1

169 48 4
                                    

Nu Wa pov

في اليوم الثّامن من عام النّمر بدأتْ حياتي الثّالثة.

-

صباح اليوم خرج سكّان بلدة الكتب من منازلهم وأخذوا يمارسون حياتهم الطّبيعيّة، فمنهم مَن زاول عمله كالمُعتاد ومنهم مَن انغمسَ في الاحتفالات المُبهرجة التي أكملت بالأمس أسبوعها الأوّل وهي مستمرّة لأسبوع آخر معطيةً الفرصة المناسبة للنّاس بالاحتفال وغمْر أنفسهم ببحر السّعادة والمتعة الشّاسع.

أمّا أنا فجلستُ في مكاني المفضّل وأخذت أراقبهم من ارتفاعي المعتاد فليس لديّ الكثير لأفعله..

في الأيام القليلة المُنصرمة أطعمني السّكان لدرجة الشّبع، ربّما كان هذا خوفاً أو حناناً لا أعلم! ولكن ما أعلمه يقيناً أنّ دماء سكّان هذه القرية مُشبَعة بالكرم، _كمعظم الفقراء_

هذا الكرم الذي أخجلني.. الآن أصبح عمري يُقدّر بالآلاف كروح هائمة، وطوال هذه السّنوات التي أطعمني خلالها عدد ضخم من الأغنياء والفقراء بالرغم من أنني لا أحتاج الطّعام حقاً، لستُ كباقي الأموات بعد كلّ شي

كان طعام الأغنياء _في الغالب_ لذيذاً ولكنّ أمواتهم استحوذوا على جلّه، بعكس أموات الفقراء الذين يتقاسمون الطّعام مع بقيّة الأرواح بكرم خالص في أكثر الأحيان..

آه يا فوكسي. آه يا حبيبي لو ترى أنّ هؤلاء الفقراء هم مَن يستحقّون أن يُصنَعوا من صلصال أصفر ثمين...

-

من موقعي بين أغصان شجرة ضخمة مُزهرة متّعتُ ناظريّ بتأمّل القرية الجميلة التي سكنتُها للثّلاث والعشرين سنة الماضية.

شعري الغزير حالك السّواد المُناقض تماماً للألوان الزّاهية التي تميّز جسدي الأصليّ _والذي حصلت عليه من جديد بعد وفاتي_ عبق بأريج الأزهار النّقيّ، وبغرابة تمنّيت أن يغرس آكي رأسه الصغير بين خصلاتي ويشتمّها؛ قد تنعتونني ب'المجنونة'، وبأفضل الأحوال ب'الخائنة' ولكنّي أشعر أنّ الأسرار التي تغلّف هذا الإنسان المميّز ستنقشع قريباً جدّاً. وسيظهر معها سبب تعلّقي الغريزيّ به..

آكي لم يحتفل مع سائر أبناء قريته في الأسبوع الماضي وكلمّا استفسر عن ذلك أحدهم هو سيجيب باقتضاب شديد كمَن يرغب بالهروب بأقصى سرعة يمتلكها "هذا لأنني مشغول" "أنا أتحضّر لتخرّجي كما تعلم" أو أنّه سيقول ببساطة "أنا لا أؤمن بهذه الأشياء"

بالرّغم من أنّني أرغب بقضاء كل الأوقات برفقته وحتّى في أحلامه، حاولت جاهدة حمايته منّي ولم أقترب منه يوماً للحدّ الذي من الممكن أن يتسبّب له بأذيّة مهما كانت.. وأشعر أنّه قوي كفاية ولا يحتاج حمايتي

تجاوزتُ حدود عقله مرّة واحدة، كان هذا منذ زمن طويل، وتحديداً في مراهقته، حينها كان لا يزال يتعرّض لمحاولات قتل شنيعة بتكرار وبانتظام من قِبَل أسلافه الكارهين لوجوده هذا الوجود الذي فرضته عليهم بما تبقّى لي من قوى

تعب الشّاب اليافع آكي من حياته الصّعبة ومن أشياء خبّئها جيّداً في أعماقه، فحاول الانتحار.

في ذلك الوقت دخلتُ المشهد ومنعته عن الجريمة التي كان سيرتكبها ليس فقط بحقّ نفسه ولكن أيضاً بحقّي وبحقّ حبيبي الذي انتظر هذه الفرصة طويلاً، في الحقيقة؛ نحن انتظرناها سوياً لآلاف السّنين الطّوال المُضْنِيات..

فعلتُ ذلك وأنا جاهلة تماماً بشأن الرّابط القوي الذي يصلني بهذا المُتعب من هول أعباء ثقيلة حتّى على ساكنيّ السّماء وساكنيّ الجحيم.. فكيف ببشري صغير مثله!

لم أزُر الجنوب أبداً.. عاش أبنائي وأحفادي وأحفادهم من بعدهم في مكان بعيد عن هنا، ولكن وبلحظة ما وجدتُ نفسي أتخلّى عنهم وهم آخر ما تبقّى لي من حبيبي فقط لآتي إلى هذه القرية الصغيرة!.

في البداية وجدتُ الأمرَ غريباً، ولكن وبينما أحاول كسر ما يأسرني هنا في هذا المكان البسيط الغريب؛ صادفتني عائلة صغيرة، زوجَين على وجه الدّقة، كانا بمنتصف الثّلاثينات بالفعل ومهما حاولا الإنجاب فإن ذلك لا ينجح، كان الأسلاف غاضبين بشدّة، بغرابة اجتمع جميع أسلاف هذين البائسَين على قرار واحد ومنعوهما من الحصول على طفل لعشر سنوات عانى الزوجان خلالها بشدّة نفسيّاً وجسديّاً..

وبالرّغم من أنّ الأمر لا يعنيني، تخطّيت الأسلاف الحاقدين وسمحت لآكي بالوجود.

كان هذا حقّهم وأنا ببساطة منعتهم عنه!. لم أتدخّل في هذه الأمور أبداً لا قبل العقاب الذي وقع عليّ برفقة حبيبي ولا بعد وفاتي. لطالما كانت هذه الأشياء خاصّة بالأسلاف للبتّ فيها، ولكنّ قوّة غريبة جذبتني من أقصى الشّمال إلى هذا المكان الصّغير، فقط لأكون مع آكي..

🌌

لمّا قرأت رواية ليزا سي (موعد مع القدر) قلت لنفسي كمان أنا لازم اكتب شي بجوّ صينيّ عتيق!.. وصار..

-

حبيب أبديّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن