الفصل الثاني.

314 15 2
                                    

الفصل الثاني.
#بقدر_الحب_نقتسم
#فاطمة_علي_محمد

غادرت "مريم" العيادة بعدما اصطدمت بمساعدة الطبيبة بقوة وبغير عمد وبدون  اكتراث أيضًا ، قصدت المصعد ضاغطة أزراره بأيدٍ مرتجفة، وأنفاس متصارعة، لكنه رفض الانصياع لأوامرها، وفضل البقاء بطابق آخر، زاغت أبصارها ما بين  المصعد والدرج  للحظات قليلة، حسمتها أخيرًا ، وهرولت نحو الدرج المُقفر لتتخذه طريقاً لفرارها، انحدرت طابق تلو الآخر بلهاث قوي
ومجهود مضنٍ، فدقاتها تلك ذاتها دقات  لقائهما الأول، استسلمت لانزلاقها بعدما نفذت طاقتها، وجلست بإحدى درجاته متشبثة بمضختها الثائرة في محاولة بائسة لإخماد تلك الثورة التي تجذبها نحو تلك البئر السحيقة من الذكريات الأليمة.
نهضت "مريم" من مقعدها بجسدٍ متقلص، وقلبٍ استوطنه الخوف والتوتر، إلا أن أحداقها لم تبالي بكل هذا، فقد استقرت بأحداقه بلقاء غامض ربما تحاول به سبر أغواره، أو إمدادها بمزيد من الخوف والهلع، كما كانت نظراته الأكثر غموضاً بتلك الغرفة، نظرات مبهمة معانيها، ومراسيها، أهي سكنت وطنها أم ما زالت تجول للبحث عن مرادها؟
ولج "يحيي" إلى المكتب منضماً إليهم بابتسامة أكثر جاذبية، زادته وسامة بطابع الحُسن المزين لذقنه الحليقة، وبشرته السمراء اللون، وأعينه البنية، أما جسده الرياضي بشكل عجيب علي موظف مثله، أو لربما كان من نمط الرجال المهوسين بلياقتهم البدنية، بينما نهض "محمد" هو الآخر من مقعده مستديرًا حول مكتبه؛ حتى بات على بعد خطوة واحدة من كلاهما، مردداً بابتسامة واسعة وهو يرمق  ابنته :
-  ده  "يحيى" يا "روما"،  شريكي الجديد بالمكتب.

والتفت بنظرته نحو "يحيي" مكملًا وهو يجذب ابنته  إلى جانبه، محاوطًا إياها بذراعه بقوة :
- ودي "مريم" بنتي مدرسة فرنساوي في المدرسة الخاصة اللي في الشارع اللي
ورانا.

ازدادت ابتسامة "يحيي" اتساعا وهو يردد بحفاوة وترحاب :
- أهلًا بيكِ يا أستاذة "مريم".

مسلوبة الإرادة وهي تومئ له برأسها بمعالم  مرتبكة، تشبثها بقميص والدها، وعبق أمانه الذي بدأ يتسلل إلى شرايينها وخلاياها، أخمد توترها كثيرًا ، لتقترب من والدها هامسة باستجداء خافت :
-  يلا نمشي من هنا يا بابا.

طوف معالمها بنظرته الحانية وهو يشدد على كتفها برفق مرددًا :
-  هجيب حاجتي ونمشي.

لم تجاوبه بأحرفها، فأقدامها اقتادتها إلى الخارج بهرولة قوية، وهي تضم حقيبتها إلى صدرها بقوة.
بينما التفت "محمد" نحو مكتبه، ملتقطًا متعلقاته الشخصية من جوال، و جراب لنظارته الطبية، وحافظة نقوده، مردداً بجدية وعملية :
-  أنا خلصت شغل يا "يحيي" يا ابني، بس لو محتاجني في حاجة ممكن أستني  معاك؟

استند "يحيي" علي طرف المكتب عاقدًا ساعديه أعلى صدره مرددًا  بابتسامة ودودة :
-  ألف شكر يا عم "محمد"،  نص ساعة كده وأخلص أنا كمان، اتفضل إنت عشان ما تتأخرش على الأنسة "مريم".

رواية / بقدر الحب نقتسم.. للكاتبة /فاطمة علي محمد (مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن