الفصل الثامن.

197 13 2
                                    

الفصل الثامن
#بقدر_الحب_نقتسم
#فاطمة_علي_محمد

لُهاث قوي تدوي أصداءه بين جنبات المكان، ضربات قلب مستجدية تتوسل الصفح والغفران، حبات عرق متدفقة تبحث عن عنوان؛ كل هذا نتيجة المجهود المضني الذي يبذله "يحيي" بلكمه وركله لكيس الملاكمة هذا وهي يتذكر كلماتها تلك، أتظنه مجنون ويحتاج إلى طبيب نفسي؟! أهذا لأنه أعترف لها بجُرمه وضعفه؟!
كل هذا وهو يصرخ بقوة مستجديًا بعض ذرات الهواء تثلج قلبه المُحترق من كل شيء.
شدد "يحيي" على خصلات شعره المبلل وصدره يعلو ويهبط بقوة كبيرة،
ليسمح لجسده أخيرًا بالانهيار أرضًا،
وهو يضرب الأرض بقبضته صارخًا بكامل صوته:
- ليه يا "مريم" ليه تستغلي ضعفي وانهياري؟! ليه؟

ويعود بذاكرته لتلك الليلة التي سقط فيها قناع قوته كاشفًا عن ضعفه واحتياجه.

أيام تمضي كالدهر على "يحيي" في ظل تلك الحالة النفسية السيئة لـ "مريم" بعدما فقدت ابنهما، حاول كثيراً التهوين عليها، والشَّد من أزرها إلا أنه فشل في كل هذا، فهي امتنعت عن عملها، وباتت تقضي ليلها ونهارها نوماً، أهملت حياتها، وحالها، كما أهملت وجوده، فكأنما العالم توقف عند هذا، عانى كثيراً وهو يقنعها أنهما ببداية العمر، وأن عوض الله آتٍ لا محالة، إلا أنها كانت تصم آذانها عن كل هذا.
أصبحت حالة "يحيى" يُرثى لها، أهلك الحزن فؤاده، إلا أنه لم يكن حزنًا على ابنه الذي فقده فهو يؤمن بأنه قضاء الله وقدره، بل كان حزنه على معشوقته التي بدأت تذوب كشمعة منصهرة كادت أن تودع آخر خيوط نورها، صال وجال في الشقة مشتاقًا لصوتها العذب، رحيقها الآسر، أنفاسها الدافئة التي كانت تعم مسكنهما.

زفر "يحيي" زفرة قوية وهي يُلقي بجسده مستلقيًا على أريكة الردهة مستندًا برأسه أعلى ساعديه اللذان أصبحا متكأً له وأخذ ينظر إلى سقف الردهة بشرودٍ قوي لدقائق طويلة وهو يتنهد بأنفاسٍ مسموعة، أنفاس انتصر عليها صوت إشعارات هاتفه باستلام رسالة الكترونية، إلا أنه لم يُعيرها أي اهتمام. رسالة تلو الأخرى والنتيجة واحدة، فالوضع على ماهو عليه، "يحيي" يرمق السقف بسخط قوي وهو يغمغم باستياء : - افصل بقا.

إلا أن الرسائل لم تهدأ قط، فتنهد "يحيي" بقوة وهي يلتقط هاتفه لإغلاقه متمتمًا :
-  أنا هقفلك..
لم يكد يُتم كلمته هي هبَّ معتدلًا في مجلسه وهو يطوف شاشة الهاتف بأحداقٍ غير مُصدقة، ليفتح الرسائل بلهفة هامسًا : - "نجاة" .

ولم يطق صبرًا حتى يُتم قراءة الرسائل،
فقد أجرى اتصاله بها وهو يجوب الردهة بلاوعي مغمغًا :
- أخيرًا.

ما إن أتاه صوتها المِغْناج حتى هتف بقلب يتقافز غضبًا :
-  إنتِ كنتِ فين؟ وليه بعدتي عني؟ إنتِ عارفة أنا كنت عامل إزاي وانتِ مُختفية؟ إنتِ ليه بتظهري في حياتي بمزاجك وتختفي بمزاجك؟! ردي عليا.

أجابته بصوتها الذي كان له اكسير الحياة  وبعذوبة ودلال جامح :
-  وحشتني.

كطوق حياة لغريق يحارب للنجاة، أو كمياه باردة أطفئت نيران مُتقدة؛ كانت كلمتها تلك، فقد هدأت نيران "يحيي"، وارتخت قسماته وهو يهمس باشتياق جارف : - وحشتيني.

رواية / بقدر الحب نقتسم.. للكاتبة /فاطمة علي محمد (مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن