"رسالة"

14 5 39
                                    

جالسٌ على مكتبه، يراقب ملفات المرضى الموجودة على حاسوبه الموضوع على المكتب بعناية، متأملاً تلك الورود الموضوعة في ذلك الكأس الزجاجي المملوء بالماء، والتي قامت بوضعها الممرضة بولي امامه بغمزة لطيفة منها جعلته يذوب سعادةً من داخله..

رغم أنه متزوج ويملك ثلاثة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر سبعة أعوام، وأصغرهم ابنته ليليانا التي بلغت الثانية قبل يومين..

كان جالساً وبعد مللٍ شديد، أمسك فنجان قهوته وبدأ يشربه وهو متأملٌ في المنظر خارج هذا المستشفى الكئيب..

أحياناً كثيرة يكره كونه طبيباً، أو لنكون صادقين أكثر، الطبيب الأشهر في البلاد كلها، والذي يعمل تحت إمرته عشرات الأطباء الاخرين.. نعم، إنه الطبيب آدم وينتر البالغ من عمره ثمانية وثلاثين ربيعاً..

رغم تفكيره المستمر في عمله، وتحديقه بتلك النافذة لفترة طويلة جعلت من كوب القهوة الذي يحتسيه بارداً كبرودة الثلج.. دخل مساعده مارك مقاطعاً لجلسة الاسترخاء التي كان ينعم بها قائلاً:

-اعذرني على الإزعاج دكتور وينتر..

-ما الذي تريده يا ارك؟ ألا ترى أنني مشغول؟

-انا آسف سيدي ولكنني ظننت أن هذا هو وقت استراحتك لذلك أتيت..

-انطق! ما الذي تريده؟

-حسناً.. في الواقع.. أنا أطلب منك أن تمنحني إجازة لمدة يومين مخصومات الأجر. والدتي متعبة وأنا..

-كم مرةً يجب علي إخبارك أن العطل شيءٌ ممنوعٌ عندي؟ ألا تعلم أن مهنة الطبيب هي أنقى وأهم مهنة على هذا الكوكب؟

-بلى سيدي!

-إذا إياك أن تطلب مني هذا الشيء مرة أخرى.. أنت طبيب.. وعليك الاهتمام بالمرضى من حولك.. عليك أن تحرم نفسك الراحةمن أجل الاعتناء بهم. خذني أنا على سبيل المثال، طيلة مسيرتي المهنية لم أغب الا يوما واحدا وهو عندما توفي والدي وعدت الى العمل في اليوم التالي وكأن شيئا لم يكن

-هذا من قوتك سيدي!

-إذاذ لا اريد ان اسمع منك اي اعذارٍ أخرى .. أخرج واغلق الباب خلفك .. هيا تحرك!

مشى مارك بخطوات متثاقلة تجاه الباب ولكنه التفت مرة اخرى نحو آدم وقال له:

-سيدي، شيء اخر.. المريض رقم 207.. لقد مات!

-ماتت اذا.. هاه؟ لقد فعلت كل ما بوسعي.. علي الان ان اذهب وأخبر عائلتها .. أليس كذلك؟

-أ..أجل سيدي

-أترى يا مارك، هذا هو الجانب السيء من كونك طبيباً.. عليك أ، تتعامل مع الموت أنه صديقك، أن تتعامل مع الخسارة كأنها ربح.. أن تتعامل مع الميت وكأنه حي.. هذا هو ما يعنيه ان تكون طبيبا

Would you rather..?حيث تعيش القصص. اكتشف الآن