئتاه تخرج محلقة للسماء بلوعة ورجاء شجي
"يااااااااااااارب "
يحاول ويحاول دون أن يتوقف دموعه تسيل بغزارة على من عاشت بظلم وماتت بظلم ...يبكي على ما خسره بغباء ولحظة احباط
"تنفسي حوريتي كي أتنفس معكِ"
ثواني دقائق لم يعد يحسب ولم يعد يعرف حتى ماذا يثرثر أو يقول توقف عالمه ...توقفت الساعة... توقف الهواء وهي مغمضة عينيها ليعود الضجيج فجاءة من حوله يفتح عينيه بوسعها ينتبه لتهوعها... أدارها على جنبها بسرعة لتسعل بقوة فتتقيأ كل ما بجوفها وفجاءة تلتقط الهواء بقوة وبكميات متلاحقة لتنتابها حالة من الهستيريا وهي تعي عالمها ...طبعاً من الذي سيكون عاقلاً بعد هذه التجربة ...انتبهت اليه وهو يحاول اسنادها لتبدأ بضربه رغم وهنها... تحاول استجماع قوتها فتوالي لكماتها الضعيفة لجسده... كانت ترتجف بقوة ليضمها لصدره ومازالت تحاول ضربه لتبكي ويبكي لبكائها ولا يوقف مجرى دموعهم ما يحدث من حولهما فما عايشاه أكبر من أن يتحمله أحد .
..............................
في مشفى سنمار لم يكن الوضع أسهل كان يركع يساعدها للبس خف المشفى يحثها لتنفذ على عجل
"هيا أرتديه يا بوران "
كانت تبكي وهي تسمع قرع الطبول وسلسلة الانفجارات
"اذاً حلت النهاية أين سنذهب!!"
" فهد أرسل رسالة لي سننفذ أمره بالذهاب "للتل العالي" سنفرغ المشفى ونلتقي هنالك... ومادام قال أن نخلي الأماكن معناه أن الحرب ستبتلع كل أطرافها وسينجو من يتفادها فقط "
ارتجفت بقوة فهي للآن بوضع سيء منذ رحيل عاتك فجرا الذي أصر أن يعلمها ما أصابهم باليومين الماضيين...لكن حرب ضروس لن تتحملها أكيد...مد يده يطلب أن تتمسك به
"سأحميك لا تخافي ولن أتركك لهذه الحياة القاسية تعاني وحدكِ "
نظرت له وشعرت بالطمأنينة قليلاً اعطته يدها يمسك بها ليخرجوا فيلاقوا عاتك وبسمة ومن معهم بوسط الطريق ...الكل يركض للتل ...الهاربين من آل الصياد ومرضى سنمار وشرطة الناحية الأغراب حيث وجدوا أنفسهم وسط الحرب فجاءة...قرع الطبول علا .... ركضت بسمة تحتضن بوران تبكي بمرارة على حالهم المبعثر متسائلة متى يشعروا بنعمة الأمان!! ليتحدث سنمار
"أنت استلمهم يا عاتك وأمضوا لتصلوا وجهتكم ...فهد أخبرني أن أجمع أهالي ناحيتي و أخرجهم ففيهم أيضاً من يرفض الاقتتال ...علي أن استغل فرصة انشغال الكبار بالحرب"
أوقفه عاتك "لا...هنا مرضى كثر يحتاجونك أنا سأذهب "
"لن تدخل ناحيتي ..."
رد عاتك يوقفه "لابد أن وضعكم بفوضى من سينتبه لي !!"
صرخت بسمة بحزن
"لم يبقى لي سواك هل ستتركني أيضا أخي!!"
احتضن شقيقته
" سأعود... سأعود وفهد أيضا لا تقلقي "
اخذتها بوران من حضن شقيقها بالقوة ليذهب مع عاتك عدد من شباب آل الصياد ...أشار سنمار للحشود أن يتبعوه يبتسم للفتيات الخائفات يحاول أن يبث بهن قوة يتمناها هو نفسه في هذه اللحظات العصيبة.
وصل عاتك ورفاقه لناحية آل السماك فلم يستغرب الوضع الأهوج هنا... الناس انشقوا لأطراف منهم من صمم للنهاية أن يقاتل من أجل معركة مخزية ومنهم خائف من تبعات الحرب فظل يلازم مطرحه متأملا أن ينتهي الوضع سريعاً ...أنتبه لمن يركع أمام دار كبيرهم
"يا ألهي حتى أنا لم أبكي لأن الحرب اندلعت... لقد ذعرت لكن حالي ليس كحالك يا جبان"
نظر مؤيد اليه بشقاء
"اقتلني الأن ولترتاح لأني لن اقاتل مهما أجبرتموني ... "
" اذاً نحن متفاهمان هيا لننقذ من بقي من أهلك لنأخذهم ونخرج من هنا"
نظر مؤيد لداخل الدار ليهز رأسه
"من احببتها قُتلت سأبقى هنا حتى يأتي دفان الناحية لقد تركوها دون دفن ليعاقبوها "
شده عاتك من يده يوقفه ليصفعه بقوة
" الكل سيموت دون دفن يا غبي فلتنقذ الأبرياء وكن رجلاً مرة بحياتك "
توزع عاتك والشباب معه لإخراج الناس المسالمين ...كانوا يستمعون بلهفة ... يخبرونهم بما قاله فهد ويعرّون حقيقة من حكموهم لسنوات.. من استولوا على خيراتهم وباعوهم للأسياد
"من يريد النجاة فليذهب للتل ... قريبكم الطبيب سنمار ينتظركم ...الناحيتين لم يعودوا بأمان "
النساء أول من خرجن فهن غريبات من البداية ليتبعهم رجال وشيوخ وأطفال العشيرة... تهللت أساريرهم وكأنهم يخرجونهم من قفص حبسهم أعواماً طويلة لتبقى أم سنمار قرب جثة سرى... نادى مؤيد عليها بنبرة كئيبة
"هيا يا خالة "
هزت رأسها
"لا ... أنا أخاف من العالم الخارجي ولا أحب التغير... فلتخبر من ينتظر أن أمه تحبه ولم تنساه بحياتها".
............................
انتظم تنفسها وقلت شهقاتها ومازال يحتضنها لتخرج كلماتها المعذبة
"كيف طردتني بقسوة كيف تخليت عني بسهولة لقد وعدتني!!"
"هذا اذاً عقابي أن تستسلمي للموت!! كنت عاقبتني بقتلي كان أفضل مما عشته تلك اللحظات الأليمة... كيف أطردك وأنت تسكنين الروح لكن..."
حدق بها وعيونه كانت تحكي عذابه هذه المرة
"أمي وفهدي قتلوا ..."
نظرت اليه بصدمة
"قالوا أن فهدي قتلها فاعدموه... بعد أن علمت خبثهم غضبي اعماني ففجرت الجدار العازل ...قلت لنحترق جميعاً ولم أعرف ما جنيته عليكِ سامحين..."
وضعت يدها المرتجفة على فمه ...لتحتضنه هي هذه المرة تبكي خالتها المغبونة والحيوان المسكين الذي لم ينجو من جورهم... تنبهت للجو حولها وهمست
"ماذا يحدث!! كم مضى عليّ تحت الأرض فيبدو أن النهار لم يحل"
"بل حل!! لكنه النهار الأسود... النهار الذي لن تشرق الشمس فيه على أهلها... هيا لنذهب "
حدقت به بتعاسة "الى أين!!"
"الى عالمنا الذي سأبنيه لكِ حيث يمكن للحورية والفهد أن يعيشا فيه معاً"
حملها لتتشبث برقبته ورغم الألم والحزن والحال الموجع حولهما فما داما معاً فهما مؤمنان الأن أنهما يستطيعان التغلب على كل الصعوبات وسيدحرانها للأبد.
.............................
تقف العشيرتين أمام بعض بساحة المعركة كما تمنيا منذ زمن ....يقف ناهي وعلى يمينه ويساره أبناء اخيه عابد وعايد وكامل وأيوب وكل مقاتلي العشيرة يصرخ بقوة على خصومه
"أخطأتم عندما فجرتم الحائط فلقد كتبتم نهايتكم"
يسخر غانم وأتباعه فيرد بنفس النبرة
"بل هذا ما كان يجب فعله لكنكم نساء لم تستطيعوا ضرب حتى حجر على الجدار والرجولة جاءت منا ...فودع ايامك أيها العجوز"
صرخ ناهي
"من انت لتهدد ثم أين زعيمكم يبدو أنكم بلا رئاسة حالياً!! هل الفوضى والانقلاب مستمر بناحيتكم الفاشلة... طبعاً لن تكونوا مثلنا صارمين وحازمين ولا أحد استطاع اختراق قواتنا وأنظمتنا الداخلية طوال حياتنا "
ينظر لكامل الذي ينفخ صدره فهو استطاع اختراق الناحية بمساعدة أبنتهم الغبية فيضحكون ليوجه غانم يده اشارة للبدء ومثله فعل ناهي وبدأ الاشتباك الدموي... الحقد والغضب والغيرة والجهل هو من يسيطر على عقول الجهتين بمعركتهم...من يراهم يخيل له مجموعة من الكلاب المسعورة تتعارك على عظمة يرميها سيدهم تاركين اللحم الطيب بأيدهم وحياة العز والشرف والفخر ...يخلدون بأفعالهم الرعناء نكسة أخرى تضاف لهذه الأمة التي تدهور حالها بسبب أمثالهم ... أمة المفروض سيتباهى سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بهم بين الأمم!!!!!!!
..............................
جموع من الناحيتين يساعدون بعضهم فالطريق متعرج وملتوي يحملون أطفال بعض يساندون العجائز والحوامل وبعض رجالهم جعل من نفسه جسراً لتمر عليه النساء والأطفال...اختلطوا ببعض لا أحد يعلم من أي ناحية من بجانبه... وهكذا وصلوا التل العالي بأمان عيونهم مترقبة لأحبابهم الذين رفضوا الخروج ...سنمار ينظر لمؤيد الذي هز رأسه بحزن يعلمه أن والدته رفضت المجيء لتمسك بوران يده بقوة تواسيه ...انفجارات الأنابيب المتعاقبة جعلت الارض تخسف فتبتلع أمام ابصارهم بيوتهم وأراضيهم وثرواتهم وكل ما أمامها... ومن بين الدخان والفوضى العارمة تحتهم يظهر لهم خيال أسود كان فهد يحمل حورية يتسلق بها ليساعدوه فيقف وهي والبقية ينظرون لأسفلهم للفتحة الكبيرة التي بانت والتي تشبه فتحة الجحيم!! يستمعون لصرخات أهلهم والنيران تلتهمهم دون هوادة تمر ساعات قاتمة عليهم لينتهي كل شيء كما بدأ ...طائرات الحكومة تصل متأخرة تغلق الناحيتين مؤقتا وتعتبرها منطقة منكوبة ...والعالم يشهد أكبر مذبحة أهلية حصلت فلم ينجو على أرضها أحد!!
يهتف فهد بأمل لكل الذين ينظرون اليه والحزن يعتريهم
"غداً سيكون يوم أخر سنتوحد ونعيد بناء أرضنا ...سنشيد بيوتنا ونحكم أنفسنا والأهم سنبعد الكره والبغضاء بيننا ليعم السلام والأمان والحب الذي يبدو أننا محيناه من قلوبنا ...الارض أرضنا ولن نسمح للغريب بعد اليوم بتدنيسها"
ضمته حورية بقوة...ابتسامة أمل لوحت على وجه الجماهير مطمئنين ينظرون لفهد أنه أملهم ومخلصهم وبر أمانهم ...صوتهم من بعده بالموافقة والفرح جعله وحورية سعداء لوصولهم لهنا وعاتك وبسمة وبوران وسنمار وكل أبناء العشيرتين التي توحدت من جديد.
وهكذا من مات كانوا أتباع النخاس الصغار...أما النخاس الأكبر مازال يهمين علينا مترقباً لساعة غفلتنا فنخاس هذا العصر لم يعد يرضى ببيع مواشي أو أناث بل صاره طموحه أقوى فلنبقى حذرين متيقظين من اتباعه المندسين فربما يبدأ معهم دورته القادمة قريباً.
تمتّ بحمدهِ تعالى
.............................
كلمة ما بعد الرواية
"كانت إيوان النخاس تحوي رسالتين أحداها ظاهرة وهو ما توضح أثناء القراءة "كالفصلية" والبتول المدنسة" وغيرها من المواضيع
أما الأخرى فكانت رسالة رمزية تحتاج لتوضيح مني
"حورية" كانت رمز لشعب مدنس شعب مسلوب الإرادة شعب تم "فصله" دون ذنب اقترفه أنه
"الشعب العراقي"
"منجد" كان الأمريكي المحتل الذي على حين غفلة سرق براءتنا وأرانا بشاعة هذا العالم وهو جزء من منظومة الأسياد مثله مثل روسيا وكوريا الشمالية والصين والاتحاد الأوروبي وكل ما يفعلونه كالعداوات فيما بينهم هي مجرد مسرحيات فاشلة بأمر من الأسياد ليصدقها الجهلة بالعالم العربي...
اما انتهاك منجد بمساعدة "ثريا" فهي كانت تمثل حكامنا الذين ساعدوا على تدنيسنا لأجل مصالحهم
آل السماك والصياد الحكومات المتتالية فكل حكومة تتلقفنا تساعد اما بانتهاكنا أو تهيننا أو تحقرّ من شأننا وتضعنا بمنزلة الحيوانات لكسر شوكتنا حتى لا تقوم لنا قائمة بعدها وفهد كان الأمل ولو أنه مشوه فلا أمل يظهر من رحم الظلم وحتى أملنا اخذوه ببشاعة منا فتم دفننا ونحن على قيد الحياة ...
هنا انتهت حكاية شعب مات ظلماً وجوراً وخذلاناً وبانتظار أن يأتي أملنا فيخرجنا من حفرتنا ويصل بنا للتل العالي ...أن شاء الله
تحياتي لكل من مَر ويمر على الإيوان
مروة العزاوي
...............................
تمت بحمدلله
أنت تقرأ
تحت إيوان النخاس الجزء الثالث من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوى
Romanceقربان دم أنا حكايتي ليست عجبا! فكم من مثلي سيقت كأضحية وكم من مثلي ماتت كمدا مولدي عار! جنسي نكبة! وأدي راحة! وموتي بهجة! أيا رجال عفنت أفكارهم بوجودي! أيا ذكوراً خابت قلوبهم بصمودي! ساقوني كقربان لرد الأذى ! قادوني ككبش لردع الوغى! رجال ...وبئس ر...