الفصل السادس
#بقدر_الحب_نقتسم
#فاطمة_علي_محمدانتشلت "مريم" من ذكرياتها تلك الدقات الخفيفة على باب غرفتها لتجد قلبها يصارع الحياة شوقًا بين أضلعها، وأعينها تضج بعشقٍ امتزج بعبرات العتاب واللوم،
لتعود تلك الدقات ثانية فتزيل ما علق بأهدابها ووجنتها من عبرات ناهضة من مكانها هامسة بحمحمة:
- حاضر.عدلت من هيئتها قبل أن تفتح باب الغرفة لتجد والدها بابتسامته البشوشة الطيبة،
فردت بإبتسامة خفيفة :
- اتفضل يا بابا.ولج "محمد" إلى الداخل وهو يحتضن يد ابنته بكفه جاذبًا إياها نحو طرف الفراش ليجلسا سويا قبل أن يردد بحكمة :
- مش هسالك مالك ولا إيه اللي حصل؟ لأن الجواب بيبان من عنوانه وإنتِ باين عليكِ إن الموضوع كبير، بس اللي هقوله ليكِ إن النار لو جالها شوية هوا من برة بتقيد وتأكل كل حاجة بتقابلها في طريقها ، لكن لو خلصت شوية الهوا الصغيرين اللي حواليها بتخمد وتطفى، فعشان كده بلاش توسعي مجالها وتدخلي ليها هوا من كل ناحية، وأي اختبار في حياتنا حتى لو كان صعب بالمحاولة والاصرار بيعدي وننجح فيه، وأعتقد إن حياتك تستاهل انك تحاولي عشانها، حطي الكلمتين دول حلقة في ودانك يا بنتي ، وأنا متأكد إنك هتعملي الصح، وتحافظي على حياتك اللي أنا متأكد إنك لو خرجتي من دايرتها تدبلي زي الزرعة لما تتقلع من أرضها.كانت ترمقه "مريم" بأعين هُزم بها الجمود هزيمة ساحقة، وأعلنت عبراتها انتصاراتها لتفيض من أحداقها شاقةً طريقها نحو شفاهها التي ارتجفت بأحرف غرست خنجرها بصدر والدها :
- أنا موجوعة قوي يا بابا ، حاسة إني لوحدي وضهري للحيط، اطعنت بخنجر مسموم رشق في قلبي، حتى لو تعافيت منه، أثره هيفضل معلم وسايب شرخ كبير جوايا، شرخ لا أيام تداويه ولا حتي زمن يقدر يمحي معالمه.تيقن "محمد" من شعوره الغامض بأن غيوم ضبابية قد حلت على أسرته الصغيرة، بل اختصت زهرته الرقيقة لتهرب عبرة متمردة من مقلتيه قبل أن تُلقي بجسدها بين ذراعيه آذنه لقواها بالخوار، وشهقاتها بالتصاعد.
أطبق "محمد" أجفانه بأسي وهو يربت على ظهرها مغمغماً :
- لو حابة تتكلمي في أي وقت أنا سامعك يا"روما".حركت رأسها بنفي هامسة بخفوت:
- مش عايزة اتكلم يا بابا.اومأ برأسه مرددًا :
- اللي يريحك يا بنتي، بس افتكري إني ضهرك وسندك في الحياة، وعمر ما هيكون ضهرك للحيط وانا موجود.شددت "مريم" من احتضان والدها متنهدة براحة كبيرة وهي تغمغم :
- ربنا يخليك لينا يا حبيبي.
***********
شقة "يحيي".
ولج من بابها حاملًا بين يديه باقة من الزهور البيضاء كقلب معشوقته ومعالم الندم تفرض سطوتها على قسماته، ليضع مفتاحه بجيب سرواله مطوفًا المكان كاملًا بأحداقه المستنكرة لذلك الهدوء الذي لم يعهده بمنزله، فهي دائمًا ما كانت تترنم بأنشودة عشق فرنسية تتقافز أحرفها فرحًا بين جنبات المنزل، ليهمس بعتاب لائم ذاته :
-تغني إزاي بقا وهي زعلانة مني؟!