" تهجير "

85 7 7
                                    


كان موقفاً لا نحسد عليه ..
كنّا كمن تم إلقائه في البحر و ليس معه سوى قطعة خشب يتعلق بها ..
فلم يكن والدي يدخّر شيئاً لمثل هذه الأزمات ، ربما لأنه كان يتكل على جدي الذي كانت عنده ثروة !
أو بالأصح .. ربما لأن جدي كان يستحوذ على راتبه بالكامل و لا يعطيه منه شيء ..

أذكر ملامح والدي الباهتة رغم عنفوان شبابه فلم يكن قد بلغ الثلاثين حينها .

______________________

كلّما استرجعت ذاكرتي في هذا الموقف اتسائل ، لما كانت تلك البسمات على أشداق عمّاتي حين خرجنا ، أهو فرحٌ بالبيت الذي سينتقلون له ! أم شماتةً بنا ؟!
‏و كأنهم في مأمنٍ من أن تنقلب عليهم الآية يوماً !
فيطالهم ما طالنا ..و فعلاً
هذا ما حصل مستقبلاً

‏فقد باع جدي بعد ذلك كل أملاكه ..!
قلت لكم .. تصرفاته جنونيه
____________________

كنّا صورة مصغّرة لتهجير عام 48 ..

‏ سرباً صغيراً تائهاً، أدنى ريح تبعثره ..
‏سارت قافلتنا الصغيرة ، و لأول مرّة يكون أبي هو الربّان ، وكنا كمساجين تازمامارت في أول أيام الحرية .. ربما كانت تلك أول الحسنات

من المؤلم أن يتم التخلي عنك في قارعة الطريق ، و أن يتنكر لك من هو أولى بك ..
أن تمسي لا جبل تلوذ به ، و لا سند تتكئ عليه ..
بل و تنبذك تلك الشجرة التي ربوت في أغصانها
فتتخلى عنك للسقوط ، حتى تجف و تذبل ..

‏"جحودٌ و قطيعة"

رفض جدي أن يقدم أي مساعدة لوالدي
بل و طرده مهدداً إياه من أن يراه مرة أخرى !
صدقوني هذا أمر مبالغ فيه و غريب جداً
و قد سألت والدتي مراراً عن هذا الأمر ، مالذي جعل جدي يتصرف هكذا ؟
هل فعل والدي ما يغضبه !!
وكانت ترد في كل مرة : بأنه لم يبدر من والدك
أي شيء ، و لكن لعلها حيلة من جدك
لكي يجعله ييأس من طلب مساعدته ..
!

وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة ً
‏على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد

-طرفة

______________

بعد بحثٍ طويل وجد أبي منزلاً صغيراً بشقّ الأنفس ..
استطاع التفاهم مع صاحبه لكي يؤخر الإيجار ريثما ننهي تأثيث المنزل بالأولويات
صحيح أن كل تلك الرفاهية ببيت جدي لم يستطع والدي توفير جزء منها ..
إلا أن هذا المنزل في بساطته و تواضعه ، كنّا فيه نُشرق كلّ يوم ، نتكلم نصرخ و نغني نخبر العالم أننا موجودون ، نشاهد التلفاز و نخرج إلى الشارع و نلعب مع الجيران .. كانت هنالك حديقة بجوار منزلنا
يلتقي فيها الجيران ومعهم أبنائهم ..
لقد كسبت والدتي صديقات بل أخوات
فجاراتها كانوا يعاملوننا كما يعاملون أبنائهم ..
كانت أيامنا تلك ممتعة بشكل لا يتصور
ربما لأنني كنت طفلاً حينها و أحب اللعب
كثيراً .. !

أما والدي فقد كان يقضي أغلب وقته
في العمل ..
ولربما غاب عنا يوماً كاملاً
بسبب العمل ..
‏و كنا أنا و إخواتي نتشاكس إلا حينما يحضر أبي إلى البيت فإن كل شيء يتغير ، أصواتنا ، حركتنا ، و حتى والدتي تصبح مخيفةً أكثر من الآنسة منشن .

‏فيدها الناعمة تصبح لاسعة حينما تغضب 😅
و كل ذلك لكي لا نزعج أبي أثناء فترة راحته

_______________

رُوُحٌ تَائِهَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن