الفصل الثاني

2.1K 199 38
                                    


لم يوافقني في قراري سوى أمي التي شعرت أنني أتآكل من حسرتي على الحب الذي لم وربما لن أجده، قال أبي أن هذا "كلام ماسخ" بينما ردد أخي "دلع مِرِئ"!
وأما عن هادي فلم يكن ليتخيل أن الأمر سيصل لدرجة الطلاق!

جلس هادي في مقابلتي ليتساءل بدهشة:
- أنتي بتتكلمي جد يا رغد؟ عايزة تطلقي عشان مبقولكيش بحبك!
تنهدت باختناق وأنا أراه رغم طلبي الطلاق لم ينتبه بعد إلى شيء، ليعضد بداخلي شعور الثقة أن قراري صائب، لذا قلت:
- لأ يا هادي، مش عشان مبتقوليش بحبك، عايزة أتطلق عشان أنت مش معايا أصلا، أنت بتعملّي إيه يا هادي؟
غضب من جملتي الأخيرة ليتساءل بعصبية:
- بعملّك إيه! وأنا امتى أخرت عليكي حاجة أصلا!

طفح الكيل!
انفجرت الكلمات مني دون وعي:
- بتعملي إيه في حياتنا غير إنك بتصرف عليا، هو ده الجواز بالنسبالك؟ طب ما أنا كنت فضلت في بيت أبويا معززة مكرمة وأهو كان بيصرف عليا برضه، على الأقل مكنتش تضطر تبقى مسؤول عني.
نظر لي بعدم فهم أو بالأحرى عدم قبول لما يحدث ثم قال:
- رغد....
قاطعته قائلة:
- من فضلك يا هادي، ده طبعك ومش هتغيره، وأنا مش مضطرة أتقبله، حرام عليا أدفن شبابي بالشكل ده، طلقني وخلينا نفضل محترمين بعض، وكويس إننا لسة مجبناش أطفال عشان كانوا هيتظلموا أوي.

أصبت كرامته!
ومن يقبل أن يعيش مع امرأة تنعته "جافًا" وإن كان هذا وصفه الأمثل!

كنت قد وليته ظهري حين نادى بثبات بدا لي مزيفًا وحين رددت قال:
- بالليل بعد صلاة العشا بإذن الله هجيب المأذون وآجي، عن إذنك.

وأتى الليل سريعًا!
نعم أنا من طلبت الطلاق لكن الأمر مهيب، أجلس أنا ووالدي وأخي في مقابلة هادي والمأذون، تمسك أمي بيدي تدعمني ويضم هادي قبضته بضيق!

- أنتي طالق!
قالها باختناق بعدما طلب منه الشيخ أن يلقي اليمين، لا أنكر أنني شعرت بالاختناق ذاته، مهما يكن فقد أصبحت عشرينية حاصلة على لقب "مطلّقة"!

**********************

مرت الأيام تشبه بعضها، يتشبث والدي بأي رجل يطرق بابه فمهما كان؛ أظل أنا الفتاة التي لم تُعمِّر، بل طُلقت في عامها الأول!

وفي ليلة من تلك الليالي التي اعتدت فيها الخلاف مع أبي، حاولت أمي فض الشجار؛ احتجزتني خلف ذراعها الأيمن بينما ضربت بيُسراها على صدرها معتذرة:
- حقك عليا يا حاج، أنا هقنعها.
حاولت الاعتراض قائلة:
- يا ماما أنا أصلا عايزة أتجوز بس مش كده لأن.....
إلا أنها كتمت حديثي ليقول أبي:
- عقليها يا أمل، أحسن أنا خلاص قربت أفقد أعصابي من تصرفات بنتك.
انصرف أبي لتتنفس أمي الصعداء ثم التفتت إليّ لتتنهد قائلة:
- بصي يا رغد، أنا مش بقولك روحي اتجوزي دلوقتي، بس يا بنتي أنتي رفضتي رجالة بعدد شعر راسك، أكيد مش ناوية تترهبني، أنتي لسة قدامك العمر، مش عشان تجربة فاشلة توقفي عمرك كله، جربي يا حبيبتي، اقعدي مع العريس اللي جاي ده ولو مرتاحتيش نمشيه، محدش هيجوزك غصب عنك، عشان خاطري يا بنتي، متوجعيش قلبي عليكي.
وأمام نبرتها استسلمت:
- حاضر يا ماما.
قبلت جبهتي وهي تردد:
- ربنا يرضى عنك يا بنتي ويرزقك بابن الحلال اللي يريح قلبك.

**********************

"موسى"؛ الزوج المثالي كما ترائى لأبي وكما نعتته أمي، توسطت فراشي أتذكر لقائنا الأول...

بعدما غادرنا والدينا للغرفة المقابلة انتبهت له وهو يقول:
- إزيك؟
التفتت على صوته الهادئ، وسبحان من وضع قبوله في قلبي، حاولت أن أجلي حنجرتي نافضةً نبرة القلق منه لأرد:
- الحمد لله، إزي حضرتك؟
ابتسم بهدوء ليتابع:
- أول هام بلاش رسميات أوڤر بيننا، أنا اسمي موسى، ٢٨ سنة، خريج هندسة، بشتغل في شركة إلكترونيات وليا دخل كويس الحمد لله، عندي شقة تمليك على ناصية شارع بيتي، ليا أخ واحد لسة في ثانوية عامة بعد ما يخلص دراسة بإذن الله هيتجوز في نفس العمارة في الدور اللي فوقي، دي نبذة مختصرة عني، أنتي عندك أي سؤال؟
كنت أنصت له باهتمام ثم أفقت على سؤاله، وبلا تردد سألته:
- ليه أنا؟ ليه تاخد واحدة مطلقة وأنت مسبقلكش الجواز، خصوصًا وأنا مطلقة في أول سنة، يعني الطبيعي تشوفني مش كويسة.
وضع كوب العصير من يديه قائلا:
- ليه أنتي فده نصيب، ربنا وضعك في طريقي وسخر كذا حد يقولي عليكي، المطلقة مش معيوبة على فكرة، هي بس اختارت غلط أو اللي طلقها اختارها مش مناسبة ليه، متعودتش أحكم على حد من غير ما أعرفه وبالتالي عمري ما هشوفك مش كويسة بدون ما أتعامل معاكي.

عدت من تلك الذكرى القريبة، ولا أنكر شعور الراحة الذي لازمني منذ رأيته والذي ظل ملازمًا لي بعدما استخرت، أيكون العوض؟ لعله خير!

مشكلة أبي أنه لا يتعلم من أخطائه، كل ما يهمه "أستّر البنت" كما يزعم، لذا عجل بعقد قراني متحججًا بقوله "مينفعش الراجل يفضل داخل خارج وهو غريب عنك"، وبالطبع لم تفلح محاولات أمي في إقناعه بقولها "ما هو خطيبها"، ومؤكدٌ لم أكن أنا لأتصدى له!

عايزة أتجوز "مكتملة"💙!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن