الفصل الرابع

2.1K 181 40
                                    

ما الحياة إلا رجل عصبي يفرغ ما يعانيه بنا على هيئة صفعات؛ صفعات مؤلمة بشكل مخيف!
كيف مات موسى!

انفض العزاء المقام بمنزل العائلة ثم عدت لبيتي أختبئ بمكانه على الجانب الأيمن من السرير، أحتضن قميصه الذي يحوي رائحته؛ فأضمه لصدري ضمًا شديدًا أملًا في اختراقه جسدي ليربت على قلبي.
ظللت على حالتي تلك ساعتين؛ أحتل مكان نومه، أحتضن ثيابه، أُقبل صوره!
دق جرس الباب وكانوا أهلي؛ فبعدما قدموا العزاء جاءوا ليصطحبوني للمنزل فلا يمكنهم تركي بالمنزل مع آلامي وحدنا، قوبل اعتراضي بالرفض، وكالعادة لم يستمع لي أبي، لم يحترم حتى نوبات أحزاني!

**********************

عدت لبيت والدي هشة ضعيفة لا أقوي على شيء، وما إن انقضت عدتي حتى أتى لي أبي بخاطب جديد!
وكالعادة قوبل رفضي بلامبالاة ثم غضب وصل حتى "لو مقعدتيش مع العريس اللي جاي لا أنتي بنتي ولا أعرفك وهكون غضبان عليكي ليوم الدين"!
كيف أجالسه وبعد موسى قد ماتت الرجال في عيني ولم أعد أود الزواج ولا حتى الحب!
جلست مرغمة مع "رامز" - العريس الجديد -، كان ملائما لحالميتي السابقة، كان ليصبح مناسبًا فقط لو لم يعد ما بداخلي مجرد خواء.
جلس في مقابلتي يقول بحالمية - تشبه تلك التي كنت عليها سابقًا -:
- بصي يا رغد، أنا مبعرفش أزوق الكلام، أنا محتاج أعترفلك إني بحبك من زمان، من قبل حتى ما تتجوزي هادي، أنا كنت بشوفك كل يوم بحكم الجيرة، ولما جالي فرصة شغل برة سافرت عشان أقدر أكون نفسي ولما رجعت لقيتك اتجوزتي مرتين، بس ده كله مش مهم، المهم إني بحبك ولسة عايزك في حياتي.

لم يساعدني حلقي الجاف على نطق ولو حرف به أوافق أو أرفض، لم أكن أعلم هل أفرح لأنني أخيرًا وجدت الحب، أم أحزن لأنه أتى متأخرًا!

وقبل أن أرد، دخل أبي ليقول:
- بيتهيألي الأمور تمام، شكلك فرحان يا رامز.
ابتسم بسعادة لم ألمسها في رجل عرفني قبله ثم قال:
- أكيد يا عمي، بعد إذن حضرتك أنا فاضلي شركة في روما مصفتهاش، داخل صفقات هتستمر لمدة سنة ومقدرش أنهيها وإلا هدفع الشرط الجزائي، أنا نزلت إجازة عشان ألحق رغد قبل ما تروح مني تاني، وعايز أسافر وهي مراتي.
هنا تحرك لساني صارخًا:
- لأ!
نظر الجميع نحوي بقلق إلا والدي؛ نظر بتحذير أجبرني على ابتلاع رفضي قائلة:
- قصدي احنا لسة منعرفش بعض كويس.
قال أبي ولازال يخصني بنظرة التحذير ذاتها:
- مفيش مشكلة، يبقى تكتبوا الكتاب وتتعرفوا على بعض خلال السنة في المكالمات والإجازات بتاعت رامز.
أومأ رامز بفرحة عارمة:
- اللي حضرتك تشوفه يا عمي!

**********************

عُقد قراني للمرة الثالثة، وخلال السنة لم يدخر رامز جهدًا في رسم البسمة على وجهي، ذكرني بموسى أيام عقد قراننا، نفضت هذا التفكير عن رأسي فآخر ما أوده الآن أن أكون الزوجة الحنّانة!
يُحكى أن أحد الأعراب الحكماء وجّه نصيحة لابنه المقبل على الزواج فقال له "يا بني؛ سبعة أنواع من النساء لاترتبط بهن، لا تنكح المنّانة ولا الأنّانة ولا الحنّانة ولا الحدّاقة ولا البرّاقة ولا الشدّاقة ولا عشبة الدار"؛ والحنّانة هي كثيرة الحنين إلى ماضيها كأهلها وزوجها السابق إن وجد، وبالطبع لن أكون هي!

ومرت السنة وقد نجح رامز في اقتحام قلبي المحطم والذي تمكن من لملمة بقاياه، وتزوجنا.

**********************

لا أعلم ما علاقة الجفاء بالزواج، هل هما متلازمان!

كان هذا هو السؤال الذي طرحته على رامز الذي قل حبه بمرور الوقت وكانت إجابته:
- بصي يا رغد، فترة الخطوبة وكتب الكتاب بيكون فيها الراجل متشوق لحبيبته، خايف تضيع من إيده، لكن لما بتبقى في بيته بيبقي ضامنها شوية فبيهتم بحاجات تانية زي شغله مثلا وأهو عشانها برضه بس حتة الحب والرومانسية دي بتختفي مع الوقت، بنكبر وبننشغل وهكذا، مش معنى كده إني مبقتش أحبك.
ضممت كلتا يدي ثم سألته:
-بس أنت بتعاملني بحب قدام الناس، اشمعن؟
وضع الفرشاة أمامه، ثم بدأ بتفحص نفسه أمام المرآة وهو يرد بهدوء:
- طب المفروض تحمدي ربنا إني بحترمك قدام الناس، ده أنتي نفسك قايلالي صحابك بيحسدوكي عليا.
أنهى شرح وجهة نظره، ثم نظر في ساعته قائلًا:
- أنا اتأخرت على الناس،  متستنينيش عالعشا عشان عندي عشا عمل.
ثم قبل قمة رأسي وهو يودعني:
- يلا سلام!

على تفسيره؛ كم كان الزواج ليصبح ناجحًا لو لم يتجاوز عقد القران!

**********************

أعلم أن النهاية صادمة، وأن أغلبكم كان ينتظر النهاية السعيدة التي أجد فيها الحب الذي لطالما تمنيته ولكن حكايتي ليست رواية!
لا أخفيكم سرًا؛ أنا أحدثكم من أرض الواقع!


عايزة أتجوز "مكتملة"💙!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن