" أقنعة "

58 8 6
                                    


في أحد الأيام حضر لبيتنا عمي الأوسط
لنقل أن اسمه ( خالد )
كان عمره انذاك 23 عاماً
يدرس في الجامعة
أذكره عندما دخل منزلنا بـ (كشخته )
كنت في المجلس مع أبي يتحدثان
و كان أبي فرحاً مبتهجاً ..
فهذا أول شخص من أسرته يزوره بعد عامين من القطيعة
و ربما كان ما أصاب أبي حينها
هو نشوة الإنتماء و وجود العزوة ..
" عزوة " !! 🙄

كنا نتلصص على المجلس من خلف باب (المقلط)
كعادة الشعب 😅
كنا مبهورين بهذا الشخص المهندم
و رائحة عطره التي ملأت كل بيتنا
و بيوت جيراننا على ما أظن .. أظنه شرب زجاجة العطر !
وملابسه الفاخرة جداً و التي تكاد تعمي أبصارنا ببريقها
و حتى جزمته التي يلبسها .. جزمته !!
أنه لم يخلع جزمته عند باب المنزل !!
"اااااه الله يقطع رجله  " كانت أختي
الكبرى التي تساعد أمي في ترتيب المنزل.. خخخخخخخخ

المهم ..
كان عمي قادماً ليخبر أبي بالعفو الملكي الذي منحه له جدي
و هذا يعني أن المقاطعة انتهت و الآن بإمكاننا الرجوع و تقديم
فروض الطاعة و الولاء من جديد ..

‏كنّا أنا و إخوتي في الغرفة المجاورة نتقافز بحماس
أوووه سنزور بيت جدي !! ياللهول ..
‏كانت أعيننا تشع فضولاً
‏نريد أن نعرف أين يعيشون
‏و كيف سيكونون .. إنها عامان يا قوم !

كانت الفرحة لا تسع أبي
حتى أنه أخذنا للحديقة
و اشترى لنا وجبة عشاء كما في المسلسلات
(بروستد) 💕🥺

أما أمي فكانت مبتسمة ابتسامة مبهمة
لم تعلق بشيء غير أنها فرحة لفرح والدي فقط
فربما كان في هذا الأمر خيرة للجميع

" الحمدلله"

‏_________________________________

جاء اليوم الذي تقرر أننا سنزور فيه بيت جدي
كانت التعليمات صارمة من والدتي ،  مليئة بالحذر
‏و كأننا سنسير في حقل ألغام ألماني ..!

توقفت سيارة أبي أمام منزل كبير
واااااااااو > كنا سامعينها بمسلسل و بنسوي نفسنا منبهرين 😂
بس الصدق كانت عيوننا كلها نجوم
تقافزنا من السيارة سريعاً
لكن كلمة : " يا ولـددد "
كفيلة بجعلنا ننضبط كلنا ونسير خلف والدي ووالدتي بأدب
دخلنا ذلك البيت ..
و نحن نحاول الالتزام بلائحة التعليمات ‏>> تبّاً لقوانين الكبار 🙃
كان لدينا شغفٌ أكثر من آليس في بلاد العجائب ، نعم ..
‏فبيت جدي لطالما كان يعكس الثراء على عكسنا نحن تماماً ، أطفال صغار ملابسهم رثّة و كأننا الجرذان من حيّ ماريه .
اللعنة .. أشعر بكمية أدرينالين يتدفق عبري
يكفي لإغراق مدينة ..
ااخ أشعر بحكّة في جسدي

استقبلنا بعض أعمامي و جدتي
> و أظنها الشخص الوحيد الصادق في مشاعره بينهم
‏فقد كانت عائلة أبي يمتلك أفرادها تعاملاً يجعلك تعتقد للوهلة الأولى أنك محبوب لديهم و أنهم طيبوا القلب كالملائكة ..

كأطفال صغار كان هذا القناع هو أبعد نقطة تراها أنظارنا الشحيحة للتجارب،لذلك كنّا ننخدع به .
‏ولكن مستقبلاً كانت مرايا المواقف تكشف كُنْهَ تلك القلوب الموحشة ، و علمنا أن من يرقد في سرير الملاك ما هو إلا ذئب جائع ..

____________________________

كان يوماً مليئاً بالكثير من الابتسامات الزائفة
و التملق و المجاملات اللامتناهية ..
أما بالنسبة لنا نحن الصغار فقد قمنا بمسح
جيولوجي دقيق لكل شيء ..
دخلنا غرفة جدة أبي وكانت امرأة طاعنة في السن
وكانت تحب والدتي كثيراً ..
ربما لأن كلتيهما ابنة ذات القرية
حتى أن جدي الجامح يختفي صهيله أمام هذه العملاقة
فقد كانت كصوت الكنيسة الذي يحجّم سلطة التاج

‏انتهت الزيارة ، وخرجنا نحمل بعضنا كجنود منهكون ، وكان لوالدي نصيب الأسد ..

كنا في السيارة عائدين لبيتنا
بعضنا نائم و الآخر ينعس ..
سمعت أمي تقول :
" لقد كنت أشعر بأن هذا سيحصل "

أما أبي فأطلق تنهيدة ينفّس بها عما في صدره ..
علمت بعد ذلك أن جدي ( أمر )
والدي بتخصيص نصف راتبه لجدي
(جزية) ..!

كانت صدمة والدي بجدي كبيرة
ليس لطلبه الذي طلبه ، فهو لن ينفذه بلا شك
فوالدي لم يعد في نطاق سلطته ..
ولكنها


خيبة ..

رُوُحٌ تَائِهَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن