الفصل الثالث || الشجعان يسقطون أول المعركة

1K 24 80
                                    



في نفس الليلة الظلماء. تقدمت جين خطوات غير ابهة بما ينتظرها خلف ذلك الباب. وحتى مع زحمة النجوم فإنها لا تضيء كفاية هذه البقعة من الأرض, ما جعل منها أشبه بارض ملعونة ملقية جانبا بعيدا عن مرأى السماء. تقدمت جين تتبع ذلك الضوء الخافت المتسلل من الباب كأنها حشرة تقترب من مصيرها المحتوم. حاول دومينيك أن يوقفها فنادى بها لكن بصوت خفيض فمن هو ليوقف تلك الفتاة الشجاعة التي ستمرغ بانف فيفيان التراب.

جين اقتربت من الباب بل ودفعته حتى انفتح على مصراعيه, تدفقت الشجاعة أثر ذلك المشهد مع الدم في عروق البقية وتحركوا نحو تلك الفتاة الشجاعة كأوراق الشجر في فصل الخريف تحملها مياه الأنهار المتدفقة, بخفة وبقوة.

-فيفيان: "على مهلك. لن ادعك تسرقين الأضواء" قالت وهي تلهث حين وصلت الباب.

-ادرين: "ما عاش من يسرق منك الأضواء حبيبتي" وقف منتصب القامة بقربها.

-فيفيان: "اوه حبيبي"

-دومينيك: "اوه حبيبتي, اوه حبيبي, ...الخ" قالها بسخرية.

-فيفيان: "اخرس" ثم صاحت على جين إذ حسبتها تضحك "على ماذا تضحكين"

-ادرين: "دومينيك! كيف تجرؤ, اتلقي النكات على حبيبتي؟"

-دومينيك: "لقد سبقتنا جين وتسمي نفسك رجلا؟ سألحق بها وأكملوا انتم ما بدأتموه" ثم سارع الخطى الى داخل الكنيسة.

وعند الرواق الطويل المؤدي الى البهو الرئيسي ارتطمت تلك الأوراق التي يحملها النهر بالصخور. وقف الجميع منبهرين بالمساحة الشاسعة والعمدان المزبرجة بحجارة لامعة, كل متر من هذه المساحة الكبيرة قد استغل ببراعة. تماثيل باجنحة واعمدة منحوتة ولوحات معلقة و ثريات كلاسيكية متدلية من السقف تحمل شموعا مضائة! "اليس من المفترض أن تكون الكنيسة غير مأهولة؟" قال ادرين.

خلال هذا الصمت المطبق وقبل ان يتقدموا اكثر داخل الرواق لاحت فكرة سخيفة لفيفيان "من يصمد لوحده في الكنيسة مدة ربع ساعة يفوز بلقب ملك التحدي" قالت ثم نظر تجاهها دومينيك مستغربا من عقلها الطفولي "كم عمرك فيفيان؟" وسرعان ما اعترض ادرين دومينيك قائلا بغضب "لا تقتل المتعة يا رجل إن كنت لا تستقوي فعلها تنحى جانبا!"

وأثناء تلك المشادة الكلامية برزت مقاتلة باسلة قالت إنها ستكون الاولى. تنفسا فيفيان وادرين الصعداء, لقد افتدى شخص المجموعة.

خرج الجميع من الكنيسة. أوصدوا بابها بإحكام بينما ظلت جين في الداخل تلعب دورها بشجاعة "لن يفتح الباب قبل أن تكتمل الربع ساعة" قال ادرين ممسكا بساعة جين التي أبقاها معه "هذه هي القاعدة الوحيدة". قد تأكد الأشخاص في الخارج أن الباب لن يفتح وذلك بحشر خشبة بين مقبضيه. ثم لاحظوا بعد حين أن الوضع خارج الكنيسة اخطر بكثير منه داخلها, فها هي القبور تحيط بهم متكئين على باب بارد متهالك يهتز مصدرا صريرا كلما هبت ريح وصفير يخرج من بين الاشجار. "ايايي" صاح ادرين ففزع الجميع, ثم تنهد "اه انها الريح حركت سروالي".

داخل الكنيسة, تتسكع جين بين جدرانها المثقلة بالفن والتاريخ تتأمل هنا وهناك وعلى وجهها ابتسامة. المكان هادئ في الداخل والضوء المحمر كلون وجنتيها يساعد على الاسترخاء وتلك الرسومات تلامس الروح؛ وكيف لا وان روح جين متعلقة بالرسم تعلق الرضيع بأمه. تقدمت تلك الفتاة المثابرة وها هي تدخل البهو الرئيسي حيث يتسع المكان أكثر وتتوزع الابواب في محيطه وتتفرع منه بعض الممرات؛ سحرها المكان وهي تطالع سقف الكنيسة المرتفع والسلالم الصاعدة إلى عدة غرف لا تدري أي مكان تقصده اولا, خاصة وان عندها ربع ساعة ليس الا وهي فترة قصيرة لن تشبع فضولها.

وأثناء تجولها في البهو لمحت جين حركة غريبة على احدى اللوحات المعلقة. هل هي بفعل ظلال الأعمدة التي تتمرقص مع حركة نيران الشموع؟ الفتاة المرسومة باحدى اللوحات, قد تحركت؟ فركت جين عينيها, لعلها مرهقة. خَطَتْ جين نحو الجدار ومع خطواتها كان هنالك وقع خطوات أخرى تنقر الارضية! وقفت مكانها وقد اقشعر بدنها وهي تسمع تلك الخطوات تقترب منها أكثر. قد علمت من ثقل تلك المشية أنها لا تعود لزملائها فاستنتجت وبمساعدة الشموع ان الذي خلفها ليس إلا ساكن هذه الكنيسة! إن كانت الكنيسة مهجورة من الأساس فما تفسير الشموع المُشعَلة ورتابة المكان؟ جين كانت تعلم أن تلك الحكاية عن الكنيسة غير منطقية. يا للاحراج هل تطفلت ليلا على مبيت شخص آخر؟ يبدو انها خُدِعَتْ من قِبل الجميع, ماذا تقول وكيف تفسر دخولها هذا المكان دون إذن صاحبه!

اقتربت تلك الخطوات الثقيلة وصداها يرن رنين الجرس وقبل أن تلتفت جين نادى منادٍ بصوت عميق "يا لوقاحة هذا الضيف, يدخل بيوتاً دون أن يطرق أبوابها؟". ارتعدت فرائص جين من ذلك الصوت الرهيب؛ كان مرتفعا وفي الوقت ذاته خفيض, مسموع وغير مسموع, كان يجمع التناقضات في نبرته؛ يتكلم دون أن ينبس ببنت شفة! ولما التفتت جين وجدته رجلا قد غابت ملامحه بسبب الظلمة, طويلا لم يستطع ضياء الشموع ان يتسلقه. وخلفه كان يقبع الرعب الحقيقي, حوافر ماعز تطرق الأرض يكشفها الضوء شيئاً فشيئاً.

____________________________________  

احسني نزلت ابكر من المتوقع :v

كاتدرائية تير دي سافيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن